جاء قرار مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بتنفيذ برنامج الخصخصة ليتوافق مع رؤية 2030؛ بهدف رفع كفاءة أداء الاقتصاد الوطني وتحسين الخدمات المقدمة، وزيادة فرص التوظيف، واستقطاب أحدث التقنيات والابتكارات، ودعم التنمية الاقتصادية بإشراك منشآت مؤهلة في تقديم هذه الخدمات، وبتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي بمختلف القطاعات؛ لضمان رفع الناتج المحلي بتنوع مصادر الدخل.
وقد حرصت الدولة- لعقود من الزمن- على تشجيع القطاع الخاص وجعله شريكًا أساسيًا في التنمية، فبادرت منذ الخطة الخمسية السادسة إلى تشجيع الخصخصة.
ويأتي التعليم ضمن أولويات الدولة في برنامج الخصخصة؛ لضمان جودة عالية للمخرجات التعليمية وتقليل العبء الاقتصادي. وبالرغم من وجود أزمة اقتصادية عالمية، وشح الموارد، وتراجع أسعار النفط، إلا أن الدولة تؤمن بضرورة التعليم للجميع، فضخت مليارات الريالات في التعليم؛ حتى أصبحت ميزانيته من بين أكبر القطاعات.
وعلى مر السنين، تتضاعف ميزانية التعليم تدريجيًا؛ إذ ارتفعت من 192 مليار ريال عام 2016م إلى200 مليار ريال في عام 2017م, لكنها تبدو غير قادرة على سد متطلبات التعليم، سواء العام أو الجامعي؛ وذلك لتضاعف أعداد الطلاب والابتعاث الخارجي والداخلي؛ ما أدى إلى زيادة التكلفة الاقتصادية، علاوة على سعي وزارة التعليم إلى تأسيس مدارس جديدة لاحتواء أعداد الطلاب المتزايدة, وسعيها للتجديد والتطوير والتدريب والبحث العلمي وتوفير الأجهزة والمعامل وغيرها؛ حتى باتت ثقلًا واضحًا على ميزانية التعليم.
وتُعد خصخصة التعليم، تجربة حديثة؛ لذا نشأ جدل كبير، ليس محليًا فقط، بل وعالميًا أيضًا حول التأثير الاقتصادي الاجتماعي المتوقع من الخصخصة. وبات التعليم الخاص حقيقة لا يمكن تجنبها؛ كونه آخذًا في التوغل؛ حتى أصبح ينافس التعليم العام بقوة. وأصبح هاجس الدول- حتى الغنية منها- إشراك القطاع الخاص، وتحمل مسؤولية تعليم المجتمع، وبات تدشين الجامعات, والكليات, والمدارس الخاصة مطلبًا يسعى إليه مسؤولو التعليم.
لقد أصبح من الضروري، التفكير بمزايا وعيوب خصخصة التعليم، فهناك من يرى أن التعليم يعاني من مشكلتين أساسيتين: وهما قلة الإنفاق، وجودة المنهج العلمي؛ وبالتالي تأتي الخصخصة كحل لهاتين المعضلتين، والتطوير, ونادى كثيرون بغلق المدارس العامة والاكتفاء بالمدارس الأهلية لجودة التعليم فيها.
ويرى هؤلاء أهمية منح الثقة للقطاع الخاص بإدارة قطاع التعليم؛ لقدرته على تقديم خدمات تربوية بجودة عالية، مع زيادة نسبة توظيف الشباب المتخصصين في التعليم والتربية؛ إذ اتجه كثيرٌ منهم إلى وظائف بعيده تمامًا عن التعليم.
تستطيع الخصخصة محاكاة متطلبات سوق العمل، والتركيز على الجانب العملي التدريبي، وتقليل البيروقراطية المتبعة في القطاع العام؛ وبالتالي رفع الكفاءة التعليمية بما يتوافق مع التوجهات العالمية في التعليم.
وقد أشار هؤلاء إلى أنَّ قطاع التعليم الأهلي كان- ولحقبة من الزمن- مهمشًا, إلا أن نجمه بدأ يسطع في الآونة الأخيرة؛ إذ سجل آلاف الأهالي أبناءهم فيه، سواء على مستوى المدارس أو الجامعات نظرًا لجودته العالية.
وفي المقابل، يخشى المعارضون من أنتقال التعليم من المفهوم الاجتماعي- الذي يضمن مساواة جميع أعضاء المجتمع في الحصول على فرصة التعليم- إلى المفهوم التجاري والاستثماري.
ويخشى هؤلاء من اتجاه الدولة إلى إلغاء مجانية التعليم، فضلًا عن تنبؤات بزيادة التكاليف، ونقص في الخدمات الممنوحة للطلاب, ونقص في أعداد المنح الطلابية, وقلة في إنتاج الأبحاث العلمية المتخصصة؛ وبالتالي تدهور التعليم؛ لتحوله من تعليم يبني الأجيال إلى تجارة تستنزف الأجيال.
كل هذه الأسباب قد تؤدي إلى ضعف المستوى الأكاديمي, والقصور في الإعداد المهني, وعدم تمكن الطلاب من المهارات المطلوبة للتفكير والاتصال الفعال, و انخفاض روح المبادرة والمسؤولية الاجتماعية.
ويأتي القلق الأكبر من تفشي ظاهرة الأمية والجهل, وظهور تباين في الطبقات المجتمعية, وخشية تصنيف المجتمع بالمدارس التي يرتادها أبناؤهم. أعتقد أنه لا توجد إجابة صريحة بفاعلية خصخصة التعليم حتى عالميًا؛ كونها معادلة تحتاج إلى دراسة وفكر عميق.
وقد يكون من الضروري- وقبل الشروع الفعلي في خصخصة التعليم- الأخذ في الاعتبار بعض النقاط التي قد تحدد المسار الأمثل للخصخصة، ومنها على سبيل المثال: ما الدوافع وراء الخصخصة؟, وما الفوائد الاقتصادية المرجوة منها؟, وما احتياجات التعليم التي يتوقع أن تلبيها الخصخصة؟, وما المشكلات والسلبيات المتوقعة؟, وهل سيكون المستوى التعليمي للطلاب أفضل؟, وهل سيتطور التعليم وبالذات على مستوى المنهج والمعلم والمجتمع التعليمي ككل؟, وهل سنشاهد مدارس عالمية خاصة جاذبة للطلاب كما في الخارج؟, وهل ستلغى مجانية التعليم, لاسيما وأن هناك أسرًا قد لا تستطيع دفع تكاليف دراسة أبنائها.
أتمنى أن تنتهج وزارة التعليم المنهج المحايد في الوقت الحاضر؛ لتثبت الخصخصة جودتها، فيمكن أن تهتم الوزارة بالإشراف والمراقبة ووضع السياسات والأنظمة بالتوسع في الخصخصة، مع ترك المجال للقطاع الخاص بالمشاركة, وتقديم مختلف الخدمات العامة.
وهناك حاجة ماسة- لاسيما في الوقت الحاضر- إلى جلب المستثمر الأجنبي المصنف كمنشأة كبيرة في مجال التعليم؛ لنقل تجاربه العالمية ومشاركة المستثمر المحلي لدفع التعليم إلى مصاف عالمية جديدة.
لقد أصبح من الضروري تعاون القطاع الخاص لتسخير أمواله- التي خصصت للخدمة للمجتمعية- لدعم التعليم؛ لأن أبناءنا في أمسِّ الحاجة إلى التعليم المتميز المحاكي لتوجهات التعليم العالمي؛ لبناء جيل قادر على نقل دولتنا إلى مصاف الدول العالمية.