بفضل التواجد الكثيف للهيدروجين في الطبيعة، ودوره المحتمل في تخزين الطاقة، وقدرته على تقديم تطبيقات منخفضة الكربون أو خالية منه في مجالات الصناعة والنقل، فإنه سيكون جزءًا أساسيًا من مزيج الطاقة؛ إذ أعلنت الوكالة الدولية للطاقة وجود أكثر من 20 مشروع هيدروجين جديدًا خلال هذا العقد.
ويُعد مسار الهيدروجين غير مباشر؛ إذ لم يُحدد بعد مسار نموه، والأرباح المتوقعة، فلا شك في وجود تباين كبير بخصوص الفرص المتاحة، والوقت المحدد لانطلاق مشروعاته في مختلف دول العالم، والقطاعات الصناعية بكافة أشكالها، اعتمادًا على مدى الاستحواذ عليه، وظروف توريده، ومتطلبات البنية التحتية، فضلًا عن أن طلب العملاء يتمتع بمستوى مماثل لأهمية توافره.
قد يبدو هذا التوجه بعيدًا جدًا؛ كون الشركات وضعت أمامها أولويات ملحة في عام 2021، لكن نظرًا لمدى أهمية الهيدروجين ودوره في تحول الطاقة، ينبغي على الشركات أن تبدأ الآن بتحديد كيفية مشاركتها، والاستفادة من هذه الفرصة الهائلة؛ ما يجعلنا نطرح خمسة عناصر جوهرية للانطلاق:
1) معرفة ماهية تطبيقات اعتماد الهيدروجين
ينبغي في البداية، معرفة ماهية التطبيقات التي تتمتع بأكبر قدر من الإمكانيات لاعتماد الهيدروجين عبر مختلف القطاعات، والتعرف على الأسس التي ستدفع هذا التوجه، ليست التكاليف فحسب، بل أيضًا البدائل التنافسية، ومصادر التوريد، وتقنيات التمكين، والسياسة التنظيمية، دوليًا وإقليميًا ومحليًا.
وبالنسبة للتطبيقات المتاحة، فهناك توجهان لدفع الطلب وزيادته:
- أن يكون الهيدروجين أفضل حل منفرد لتقليل الانبعاثات؛ حيث يكون العملاء على استعداد للدفع مقابل هذه الميزة، مثلما في صناعة الصلب التي تقوم على الأفران العالية أو إنتاج الأسمنت؛ وهو التنبؤ الذي يمكن تبنيه، ولكنه يعتمد على دراسة الجدوى، وسهولة النقل، وجداول استبدال الأصول.
- أن يكون الهيدروجين منافسًا من حيث التكلفة، مقارنة بالحلول الأخرى منخفضة الكربون أو الخالية منه؛ وهنا تعتمد السرعة- في تبني اعتماده- على عدة عوامل؛ مثل: توافر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة لصنع الهيدروجين الأخضر، وتوافر بنية تحتية بديلة لسلسلة توريد الهيدروجين.
يجب أن تستند القدرة التنافسية على المدى الطويل إلى قوى السوق، ولكن على المدى القريب، يمكن لصانعي السياسات البدء بتنمية اقتصاد الهيدروجين؛ بتشجيع الاستثمار أو التمويل المباشر؛ ما قد يسمح للهيدروجين بالتحرك بسرعة أكبر على منحنى الخبرة.
2) اختيار النموذج المحدد وأسلوب المشاركة
مع التطور التي ستشهده سلسلة القيمة في سوق الهيدروجين، ستتطور أيضًا نقاط المراجعة الخاصة بالتوريد والإنتاج والخدمات اللوجستية التي تؤثر بدورها على مسار تبني هذا النموذج. ولضمان الاستفادة من المزايا التنافسية والمستدامة، تحتاج الشركات إلى فهم هذه النقاط، وكيفية تأثيرها على جاذبية أساليب المشاركة.
كذلك، يحظى شركاء الصناعة بالأهمية، ليس فقط من حيث توزيع المخاطر، بل أيضًا بتبادل المعارف والخبرات، وتجنب تكاليف التعلم المرتفعة، وتوفير المناصب الوظيفية في المجالات المطلوبة. وفي هذا الإطار، يوجد أربعة نماذج رئيسة.
3) وضع خطة متينة ومرنة للتنفيذ ومراقبة علامات الإرشاد
عند وضع رؤية واضحة المعالم للإمكانيات المتاحة من تطبيقات الهيدروجين في المجالات الصناعية، يمكن للشركات البدء وضع خطة عمل تتضمن تحركات موثوقة، ومخاطر منخفضة عند استثمار رأس المال، فكما هو الحال مع أي استراتيجية في ظل حالة عدم اليقين، يرغب المدراء التنفيذيون في مراقبة علامات الإرشاد الهامة لتحديد تغيرات السوق في مرحلة مبكرة؛ ما يمكنهم من تغيير الاتجاه عند الحاجة، والثقة بالخيارات المحددة، مع العمل على موازنة ملفات تعريف المخاطر وكثافة الاستثمار، وتحديد المكاسب المتوقعة على المدى الطويل. وبالنظر إلى أوجه عدم اليقين في سوق الهيدروجين، يجب أن تتمتع الخطط الاستراتيجية بالمرونة، مع تقديم خيارات للتوسع أو التعديل، عندما تدل علامات الإرشاد على الحاجة إلى هذا الأمر.
4) اختيار أفضل الفرص وإطلاق المشاريع الأولى
من المرجح أن يتركز نمو سوق الهيدروجين على خيارات محددة من الاحتمالات المتاحة للعرض والطلب؛ لذا نتوقع أن نرى عدة موجات من الفرص؛ إذ بدأت الفرص الإيجابية بالظهور؛ حيث يمكن تلبية الطلب الحالي على الهيدروجين بإمدادات بأسعار تنافسية.
بالنسبة للفرص المتاحة على المدى الطويل، يمكن للشركات اعتماد نهج الاختبار والتعلم، والاستفادة من الفرص الإيجابية المبكرة في السوق لتحقيق السبق. وتتمحور هذه الفرص حول التطبيقات التي يساهم فيها الهيدروجين بتلبية مطامح التخلص من الكربون، أو عندما يكون استخدام الهيدروجين أكثر أهمية على الرغم ظهور حالة من عدم اليقين.
عندما تكون تكاليف الهيدروجين تنافسية، فمن المرجح أن يتم اعتماده بسرعة أكبر؛ ما يتيح للشركات اكتساب خبرات هائلة في التطبيقات المعتمدة، وقد تستطيع الاستعداد من ناحية القدرات والبنية التحتية لدخول أسواق أوسع. كذلك، سيكون للحكومات دور تحفيزي هام؛ بزيادة الطلب بوضع قوانين خاصة بالانبعاثات، وتخفيض التكاليف بتقديم الاستثمارات والحوافز.
5) تحديد النموذج الصحيح للعمل
غالباً ما تواجه المبادرات الجديدة صعوبات للعثور على مكانها ضمن نماذج التشغيل الحالية، ولا سيما عندما تشكل هذه الفرص تهديدًا للأعمال الحالية والتقليدية بتغييرها أو تقويضها.
وهناك ثلاثة مجالات لتركيز الأعمال، يمكنها ضمان مكانة الهيدروجين ضمن أولويات أعمال المؤسسة:
• الملكية والمساءلة: حدد من يدير خريطة الطريق للاستفادة من الهيدروجين على المدى الطويل؛ كالتعاون مع الشركاء الخارجيين.
• الاستثمار على المدى الطويل: ضمان التمويل الكافي والمستدام للاستفادة من الفرصة، وتعزيز تقدم الهيدروجين، وتجنب الارتهان لأولويات الأعمال الأخرى ذات العائد الأقصر؛ بالاستفادة من الفرصة أكثر من التوزيع التقليدي لرأس المال.
• العلاقة بالجوهر: حدد كيف ستعمل جهود استخدام الهيدروجين مع بقية أقسام العمل في الشركة لضمان نجاحها؛ كالاستفادة من المواهب والإمكانيات، والتعبئة السريعة، وتحقيق الكفاءات.
وعلى الرغم من أن مسار سوق الهيدروجين لا يزال غير محدد الخطوات، فإنه كذلك بالنسبة للجميع على حد سواء؛ إذ يمكن للشركات البدء ببناء وتوسيع الفوائد الاستراتيجية التي يمكن الحصول عليها من استخدام الهيدروجين؛ من خلال تطوير فهم أكبر لعوامل السوق، وتحديد القيود الأساسية، والفرص المتاحة ضمن سلسلة القيمة بالنسبة لاستخدام الهيدروجين.
وعلى قادة الأعمال، التركيز على العميل، وعدم تشتيت انتباههم بالتكنولوجيا؛ إذ يمكن للتعاون مع الشركاء والمشاريع التجريبية المدعومة، مساعدة الشركات في ترسيخ مكانتها في السوق مع انخفاض الأسعار.
اقرأ أيضًا:
التعافي البيئي بعد جائحة كوفيد 19
الزراعة بدون تربة.. تكنولوجيا المستقبل لتغذية النباتات
ما هي أهم مستهدفات قطاع الزراعة لعام 2021؟