النظم الاقتصادية القادرة على الاستمرار هي تلك التي تحاكي الواقع دقة أكبر. ربما يكون هذا أبلغ توصيف لكتاب «الاقتصاد الأخير: دليل لعصر الاقتصاد الذكي». لمؤلفه عماد مشتاق، والذي يطرح فيه رؤية جديدة وفريدة لفهم كيفية تطور الاقتصاد ومكانة الإنسان فيه.
فيما يبسط الكتاب نظرية الاقتصاد الذكي، مع طرح إطار موحد لفهم الاقتصاد في عصر يتسم بوفرة الذكاء وليس ندرته. وهو مفهوم أحدث ثورة في أنظمة العمل والقيمة الاقتصادية. كما نعرفها مدفوعًا بالانفتاحات التقنية الحديثة.
معنى الذكاء ودوره الاقتصادي
ولطالما كان الذكاء البشري عنصراً نادراً وقيمًا ساهم في تمييز الإنسان عن باقي الكائنات وحافظ على تفوقه الاقتصادي لآلاف السنين، لكن كما يوضح الكتاب:
«يقترب عصر يتوفر فيه الذكاء بشكل وفير، حيث تستطيع الآلات التفكير أسرع وأرخص وأفضل». هذا ما يسميه المؤلف «الانعكاس الرابع والنهائي» في تاريخ الاقتصاد، حيث لم يعد العمل أو الأرض أو رأس المال هي المحركات الأساسية، بل الذكاء بحد ذاته.
كما أن هذا التغير يفرض تحديات كبيرة على أنظمة الاقتصاد المعروفة التي لم تصمم لاستيعاب وفرة الذكاء، مما ينذر بعصر جديد تنتقل فيه قيمة العمل المعرفي إلى وضع هش وربما يصبح عبئًا.
أزمة الوفرة وفخ الاقتصاد التقليدي
في حين يبرز الكتاب مفهوم «فخ الوفرة» الذي يعكس تضاربًا جوهريًا بين النظام الاقتصادي القائم على الندرة وبين عصر الذكاء الوفير.
كما أنه تمكن الذكاء الاصطناعي من توفير خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية مجانًا وبجودة عالية، يظهر مقياس الناتج المحلي الإجمالي على أنه يتقلص، لا ينمو؛ لأن الاقتصاد التقليدي «غير قادر على معالجة وفرة الموارد والمعارف».
بينما يشير هذا الفخ إلى أن المقاييس والتقاليد الاقتصادية الحالية، مثل الناتج المحلي الإجمالي. أصبحت غير ملائمة لقياس القيمة الحقيقية في عصرنا الجديد، مما يستلزم تطوير أدوات اقتصادية جديدة تتناسب مع «عصر الاقتصاد الذكي».
الاقتصاد الذكي: السمات والفرص
كذلك يقدم «الاقتصاد الأخير» مفهوم الاقتصاد الذكي كإطار متكامل يعتمد على الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا والذكاء. لا سيما الذكاء الاصطناعي والإنترنت عالي السرعة، لإنشاء اقتصادات أكثر كفاءة وابتكارًا.
ويشير الكتاب إلى أن الاقتصاد الذكي:
«يزيد من قيمة العمل من خلال توسيع الوصول إلى المهارات والفرص» ويتيح «تعزيز إبداع الإنسان برأس المال» بينما يحدث «تكاملًا أعمق للتقنيات» مما يخلق منتجات وخدمات جديدة
علاوة على ذلك تتمثل الفوائد الاجتماعية للاقتصاد الذكي في تحسين السلامة الصحية والاجتماعية. وزيادة الإدماج الاجتماعي ناهيك عن توفير الوقت للمستهلكين، مع تحقيق عوائد بيئية هامة مثل تقليل الانبعاثات.
مستقبل الاقتصاد: من «الخلق» إلى «الإدراك»
كذلك مما لا يمكن إغفاله أن الكتاب يلفت إلى أن الاقتصاد في عصر الذكاء الذكي سيتحول من اقتصاد يعتمد على إنتاج السلع والخدمات إلى اقتصاد يستند على الإدراك والذكاء، حيث يصبح إنتاج القيمة مرتبطًا بالمعرفة، والإبداع أكثر منه بالموارد المادية فقط.
كما يعد هذا التحول بتغيير عميق في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية. ويؤكد على ضرورة تبني نظريات جديدة وأطر عمل اقتصادية تمكّن الجميع من المشاركة في هذه الثورة الاقتصادية.
تحديات وآفاق جديدة
لا يغفل المؤلف أنه مع هذه الفرص تأتي تحديات هائلة من ضمنها مخاطر التهميش الاجتماعي نتيجة لفجوة الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما يؤكد المؤلف على أنه بدون إطار يضمن مشاركة الجميع، يمكن أن تزداد الهوة بين من يملكون الذكاء الاصطناعي ومن لا يملكونه، مما يؤدي إلى تركيز أكبر للثروة والسلطة الاقتصادية.
كما أنه من شأن طرح كهذا أن يفتح الباب أمام الحاجة إلى سياسات اقتصادية واجتماعية تراعي التغيرات الجديدة وتضمن توزيعًا عادلاً للفوائد التقنية.
في نهاية المطاف، يمثل كتاب «الاقتصاد الأخير: دليل لعصر الاقتصاد الذكي» خطوة ثورية لفهم التغيرات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها عالمنا.
بينما يستدعي إعادة التفكير في النظريات الاقتصادية التقليدية، ويقدم رؤية متعمقة لاقتصاد يقوم على وفرة الذكاء والتقنيات الحديثة. من خلال تقديم إطار اقتصادي جديد، يهدف الكتاب إلى مساعدة المجتمعات على التكيف والازدهار في عصر الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الذكي.



