طرحت هذا السؤال على الحضور أثناء كلمتي بالملتقى الرابع للمخترعين بالعاصمة السعودية الرياض، وأوضحت أنه إذا كانت الحاجة أم الاختراع، فإن التمويل أبوه، والحاضنة بيته؛ حيث يحتاج الاختراع إلى الدعم المادي والفني والبيئة المناسبة لمزيد من التجارب؛ ليخرج إلى حيز الوجود.
لقد حمل العرب – دومًا – كنزًا وتاريخًا عظيمين من الإبداع والمعرفة، في وقت كان الأوروبيون غارقين في ظلمات الجهل، وكانت أمريكا لم تُكتَشف بعد؛ فهناك الألغوريثم الذي يدرسه كل مبرمجي لغات الكمبيوتر في العالم والمُحرَّف من (ألخوريزم) نسبة إلى مبتكره عالِمنا العربي الخوارزمي وغيره من عشرات الأمثلة.
وسبحان البديع الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى؛ فهو الخالق المصور الذي خلق المخ البشري؛ حيث مكان الفكر والذاكرة ومركز الإحساس والتعلم، والذي يبلغ متوسط وزنه من 1.3 إلى 1.4 كجم من المادة الحية، ويمكنه العمل بحوالي 20 % من طاقته وقدرته العقلية.
وبالمخ أكثر من مليار خلية، ويخزن ألف معلومة جديدة كل ثانية؛ فبحجمه الصغير يتفوق على حاسب آلي وزنه عشرة أطنان، ويتحكم في استخدام اللغة والحساب والمنطق والتحليل، كما يتحكم في قدرة الإنسان على الحدس والتنبؤ والتصور والتخيل والرؤية والإبداع.
ولكن، ما فائدة الاختراع إذا كان حبيس الأدراج، أو لم يجد البيئة الخصبة التي تخرج به إلى النور؟! لقد قابلت في مملكة البحرين مهندسًا مصريًا عمل معيدًا بإحدى الجامعات بالقاهرة، شارك في مسابقة دولية- أطلقتها منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي- بنموذج أولي لجهاز قياس نسبة السكر في الدم دون الوخز بالإبرة؛ حيث كان يبحث عن جهة تحتضن فكرته حينها.
يمتلك كثيرٌ من المبدعين في وطننا العربي أفكارًا واعدةً، يمكن أن تكون نواةً لمشروعات جديدة رائدة، خاصة مع الاتجاه والرغبة المتنامية لدى خريجي الجامعات والمدارس في إقامة مشروعات خاصة بهم في ظل عدم استيعاب القطاع الحكومي لهم، والصعوبات التي يواجهونها لدى القطاع الخاص، إضافة إلى رغبتهم في اقتحام مجال ريادة الأعمال؛ لما له من بريق.
ويكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه مجتمعاتنا في ضرورة توجيه الدعم الكامل لاكتشاف المخترعين والمبتكرين والمبادرين القادرين على إنجاح مشروعات غير تقليدية، يمكنها توليد مشروعات تسهم في زيادة فرص العمل، وقادرة على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية.
ولأننا في عصر تتغير فيه الأشياء بسرعة مذهلة (تويتر استغرق 3 سنوات وشهرين لأول مليار تغريدة، بينما يسجل مليار تغريدة كل يومين)، فلا يوجد مكان للأفكار البالية التي لا تساير متطلبات الحياة لمن يرغبون في الاستمتاع بكل جديد؛ وهو ما ينطبق على المنتجات الاستهلاكية أو الخدمية أو حتى السلع المعمرة التي يجب أن تتطور دومًا لتفي بمتطلبات الأفراد والمجتمع.
على رائد الأعمال أن يُظهر ابتكاره في سلعته وفي خدماته المختلفة، فالابتكار من أهم عوامل نجاح المشروع، ومفتاح أية ميزة تنافسية، وقوة دافعة نحو تحقيق النمو.
أخيرًا، أتمنى:
1. هدم الحواجز البيروقراطية والروتينية؛ فهي العدو الواضح للإبداع وريادة الأعمال، ولنا في سويفل مثال على ذلك.
2. توعية الراغبين في تأسيس مشروعات جديدة أو توسعة مشروعات قائمة من خلال الندوات وورش العمل والمؤتمرات والمعارض، بالاستفادة من الاقتصاد التشاركي، والابتكار والتجديد والابتعاد عن التقليد.
3. نشر المراكز الريادية والحاضنات والمُسرِّعات لنقل الأفكار الإبداعية من الحيز النظري إلى حيز الوجود، بكل منطقة جغرافية من بلداننا.
4. تطوير برامج ومناهج وأساليب التدريس الحالية فيما يتعلق بالعلوم التقنية والفنية والتطبيقية، والبدء بما انتهى إليه الآخرون في مجالات؛ مثل تقنيات الثورة الصناعية، وتقنيات المعلومات والاتصالات، والتقنية الحيوية، وتقنيات النانو، والفمتو، والهندسة الوراثية، وعلوم الفضاء، وغيرها من العلوم الحديثة لخلق جيل جديد من المبدعين.
اقرأ أيضًا: