لسنوات بعيدة مضت، كان البعض يُقيّم أصول المؤسسات والشركات بقيمة مبانيها ومعداتها وما تحويه مخازنها من منتجات، لكن في ظل اقتصاد جديد يعتمد على المعرفة والإبداع، تتزايد أهمية الابتكار والتحول من اقتصاديات السلع التقليدية إلى اقتصاديات الأفكار الإبداعية.
وإذا كان معظم البشر يعتقد أن الإبداع هو ثمرة لمحة عبقرية فقط، فإنني أرى أن الإبداع يمكن أيضاً أن يكون ثمرة مجهود مبذول من رواد الأعمال بغرض تحقيق رغبات المستهلك وتلبية احتياجاته، فالمستثمر الناجح عليه أن يغتنم الفرصة في دعم وتبني الفكرة الناتجة من زيادة القيمة المضافة للمنتج أو الخدمة. إن الإبداع يمكن أن يشتمل على أولا: الاختراع، وهو حدوث تغيير جوهري يؤدي إلى استحداث منتج أو خدمة جديدة، كما في حالة ألكسندر جراهام بل مخترع الهاتف، وأيدون لاند مخترع الكاميرا الفورية. ثانيا: التطوير، ويشمل التحسين وزيادة جودة المنتج والخدمات، حيث يستفيد رائد الأعمال من الخبرات السابقة ويطورها لاستحداث الجديد في المجال نفسه، فمثلا بيل جيتس مؤسس “ميكروسوفت” لم يخترع الكمبيوتر ولكن برع في الاستفادة منه. ثالثا: الإبداع في المنتج: مثل تحسين أو استحداث خواص جديدة لمنتج قائم، كما في حالة آلة الحلاقة الكهربائية التي ابتكرها ماكس براون بدلا من اليدوية، رابعا: الإبداع في الخدمات، وذلك بتطوير نظم التسويق أو أساليب إدارية جديدة، مثل سام ويلثون مؤسس وول مارت، الذي قام بتطوير نظام التوزيع؛ ما أدى لتقليل تكلفة التوصيل، خامسا: الإبداع في العمليات، بهدف تقليل التكلفة أو تحسين الجودة أو زيادة الإنتاجية، مثل هنري فورد الذي أدخل فكرة خطوط التجميع للسيارات؛ ما جعل شركته تعطي إنتاجية عالية بتكلفة تصنيع أقل.
وإذا تحدثنا عن مصادر الإبداع، فهناك عديد من المصادر التي تقوم بدور المحرك والدافع للإبداع ومنها: أولا: الخـبرة العملـيـة، فكثير من المبدعين تواتيهم أفكار مبتكرة أثناء مزاولة أعمالهم لدى الغير، مثل بعض الصناعات التي تكون بمثابة حاضنات لإخراج ابتكارات جديدة. فعلى سبيل المثال: كين أولسون -مؤسس شركة المعدات الرقمية- قرر أن يؤسس شركته الخاصة مستفيداً من خبرته في عمله السابق في شركة IBM التي كانت بمثابة حاضنة لفكرته المبتكرة في تصنيع معدات رقمية. ثانيا: البحـث والـتـطـويـر، فإن الجهد والمثابرة يسهمان إلى حد كبير في إخراج المنتجات أو الخدمات الجديدة إلى حيز الوجود، مثل نولن بوشنل مخترع لعبة الأتاري، الذي استخدم قطعاً إلكترونية مهملة وأجزاء من الألعاب القديمة لابنته لينتج أول جهاز إلكتروني للعبة الأتاري. ثالثا: المسـتـهلكـون، إن احتياجات ورغبات المستهلك هما المحرك الرئيس والدافع للابتكار، فمثلا: ماكس براون نجح في تقديم عديد من الأجهزة المنزلية الكهربائية بعد دراسة احتياجات ورغبات ربة المنزل المستخدِمة النهائية لمنتجاته. رابعا: المنافـسـون، حيث إنه في أحيان كثيرة تقوم المنتجات والخدمات التي يقدمها المنافسون في السوق بدور المحرك لتحفيز المبدع لابتكارات جديدة منافسة؛ رغبة منه في احتلال الصدارة لتسويق منتجاته المميزة وليدة ما بذله من أفكار جديدة مبتكرة مثل السباق التنافسي الشهير بين شركتي هيولت باكارد وإبسون المنتجتين لطابعات الحاسب الآلي. خامسا: الحـاضـنـات، حيث تعد الحاضنات بأنواعها المختلفة من أهم العناصر التي تهيئ المناخ المناسب لظهور الأفكار الجديدة، حيث يتم احتضان هذه الابتكارات لتصبح فيما بعد كياناً قابلاً للخروج إلى حيز التنفيذ.
ويظل المصدر الأول للإبداع هو الله (البديع) وهو اسم من أسماء الله الحسنى وهو الخالق المصور الذي خلق المخ البشري، حيث مكان الفكر والذاكرة ومركز الإحساس والتعلم. متوسط وزن المخ البشري 1.3 إلى 1.4 كيلو جرام من المادة الحية. يمكنه العمل بنحو 20% من طاقته وقدرته العقلية. به ما يزيد على ألف مليون خلية. يخزن ألف معلومة جديدة كل ثانية. يتعرف على الشيء في أقل من ثانية. بحجمه الصغير يعادل حاسبا آليا وزنه عشرة أطنان. ينشغل بأكثر من شيء في وقت واحد. يتحكم في القدرة على استخدام اللغة والحساب والمنطق والتحليل. يتحكم في قدرة الإنسان على الحدس والتنبؤ والتصور والتخيل والرؤية وأيضا.. الإبداع.