أمست الاستدامة هي الهاجس الأكبر في هذه الآونة؛ ولعل الدافع وراء ذلك أمران: الوعي بالنضوب والتآكل الذي تتعرض له الموارد الطبيعية الموجودة على ظهر هذا الكوكب، والتطور الدائم الذي يحيل كل شيء جديد إلى قديم تالف، وهذا الجزء الأخير هو ثمن الحداثة لكنه فضيلتها أيضًا؛ فطالما أن كل شيء يتبدل فلماذا نكف نحن عن التطور إذًا؟! في خضم هذه التحديات تأتي استدامة الشركات كأحد تجليات هذا الوعي بالمخاطر.
والهدف الأساسي من استدامة الشركات هو استمرار قدرتها على جلب الربح، وقدرة منتجاتها على تلبية احتياجات جمهورها بشكل دائم، ليس هذا بالأمر الهين، لكن لا بد منه؛ فالبديل هو زوال الشركة من السوق.
ولكي تدرك أهمية استدامة الشركات لك أن تعلم أن شركات كبرى مثل Wal-Mart Stores, Inc. (WMT) ،McDonald’s Corporation (MCD) صنفت الاستدامة على أنها أولوية ومطلب أساسي للمضي قدمًا.
اقرأ أيضًا: الاستدامة المؤسسية.. أهميتها وأبعادها
الناس والكوكب والأرباح
لم يكن مفهوم الاستدامة، أول ما ظهر في ثمانينيات القرن العشرين، إلا مفهومًا بشريًا خالصًا؛ حيث كان الهدف هو محاولة إدامة بقاء الكائن البشري على ظهر كوكب الأرض، سوى أنه ما لبث أن أمسى مفهومًا عامًا يشمل كل شيء في الحياة تقريبًا.
ويمكن القول إن التوسع في مفهوم الاستدامة لم يكن إلا نتيجة للوعي بالكوارث المحيطة بنا؛ إذ لم يعد الخطر مقتصرًا على الإنسان وحده، وإنما البيئة والموارد الطبيعية بل الكوكب ذاته مهددون بأزمات وتهديدات خطيرة.
ومن هنا أتت فكرة الاستدامة والتي تعمل، بشكل أساسي، على ما يمكن تسمتيه «إطالة الأمد»؛ فإذا كان كل شيء معرّضًا للانهيار، أو كان الزوال قدر كل شيء، فإن كل ما يمكننا فعله هو إطالة أمده لبعض الوقت.
لكن هذا لن يحدث إلا من خلال ربط الحاضر بالمستقبل، بمعنى عدم جعل احتياجات الأجيال الراهنة تطغى أو تؤثر سلبًا في احتياجات الأجيال القادمة في المستقبل، وهنا يظهر الجانب المسؤول في الاستدامة؛ فهي تفكر في أولئك الذين لم يأتوا بعد، وتعمل على ترشيد استخدام الموارد الطبيعية؛ حتى لا يتم السطو على احتياجات الأجيال المستقبلية.
وبما أن الاستدامة على هذا القدر من العموم فيمكن القول إنها تفكر في أمور ثلاثة هي: الناس، والكوكب، والأرباح. تلك هي ركائز استدامة الشركات التي سنتحدث عنها الآن.
اقرأ أيضًا: ثقافة الاستدامة.. نحو شركات ملتزمة بيئيًا
الركيزة البيئية
عادة ما يحظى الجانب البيئي بأكبر قدر من الاهتمام؛ لما له من أثر كبير في شتى الجوانب الأخرى؛ حيث تركز الشركات على الحد من انبعاثات الكربون الضارة، وتقليل نفايات التعبئة والتغليف، واستخدام المياه وتأثيرها العام في البيئة.
وعلى الرغم من أن هذا المنحى مسؤول من الناحية الاجتماعية إلا أنه مفيد من الناحية الاقتصادية أيضًا؛ حيث إن تقليل كمية المواد المستخدمة في التغليف عادة ما يقلل من إجمالي الإنفاق على تلك المواد، وشركة Walmart مثال واضح على ذلك؛ حيث قلصت قدرًا كبيرًا من النفقات من خلال مبادرتها “التعبئة الخالية من النفايات”.
اقرأ أيضًا: مفهوم حوكمة الشركات.. أهميته وأبعاده
الركيزة الاجتماعية
لا يمكن الحديث عن استدامة الشركات بدون الإشارة إلى تلك الركيزة الاجتماعية والتي عادة ما ترتبط بمفهوم آخر هو الترخيص الاجتماعي؛ إذ يجب أن يحظى العمل المستدام بالدعم والموافقة من قبل موظفي الشركة، وأصحاب المصلحة، والمجتمع ككل.
وهناك تنامٍ ملحوظ في الاستثمار في هذا الجانب؛ حيث نما الاستثمار المستدام بين عامي 2016 و2018 بمعدل أكثر من 38%، وارتفع من 8.7 تريليون دولار في عام 2016 إلى 12 تريليون دولار في عام 2018، وفقًا لمنتدى الولايات المتحدة للاستثمار المستدام والمسؤول.
اقرأ أيضًا: الرأسمالية الواعية والمسؤولية الاجتماعية للشركات
الركيزة الاقتصادية
يُشار إلى هذه الركيزة أحيانًا باسم الحوكمة الرشيدة أو الحوكمة الرشيدة للشركات، لكن المهم هو أن استدامة الشركات لا يمكن أن تتحقق من دون الربح؛ فلكي تكون المؤسسات مستدامة يجب أن تكون مربحة.
سوى أن الربح بأي ثمن ليس هو المقصود هنا على الإطلاق؛ فمن الأنشطة التي تندرج تحت الركيزة الاقتصادية: الحوكمة السليمة، وإدارة المخاطر، والمسؤولية الاجتماعية.. إلخ.
إن إدراج الركيزة الاقتصادية والأرباح هو ما يجعل من الممكن للشركات أن تنضم إلى استراتيجيات الاستدامة؛ حيث يوفر العمود الاقتصادي ثقلًا موازنًا للتدابير المتطرفة التي تُدفع الشركات أحيانًا إلى تبنيها من أجل التحقيق العاجل للربح.
اقرأ أيضًا:
نظرة على المسؤولية الاجتماعية عالميًا أثناء أزمة كورونا
المسؤولية الاجتماعية وتحسين علاقات العملاء
أخلاقيات العمل.. الأهمية والأبعاد
تعليق واحد
الله يبارك فيكم ويوفقكم…كل موضوعات المجلة هادفة وعصرية وملحة
ويستفيد منها كل المنتمين إلي دنيا المال والأعمال والشركات….
ولكن أحيانا تحتاج بعض العناصر الفرعية في موضوع معين
مزيد من الشرح والتفصيل والأيضاح .حتي يفهم الفكرة أغلب القراء
وليس التخصصين فقط…خالص تقديري واحترامي