تعد التدفقات النقدية بمثابة عصب الحياة الذي يغذي جسد أي عمل تجاري؛ إذ يمثل الحركة الدائمة للأموال داخل وخارج المنشأة، ويعكس التدفق النقدي الصحة المالية للشركة، ومدى قدرتها على تغطية نفقاتها، وتحقيق أرباحها، والوفاء بالتزاماتها تجاه مختلف أصحاب المصلحة.
تشير الدراسات والأبحاث إلى أن مشكلات التدفقات النقدية تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجهها الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة. وتظهر إحصائيات صادمة أن 44% من الشركات الناشئة تفشل بسبب سوء إدارة التدفقات النقدية، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 82% في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
مشكلات التدفقات النقدية تهدد الشركات في المملكة المتحدة
تظهر إحصائيات مقلقة أن تأخر المدفوعات يشكل عبئًا هائلاً على الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة المتحدة؛ ما يهدد استقرارها ويُعيق نموها.
وفي خضم ذلك، كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في شركة Bacs Payment Schemes Limited، أن 34% من أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذين يتعرضون لتأخر السداد يضطرون إلى الاعتماد على السحب على المكشوف لتغطية نفقاتهم الشهرية.
وتشير الدراسة إلى أن هذه الشركات تنفق ما يقارب 4.4 مليار جنيه إسترليني سنويًا على التكاليف الإدارية لمطاردة المدفوعات المتأخرة، ناهيك عن اضطرار 11% منها لتوظيف موظفين إضافيين لهذه المهمة.
ويزداد الوضع سوءًا مع نتائج دراسة حديثة لشركة Intuit Quickbooks؛ حيث كشفت أن 1 من كل 7 أصحاب أعمال صغيرة واجه صعوبة في دفع رواتب موظفيه بسبب مشاكل التدفق النقدي؛ ما يعني أن 2.2 مليون شخص في المملكة المتحدة لم يحصلوا على رواتبهم في الوقت المحدد.
وتفاقم هذه المشكلة من قدرة الشركات على سداد ديونها؛ إذ أظهرت الدراسة أن 38% من أصحاب الأعمال الذين عانوا من مشكلات التدفق النقدي واجهوا صعوبة في سداد التزاماتهم المالية، وكنتيجة مباشرة لتأخر المدفوعات، يخسر أصحاب الأعمال الصغيرة مبلغًا ضخمًا قدره 26.000 جنيه إسترليني في المتوسط بسبب تحويل العمل الناتج عن نقص التدفق النقدي.
طرق تحسين التدفقات النقدية
يعد تحسين التدفق النقدي بمثابة حجر الزاوية لضمان استقرار وازدهار الشركات الصغيرة والمتوسطة، ورغم بساطة المفهوم، قد يواجه أصحاب الأعمال صعوبات في تطبيقه على أرض الواقع.
ولكن لحسن الحظ، تتوافر خطوات عملية وفعالة يمكن اتباعها لتحقيق هذا الهدف، دون الحاجة إلى بذل الكثير من الوقت أو الجهد.
-
حوافز الدفع المبكر
يشكل تأخر المدفوعات هاجسًا يهدد استقرار الشركات الصغيرة، ما يدفعها إلى البحث عن حلول فعّالة لتحفيز العملاء على الدفع المبكر.
كما تعد تقديم خصومات على السداد المبكر أحد أكثر الحلول نجاحًا؛ إذ تشجع العملاء على تسديد مستحقاتهم في وقت أسرع؛ ما يحسن التدفق النقدي للشركة بشكل ملحوظ.
ولكن قبل تطبيق هذه الاستراتيجية من الضروري التأكد من قدرة الشركة على تحمل تكلفة الخصومات دون الإضرار بهامش الربح.
-
إرسال الفواتير فورًا
لا شك أن التأخير في إرسال الفواتير من العوامل الرئيسية التي تعيق تدفق الأموال إلى الشركات. لذلك، يجب على أصحاب الأعمال الحرص على إرسال الفواتير للعملاء فورًا بعد إتمام عملية البيع أو تقديم الخدمة، وتسهم حلول برامج المحاسبة الحديثة في أتمتة عملية إصدار الفواتير؛ ما يسهل على الشركات إرسالها في الوقت المحدد ومتابعة مستحقاتها بدقة.
-
مراجعة الأسعار بشكل دوري
مع ازدياد تكاليف التشغيل، مثل: شراء المواد الخام وتوظيف الموظفين، يصبح من الضروري مراجعة أسعار السلع والخدمات بشكل دوري لضمان تحقيق هامش ربح مناسب.
ويمكن لأصحاب الأعمال تجنب الانخراط في سباق محموم لخفض الأسعار من خلال دراسة السوق وتحديد الأسعار بشكل عادل يغطي تكاليفهم ويحافظ على قدرتهم التنافسية. وإلى جانب ذلك، يجب على الشركات الحرص على إطلاع العملاء على أي تعديلات في الأسعار بشكلٍ مسبق وواضح.
-
تبسيط إدارة المخزون
تؤدي إدارة المخزون دورًا حيويًا في تحسين التدفقات النقدية؛ حيث تساعد الشركات على تجنب شراء كميات زائدة عن الحاجة أو نقصها.
وتتيح دمج أنظمة إدارة المخزون مع نقاط البيع (POS) للشركات مراقبة مستويات المخزون بدقة، وتلقي تنبيهات عند انخفاضه؛ مّا يُسهل عملية إعادة الطلب تلقائيًا. ويمكن للشركات أيضًا الاستفادة من بيع المخزون الفائض لتحرير المساحة، وتحقيق دخل إضافي.
-
البحث عن موردين جدد
يمثل الاعتماد على مورد واحد للحصول على جميع احتياجات الشركة مخاطرة كبيرة قد تهدد استقرارها في حال واجه المورد أي مشكلات.
لذلك ينصح بالبحث عن موردين جدد بشكل دوري؛ لتنويع الخيارات المتاحة والحصول على أفضل الأسعار والعروض. وبمجرد العثور على مورد جديد، يمكن للشركة التفاوض مع موردها الحالي للحصول على شروط أفضل أو التبديل إلى المورد الجديد.
-
إدارة حسابات الدائنين بفعالية
لا يقل الاهتمام بحسابات الدائنين أهمية عن الاهتمام بحسابات المدينين؛ إذ تسهم إدارة الدائنين بفعالية في تحسين التدفق النقدي للشركة.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال: “فهم حركة الأموال، التفاوض مع الموردين”؛ حيث يمكن للشركات التفاوض مع الموردين للحصول على شروط دفع أفضل، مثل: فترات أطول للسداد أو خصومات على الدفع المبكر.
-
فهم حركة الأموال
من أهم الخطوات في إدارة الحسابات الدائنة هو فهم حركة الأموال بدقة؛ حيث يجب على الشركات مراقبة تدفقاتها النقدية بشكلٍ مستمر لمعرفة مواعيد استحقاق الدفوعات للموردين، ما يمكّنها من تخطيط احتياجاتها المالية بشكل فعّال وتجنب أي تأخيرات في السداد قد تلحق الضرر بسمعتها وعلاقاتها مع الموردين.
-
التفاوض مع الموردين
لا تخجل الشركات من التفاوض مع الموردين للحصول على شروط دفع أفضل تناسب احتياجاتها المالية. فمن الممكن الحصول على فترات أطول للسداد أو خصومات على الدفع المبكر؛ ما يسهم في تحسين التدفق النقدي، وتخفيف العبء المالي على الشركة.
-
تجنب تأخير الدفوعات
يعد تأخير الدفوعات للموردين سلوكًا سلبيًا يلحق الضرر بسمعة الشركة وعلاقاتها مع الموردين؛ ما قد يؤدي إلى صعوبات في الحصول على المواد الخام أو الخدمات في المستقبل.
ولذلك، يجب على الشركات الحرص على سداد التزاماتها في الوقت المحدد لضمان استمراريتها وازدهارها.
-
استكشاف خيارات التمويل
في بعض الأحيان، قد تواجه الشركات صعوبات في الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين في الوقت المحدد. ولكن لحسن الحظ، تتوافر العديد من خيارات التمويل التي يمكن للشركات اللجوء إليها لتوفير السيولة اللازمة، مثل: التمويل الجماعي، تحويل الفاتورة.
إذ يمكن للشركات بيع حساباتها المستحقة إلى شركات تحويل الفاتورة للحصول على ما يصل إلى 90% من قيمة الفاتورة خلال 24 ساعة من إصدارها.
في الختام نؤكد أن الاستثمار في تحسين التدفقات النقدية هو بمثابة استثمار في مستقبل الشركة. فمن خلال اتباع الممارسات المالية السليمة.
يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة ضمان قدرتها على تغطية نفقاتها، وتحقيق أرباحها، والوفاء بالتزاماتها تجاه مختلف أصحاب المصلحة، ما يمهد الطريق أمامها لتحقيق النجاح المستدام.