حين يقرر رائد أعمال إطلاق شركته الناشئة فإنه لا يفكر في أن تلعب هذه الشركة دورًا اجتماعيًا ما، فكل ما يشغل باله هو جلب المال وتحقيق الربح، لكنه إذ يفعل ذلك يقع في خضع كبير؛ فالسوق مفعم بالمنافسين الأقوياء، ولعل السلاح السري للشركات الناشئة هو أن المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة، أي أنها هي الوسيلة التي يمكن للشركة من خلالها أن تعثر لنفسها على موطئ قدم في السوق.
ليس هذا فحسب، بل ثمة أمر آخر على قدر كبير من الأهمية يحتم على رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة اعتبار المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة، وهو ذاك المتعلق بالوعي الاجتماعي المتنامي لدى الأجيال الجديدة، خاصة أولئك المولودين في العقد الأخير من القرن الماضي.
إذ تشير أغلب الدراسات والتقارير المتعلقة بهذا الجانب إلى أن هذه الأجيال الشابة تفضل التعامل والشراء من الشركات التي تخدم قضية اجتماعية ما، أو تلعب دورًا فاعلًا في المجتمع المحيط بها.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية المتبادلة.. وحدة الأهداف وتعدد المصالح
معادلة المجتمع الصحي والشركة القوية
إن الحامل الأساسي لنجاح أي شركة من الشركات هو الناس، العملاء، باختصار إنه المجتمع، ومجتمع كل شركة هو محيطها الاجتماعي، وكلما كان هذا المجتمع المحيط قويًا وصحيحًا كانت معدلات خدمته للشركة أقوى وأكثر فعالية.
ومن هنا أتت تلك العلاقة التي نشير إليها هنا؛ إذ ليس معقولًا أن تزدهر شركة وتنمو في مجتمع أفراده مرضى، ومشردون، ومدمنو مخدرات. فليس من المنطق أن يكون هؤلاء الأفراد قادرون على العمل، ولا لديهم من المال ما يمكّنهم من شراء منتجات تلك الشركة التي تعمل في مجتمعهم وتقدم لهم منتجاتها وخدماتها.
اقرأ أيضًا: استثمار القيمة الاجتماعية.. إشراك الجميع في المهمة
الأثر الرجعي للخدمة الاجتماعية
إذا أردت أن توفّر لشركتك الناشئة المال فانفق ما استطعت على الأنشطة الاجتماعية المختلفة، وستظفر بالمال من جهتين، الأولى: أن هذه الأنشطة حتى وإن كانت مكلفة ماديًا إلا أنه يمكن اختيار ما يناسبك منها وما يناسب ملاءتك المالية، مثل استخدام المُعاد تدويرها، أو استخدام الإضاءة الموفرة للطاقة، هذا في حد ذاته موفر للمال.
لكنها، وهذه هي الجهة الثانية التي يمكن للمسؤولية الاجتماعية أن توفر لك المال من خلالها، ستوصل رسالة إلى عملائك الحاليين أو المحتملين مفادها أنك تخدم قضايا بيئية، ومجتمعية من نوع ما، وهو الأمر الذي سيدفع عملاءك للتمسك بك من جهة، وسيجلب لك مزيدًا من العملاء الجدد، وعلى ذلك تتضح بجلاء صحة تلك النظرة إلى المسؤولية الاجتماعية كقيمة مضافة وسلاح سري للشركات الناشئة.
اقرأ أيضًا: استراتيجية العمل الخيري والإسهام في الرفاه الاجتماعي
قصة نجاح الشركة
يمكن للشركات الناشئة أن تسوق لنفسها دون أن تنفق في ذلك أموالًا تذكر؛ فمجرد التزامها بالمسؤولية الاجتماعية هو رسالة دعائية وتسويقية، لكن بشرط أن تحسن الشركة استخدام هذه الميزة، وأن تدمج المسؤولية الاجتماعية في استراتيجية الترويج لنفسها، وأن تعتبرها قصتها الخاصة التي يجب عليها روايتها وسردها في كل وقت.
اقتناص الكفاءات
هذه واحدة من بين أبرز الملامح التي تؤكد أن المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة وسلاح سري للشركات الناشئة؛ إذ إن الالتزام بلعب دور اجتماعي فاعل لن يساعد الشركة في تحفيز موظفيها، واستغلال طاقاتهم وقدراتهم الاستغلال الأمثل فحسب، وإنما سيساعدها، كذلك، في اقتناص أفضل الكفاءات والمواهب الشابة.
اقرأ أيضًا: القيمة الاجتماعية للشركات.. معيار النجاح في الألفية الجديدة
ولنتذكر أن أغلب الذين سيتم توظيفهم هم من الأجيال الجديدة ذات الوعي الاجتماعي المتفتح _كما أشرنا إلى ذلك أعلاه_ وهو الأمر الذي يعني أن توظيف المهرة والأكفاء من بين هؤلاء سيكون أسهل بكثير على الشركات الملتزمة اجتماعيًا.
وطالما أن الشركة لديها من المواهب والمهارات ما يكفي، فهذا يعني أن فرصتها في الفوز على المنافسين قوية، إن لم تكن مؤكدة.
تغيير العالم للأفضل
أتصور أنه ليست هناك رسالة دعائية/ ترويجية يمكن أن تقوم بها شركة من الشركات أبلغ ولا أكثر تأثيرًا من أن تموضع الشركة نفسها في السوق بصفتها هادفة إلى تغيير العالم للأفضل.
صحيح أن هذا سيحتم عليها أن تخوض غمار حل الكثير من المشكلات والمعضلات التي سيتخلف عنها الكثيرون، لكن هذه التجربة، وهذا العمل الاجتماعي الخيّر سينعكس إيجابًا على معدلات مبيعات منتجاتها، بل في جذب مزيد من العملاء الجدد إليها، والحفاظ على العملاء الحاليين.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة
والمؤكد أن هذا _أي الحفاظ على العملاء الحاليين وجذب عملاء جدد_ هو كأس الشركات المقدسة، بمعنى أنه هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه كل شركة تعرف قواعد اللعبة، وتقرأ السوق قراءة صحيحة وواعية.
إن اعتبار المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة وسلاح سري للشركات الناشئة والكبرى على حد سواء يوجب وضع استراتيجيات وقواعد تترجم هذه النظرية وذاك الإيمان إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع؛ إذ من خلال هذا العمل الواقعي والفعلي ستعرف الشركة الناشئة طريقها إلى عالم الربح وجلب الأموال، بل ستوطد قدمها في السوق، ومن ثم ستكون في مأمن في الوقت الذي يقف فيه الجميع على حافة الهاوية.
اقرأ أيضًا:
ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات.. 3 مبادئ أساسية
الحد الأدنى من الأخلاق.. كيف توازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية؟
اتجاهات المسؤولية الاجتماعية في 2020.. استمرار أم تطور؟