في عصر ملأته التغييرات السريعة والتقلبات الاقتصادية اتجه الموظفون الشباب وجيل z نحو أفق جديدة في التعامل مع العمل من منظور يتجاوز المفاهيم التقليدية للمهن، لتتحول من مجرد الحصول على راتب مغرٍ ومسار واضح للتقدم المهني إلى وظائف تؤمن دخلًا ثابتًا وإمكانيات حقيقية للترقية والرفاهية، بغض النظر عن معايير مثل جاذبية المنصب أو ثقافة الشركة.
هذا التغيير يمثل فترة تحوّل مهمة؛ فهو يعيد تعريف مفهوم الرضا في العمل والنجاح المهني؛ حيث يوجه رسالة واضحة إلى الشركات وأصحاب العمل بضرورة إعادة النظر في استراتيجيات جذب واحتفاظ بالشباب الموهوب.
يتركز هذا التحول على تعزيز الأمان المالي وتوفير فرص فعّالة للنمو والتطور، كعناصر أساسية ضرورية في أي بيئة عمل.

رضا الموظفين الشباب وجيل Z عن العمل
وعن الرضا عن العمل في جيل الشباب بحثت دراسة في مستويات سعادة الشباب مهنيًا، موضحة أن جيل Z يواجه تحديات مهنية غير مسبوقة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، وهو ما يجعلهم يتنقلون بين الوظائف بشكل مستمر، ويهتمون بالراتب والفرص التعلم والتطور، ويعتبرون الشغف تجاه العمل أمرًا مهمًا.
كذلك يظهر الشغف تجاه العمل بشكل متزايد مع تقدم العمر، ويتحول اهتمامهم تدريجيًا إلى تحقيق الأهداف قصيرة المدى للحفاظ على الرضا الوظيفي، كما يتميز جيل Z بالتنقل الوظيفي المستمر؛ فيظهر استعدادهم لتغيير الوظائف بشكل متكرر لتحقيق النمو والتقدم. يرون العمل كعنصر أساسي في تحديد هويتهم، لكن يشددون أيضًا على أهمية التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.
ولضمان التوافق مع احتياجات العاملين في هذا العصر المليء بالتغييرات يجب على الشركات إجراء دراسات عميقة لتحليل السلوكيات والتوجهات لتطوير مفهوم العمل، ويتطلب ذلك اكتساب مهارات أساسية مثل: استخدام الأدوات الرقمية والتكنولوجيا، وإدارة الأعمال.
تقول جوليا كينسبوك، الأستاذة المختصة في الإدارة والتنظيم، في حديثها عن الرضا الوظيفي وأهمية الأجر لدى الشباب “ما يهمنا في عملنا يتغير بتغير الزمن”، ومن خلال بحثها في عام 2019 الذي يكشف عن رابط وثيق بين الرضا الوظيفي للشباب والأجر أكدت أن هذه الفئة العمرية تعتبر الأجر هو حجر الزاوية في تقييمها للرضا الوظيفي.

وتوضح جوليا كينسبوك، في بحثها، أن الشباب اليوم قلقون بشأن المستقبل البعيد، ولكن مع تقدم العمر تتحول الأولويات نحو تحقيق الأهداف قصيرة المدى للحفاظ على الصحة النفسية والرضا الفوري، لافتة إلى أن هذا الانتقال في التركيز لا ينفصل عن رغبة الأفراد في إحداث تأثير إيجابي في محيطهم، سواء بالمجتمع أو مكان العمل.
وأوضحت دراسة من شركة Bain & Co أن الشغف تجاه العمل يتنامى مع تقدم العمر. فالشباب في أوج حيويتهم يعطون الأولوية للراتب والفرص التي تتيح لهم التعلم والتطور، ويطمحون للحصول على تقدير مادي لجهودهم ويشعرون بتراجع في الرضا الوظيفي عندما لا يتحقق ذلك.
في المقابل الأفراد الأكثر نضجًا (أو الأكبر عمرًا) يجدون الرضا في إحداث تأثير معنوي والمساهمة بشكل يحمل قيمة للمحيط.

الرغبة في التنقلات السريعة لجيل الشباب
يواجه جيل الشباب سوق العمل باستراتيجية فريدة تتمثل في التنقل الوظيفي المستمر. وبحسب استطلاع أجرته ResumeLab في عام 2023 أعلن ما يقارب 83% من أفراد جيل “زد” عن استعدادهم للتنقل بين الوظائف، معتمدين على نهج جديد في مسيرتهم المهنية يتضمن تغييرات متكررة في الوظائف، وهذا التوجه ينبع من عدم الرضا عن العلاوات أو الترقيات التي لا تأتي بالسرعة المتوقعة، بالإضافة إلى صعوبة الالتزام بوظيفة واحدة لفترة طويلة.
وكشف استطلاع لشركة Paychex في عام 2022 عن أن نصف أفراد هذا الجيل يعملون في أكثر من مكان واحد؛ ما يؤكد استراتيجيتهم في عدم وضع “كل البيض في سلة واحدة”.
وعلى خلاف الأجيال السابقة، التي كانت تعتبر العمل جزءًا لا يتجزأ من هويتها، يتميز جيل زد بمنظوره الفريد؛ إذ يرى نحو 61% منهم أن العمل يشكل عنصرًا أساسيًا في تعريف حياتهم، وتوضح دراسة أجرتها شركة Deloitte أن هذا الاختلاف يعكس تغييرًا جذريًا في فهمهم لذواتهم وتحديد أولوياتهم. يُبرز هذا التحول تقديرهم المتزايد لأهمية تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وإيلاء قيمة لجوانب أخرى في حياتهم إلى جانب العمل.
ومع ذلك يظهر أن جيل زد لم يفقد شغفه بالعمل، بل على العكس، يسعى جاهدًا لتحقيق التوازن بين متابعة شغفهم وتحقيق الأمان المالي، ويظل الراتب والتقدم الوظيفي في صدارة طموحاتهم؛ ما يمنحهم شعورًا بالاستقرار في عالم متغير، ويمكنهم فيه إعادة تعريف مفهوم النجاح المهني ليتناسب مع تطلعات العصر الحالي وتحدياته.

مستقبل العمل
في سياق مستقبل العمل يتعين على القادة الفهم العميق لتحليلات توجهات وسلوكيات الجيل الجديد الذي يستعد لدخول سوق العمل. يجب عليهم دراسة كيفية تطوير مفهوم “العمل”، مع التركيز على التحديات مثل: التعاون بين الإنسان والآلة وتخطيط مسارات مهنية طويلة واستغلال تنوع المهارات داخل المؤسسات. لتحقيق ذلك يتطلب الأمر اكتساب مهارات أساسية مثل: استخدام التكنولوجيا والتعامل مع التحليلات والبيانات، ومهارات إدارة الأعمال.
يظهر جيل “زد” كرمز للتجديد والتغيير في المشهد المهني؛ حيث يتجاوزون الحدود التقليدية بشجاعة وإبداع. فيدفعهم شغفهم لتشكيل مستقبلهم المالي، وهم نجحوا بالفعل في استغلال الإمكانيات المتاحة من التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم.
اقرأ أيضًا:
تأثير شبكات العلاقات المهنية على المرأة العاملة.. سلبي ويؤدي لنتائج عكسية
لتحسين جودة الذكاء العاطفي في العمل.. 10 مهارات اجتماعية لا غنى عنها
أفكار مشاريع بعد سن التقاعد.. من حديقة منزلك للمطار نصائح استثمارات لجميع الميزانيات