يُشير مفهوم “التحيز المعرفي” إلى تلك الاختصارات العقلية التي تؤثر في قراراتنا، وتجعلنا نتخذ قرارات غير عقلانية؛ إذ أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ستانفورد الأمربكية أننا نتخذ آلاف القرارات يوميًا، معتقدين أنها عقلانية. بينما في الواقع تتأثر هذه القرارات بتحيزاتنا المعرفية.
علاوة على ذلك يكتسب التحيز المعرفي أهمية خاصة في عصرنا الحالي، الذي يشهد تدفقًا هائلًا للمعلومات. ففي حين أن هذه المعلومات يمكن أن تكون مفيدة إلا أنها قد تزيد من فرص وقوعنا في فخ التحيزات المعرفية، وهو ما يؤثر بنهاية المطاف في طريقة تفكيرنا وتصرفنا.
التحيز المعرفي
من ناحية أخرى يمكن أن يؤدي التحيز المعرفي إلى مشاكل جمة في مختلف المجالات، سواء في ريادة الأعمال، أو الاستثمار، أو الإدارة، فقد يتخذ القادة قرارات غير سليمة بسبب تحيزاتهم، وهو ما يؤثر سلبًا في مؤسساتهم. كما قد يسبب خسائر مالية فادحة للمستثمرين.
كذلك يتعين علينا إدراك أن التحيز المعرفي ليس عيبًا فرديًا، بل هو ظاهرة إنسانية عامة، فجميعنا عرضة للوقوع في فخ التحيزات المعرفية. ولكن الوعي بهذه التحيزات يمكن أن يساعدنا على اتخاذ قرارات أكثر عقلانية، وتجنب الوقوع في الأخطاء. وبينما يظل التحيز المعرفي قوة مؤثرة فإن فهمه هو الخطوة الأولى نحو اتخاذ قرارات أكثر استنارة.
التحيزات المعرفية الأكثر شيوعًا
ثمة مجموعة من التحيزات المعرفية التي تؤثر في طريقة تفكيرنا واتخاذنا للقرارات، وغالبًا ما تقودنا إلى أخطاء في التقدير والحكم. وهي ليست مجرد أخطاء عابرة بل أنماط متكررة في التفكير تنشأ عن ميل عقولنا إلى تبسيط المعلومات المعقدة؛ ما يؤدي إلى تشويه الواقع.
لذلك فهم هذه التحيزات والوعي بها يعد خطوة حاسمة نحو اتخاذ قرارات أكثر عقلانية وموضوعية.
1. تحيز التأكيد:
يعد تحيز التأكيد من أخطر التحيزات المعرفية؛ حيث يدفعنا إلى البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتنا وآرائنا المسبقة، وتجاهل الأدلة التي تتعارض معها.
على سبيل المثال: قد يميل شخص مؤيد لسياسة معينة إلى متابعة مصادر الأخبار التي تتفق مع وجهة نظره فقط، وتجنب المصادر التي تقدم آراء مختلفة. ولمواجهة هذا التحيز ينصح الخبراء بالبحث بنشاط عن وجهات نظر معاكسة.
2. تحيز الإرساء:
يؤثر تحيز الإرساء في قراراتنا عندما نعتمد بشكلٍ مفرط على أول معلومة نحصل عليها، حتى لو كانت غير ذات صلة. على سبيل المثال: ربما يعاني المتقدم للوظيفة من التفاوض على راتب أعلى بعد تقديم عرض منخفض في البداية.
ولتجنب هذا التحيز يجب عدم الاعتماد على القيمة الأولية كنقطة مرجعية، والبحث عن مصادر مستقلة للمقارنة.
3. تحيز التوافر:
يدفعنا تحيز التوافر إلى الحكم على احتمالية وقوع الأحداث بناءً على مدى سهولة استرجاعها من الذاكرة.
مثلًا: قد يتجنب شخص السفر بالطائرة بعد رؤية حادث تحطم طائرة في الأخبار، على الرغم من أن السفر بالطائرة يعد من أكثر وسائل النقل أمانًا. لذا ينبغي التساؤل عما إذا كانت القصة التي نتذكرها شائعة حقًا، أم أنها مجرد حادثة لا تُنسى.
4. مغالطة التكلفة الغارقة:
تدفعنا مغالطة التكلفة الغارقة إلى مواصلة الاستثمار في مشروع أو قرار، حتى لو كان ذلك غير منطقي؛ وذلك لأننا استثمرنا فيه بالفعل.
على سبيل المثال: تستمر شركة في ضخ الأموال بمنتج فاشل لأنها استثمرت فيه مسبقًا. ولمكافحة هذا التحيز من الضروري التساؤل عما إذا كنا سوف نستثمر في المشروع إذا بدأنا من جديد اليوم.
5. تأثير الهالة:
يؤثر تأثير الهالة في حكمنا على سمات الأشخاص؛ إذ يؤدي انطباعنا عن سمة واحدة إلى التأثير في حكمنا على سمات أخرى غير مرتبطة بها.
من الأمثلة على ذلك: قد يُفترض أن المرشح الأنيق أكثر كفاءة، على الرغم من عدم وجود دليل على ذلك. ولتجنب هذا التحيز ينبغي البحث عن الأدلة الموضوعية، وعدم الاعتماد على السمعة أو المظهر أو الثقة.
6. تأثير دانينغ-كروجر:
يظهر تأثير دانينغ-كروجر في العديد من المواقف، مثل: محاولة شخص غير متخصص إصلاح منزله بنفسه بعد مشاهدة فيديو تعليمي على يوتيوب، أو اعتقاد شخص غير مؤهل أنه يستطيع أداء عمل أفضل من الخبراء.
لمواجهة ذلك التحيز يجب على الأشخاص الذين يشعرون بالثقة المفرطة في قدراتهم أن يفترضوا أنهم يبالغون في تقدير أنفسهم، ويطلبوا تغذية راجعة من الآخرين.
7. تحيز الحداثة:
يؤثر تحيز الحداثة في قراراتنا عندما نعطي وزنًا أكبر للأحداث الأخيرة، ونتجاهل الأحداث السابقة. على سبيل المثال: ربما يقيّم المدير موظفًا بناءً على أدائه في الأسبوعين الماضيين فقط، متجاهلًا أداءه طوال العام.
وللتغلب على هذا التحيز علينا أن نأخذ نظرة شاملة وطويلة الأمد عند اتخاذ القرارات.
8. تحيز الإطار:
عادةً ما يؤثر تحيز الإطار في قراراتنا عندما تتأثر هذه القرارات بالطريقة التي يتم بها تقديم المعلومات. مثلًا: تبدو عبارة “90% خالي من الدهون” أكثر صحة من عبارة “يحتوي على 10% دهون”، على الرغم من أن العبارتين تعنيان نفس الشيء.
ولمكافحة هذا التحيز يتعين علينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كنا سنشعر بنفس الشيء إذا تم تقديم المعلومات بطريقة أخرى.
9. تحيز خدمة الذات:
يدفعنا تحيز خدمة الذات إلى أخذ الفضل في النجاحات، وإلقاء اللوم على العوامل الخارجية عند الإخفاقات. على سبيل المثال: قد يأخذ المدير الفضل في نجاح المشروع، ولكنه يلوم الفريق عند فشله.
وللتغلب على ذلك التحيز ينبغي أن نجبر أنفسنا على رؤية أخطائنا، وليس نجاحاتنا فقط.
10. تأثير القطيع:
يؤدي تأثير القطيع دورًا رئيسيًا للتأثير في قراراتنا عندما نتبنى معتقدات أو سلوكيات معينة فقط لأن الآخرين يتبعونها. على سبيل المثال: يتسرع المستهلكون في شراء منتج عصري دون التفكير فيما إذا كانوا يحبونه بالفعل. ولتجنب الوقوع في هذا التحيز، يجب علينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كنا سنظل نؤمن بشيء ما حتى لو لم يغعل أحد آخر ذلك.
اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة
في النهاية يمكن القول إن التحيز المعرفي هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، وهو ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا دائمًا. ففي بعض الحالات يمكن أن يساعدنا التحيز المعرفي على اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة في المواقف التي تتطلب ذلك. ومع ذلك قد يؤدي أيضًا إلى أخطاء في التفكير واتخاذ القرارات، خاصة في المواقف المعقدة أو غير المؤكدة.
ولذلك من المهم أن نكون على دراية بالتحيزات المعرفية التي قد تؤثر فينا، ونحاول اتخاذ خطوات لتقليل تأثيرها في قراراتنا. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التفكير النقدي، والبحث عن وجهات نظر مختلفة، وتجنب الاعتماد على الاختصارات العقلية.