مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية التي يفصلنا عنها بضعة أشهر، والتي من المتوقع أن تؤثر على حوالي نصف سكان العالم. لا يمكن لرواد الأعمال وخاصة القادة منهم تجاهل مخاطر التزييف العميق ولا دورهم في القيام بكل ما في وسعهم لحماية الديمقراطية عن طريق الحد من انتشار المعلومات المضللة.
بالطبع لا أقصد بالمعلومات هنا تلك المعلومات المزيفة التي تعتمد على المحاكاة الساخرة الواضحة. ولكن بالمقصود هنا هو النوع الآخر من المعلومات المبنية على التزييف العميق الواقعي والمخيف. وهو ما يجعل السؤال عند هذه النقطة تحديدًا يفرض نفسه.
هل تلعب بالفعل المعلومات المضللة أو هذا النوع من التزييف العميق دورًا في السياسة والمجتمع؟ الإجابة ببساطة، نعم، وأصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل الاجتماعي محفزتان لإثارة الأمور أسهل من أي وقت مضى.
وإذا كان لأبحاث شركة KPMG أي مؤشر في هذا الشأن، سيظهر حجم المشكلة وتفاقمها عام تلو الآخر؛ إذ ارتفع معدل إنشاء ونشر مقاطع الفيديو المزيفة بعمق إلى حوالي ٩٠٠%، وهي نسبة بلا شك مخيفة. وما يؤكد ذلك هو تصريحات شركة Cloudflare بأن برامجها تصدت لأكثر من ٢٣٤ مليون تهديد إلكتروني للمنظمات ذات الصلة بالانتخابات بين عامي ٢٠٢٢ و ٢٠٢٣.
مجابهة التزييف العميق
لا جدال في أن التزييف العميق وحيل الإنترنت الأخرى لديها القدرة على التسبب في أضرار بالغة، فقد يؤثر مقطع فيديو واحد فقط على الأصوات لصالح مرشح ما أو ضده. ومع ذلك، فإن معرفة ما يمكنك فعله أنت وشركتك لمكافحة هذه المشكلة لن يكون أمرًا صعبًا.
ولا شك إنك ستجد إذا كنت تعمل في قطاع التكنولوجيا أن الحلول التالية أسهل في الاستخدام. ومع ذلك، لا يزال بإمكانك الاعتماد على أفضل هذه الممارسات بغض النظر عن الصناعة التي تعمل فيها.
1- كن قدوة للشركات المسؤولة
قبل نشر أي معلومات مشكوك في صحتها ولو بقدر بسيط قم بالتنبيه على موظفيك أو عملائك أو العامة، التحقق مرتين وثلاث مرات من مصادرهم ومعلوماتهم. حيث يفترض الجميع عادة أن ما تقوله العلامة التجارية سيكون صحيحًا، خاصة إذا كانت موثوقة، ولا تفترض أبدًا أن بإمكانك خداع المشاهدين.
لذا؛ كن حكيمًا واعمل كنموذج يحتذى به من خلال تشغيل كل المحتوى الخاص بك من خلال فلترة التزييف العميق للتأكد من أن كل فرد في شركتك يفهم أهمية هذا المفهوم، وقنن السياسات والإجراءات والضوابط التي تضمن القيام بذلك.
في عام ٢٠٢٢ انتشر مقطع فيديو على “تيك توك” يشير إلى أن شركة “ديزني” خفضت سن الشرب في حدائقها، وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام كشفت أن المعلومات مغلوطة في وقت لاحق نسبيًا.
إلا أن الفيديو الأصلي قد تم نشره بالفعل عدد مرات لا حصر لها، ورغم أن هذا قد يبدو بسيطًا، فإنه يوضح مدى ثقل الخدعة الذي يمكن أن تتمتع به.
كما حدثت أمثلة أكثر خطورة مما سبق، ففي عام ٢٠١٩، استخدم بعض المتسللين برامج الذكاء الاصطناعي وتظاهروا بأنهم الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات، وطالبوا بما يقرب من ربع مليون دولار.
وفي السنوات الخمس التي تلت ذلك، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر تطورًا بكثير، وباتت قادرة على اختلاق التزييف العميق الخاص بأولئك المتسللين.
على سبيل المثال، أشار برنامج ChatGPT مع بداية إطلاقه إلى دراسة ضمنًا تضمنت أن لقاح كوفيد-١٩ غير فعال، ومع ذلك لم يكن هناك أي وجود لمثل الدراسة ولم تكن موجودة على الإطلاق، لقد كانت مجرد “هلوسة” للبرنامج. لهذا، أكرر مجددًا، هذا هو المكان الذي يكون فيه وجود قواعد ولوائح لحماية شركتك أمرًا منطقيًا.
2- استخدم الذكاء الاصطناعي
ليست المشكلة في الذكاء الاصطناعي وحده، ولكن تكمن المشكلة في الطريقة التي يستخدمه بها الأشخاص، ومع ذلك، يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي نفسه حلًا للمساعدة في مكافحة التزييف العميق والمعلومات المضللة في الانتخابات وما بعدها.
سبق وصرحت “إيفانا بارتوليتي”، الرئيس العالمي لشؤون الخصوصية وحوكمة الذكاء الاصطناعي في شركة “ويبرو”، قائلة: “إن برامج التدريب عبر الإنترنت يمكنها التدريب على اكتشاف المحتوى المزيف العميق والإبلاغ عنه”.
وأضافت “يجب على الشركات خاصة المصنعة لمنتجات الذكاء الاصطناعي الموجهة للمستهلكين، أن تعمل على الكشف عن التزييف العميق والمعلومات والتوعية”. ومع ذلك، فهي لا تشعر أن منظمات التقنية ينبغي لها أن تكون بمفردها في المعركة.
ومن خلال تجربتها فإنها ترى أنه يجب على الكيانات السياسية أيضًا أن تشارك وتتخذ خطوات لحماية نفسها والمجتمعات التي تخدمها.
وهو ما ذكرته صراحة قائلة: “يجب على جميع الأحزاب والمرشحين التوقيع على مدونة قواعد السلوك التي تتضمن استخدام أدوات مثل العلامات المائية الرقمية على العناصر المرئية أو الصوتية للمساعدة في زيادة الثقة في المحتوى”.
وبالتزامن مع تصريحات “بارتوليتي”، يحسب لشركة OpenAI أنها وعدت ببذل كل ما في وسعها لمكافحة التزييف العميق والمعلومات المضللة.
وصرحت بأنها ستقوم ببرمجة أدوات DALL-E الخاصة بها بحيث لا تقوم بإنشاء محتوى يحاكي المرشحين النشطين للمناصب، ورغم أن تلك الوعود قد لا تكون مثالية، ولكنها أفضل من عدم وجود أي ضمانات على الإطلاق.
3- تثقيف الجمهور:
وخاصة حول كيفية اكتشاف المعلومات الخاطئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وهناك طريقة أخرى لإحداث فرق فيما يحدث مع كل هذا التزييف العميق عبر الإنترنت، وهي نشر الترياق وهو التعليم، نظرًا لاحتياج الكثير من الأشخاص إلى أن يكونوا على اطلاع أفضل حول كيفية اكتشاف المعلومات الخاطئة المستندة على الذكاء الاصطناعي. ورغم أننا نعيش في عصر محو الأمية الرقمية، ولكننا وللأسف، لا نستطيع التعرف دائمًا على الأمور المزيفة العميقة عندما نراها.
لذا؛ فكر بجدية في إعداد تدريبات خاصة لموظفيك عما يحدث حول وداخل سوق الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق أثناء العمل. فكلما عرفوا المزيد عن موضوعات مثل تقليد الأصوات وحتى إجراء مقابلات مع الصور الرمزية العميقة، قل احتمال وقوعهم في مثل تلك الفخاخ.
ويمكن للمديرين التنفيذيين، ومديرين والمديرين الاستفادة من هذا النوع من تبادل المعرفة، كما يمكن لجميع العاملين أيضًا الاستفادة منه. وبالطبع يشمل هذا العاملين عن بعد، الذين قد يكونون أكثر عرضة للتعرض لتلك المعلومات لأن لديهم وقتًا أقل مع زملائهم في العمل، أو البائعين، أو العملاء. وتذكر أن المعلومات المزيفة بعمق ستصبح أكثر صقلًا، لذا استمر في التعليم.
وقد يكون من المفيد أن تبذل جهودًا لتقديم دورة تدريبية واحدة على الأقل تركز على التزييف العميق سنويًا، نظرًا لأنه من المتوقع أن يكلف الاحتيال عبر الإنترنت الشركات في جميع أنحاء العالم أكثر من ١٠ تريليونات دولار سنويًا بحلول عام ٢٠٢٥، لذا؛ فإن استثمارك سيغطي تكاليفه إذا أوقفت مشكلة واحدة يمكن تجنبها.
وأخيرًا، قد يكون من السهل الاعتقاد بأنه لا يوجد شيء يمكنك القيام به كقائد أو رائد أعمال لحل مشكلة انتشار المعلومات المضللة الخاطئة، ومع ذلك، لديك قوة أكبر مما تدرك لإحداث فرق كبير من خلال القيام بدورك لحماية عملية الديمقراطية.