دعونا نبدأ بالبسمة عبر هذه القصة الطريفة: باع تاجر لمزارع بئر ماء، وقبض ثمنه، وحين جاء المزارع ليستفيد من البئر، اعترض التاجر طريقه، قائلًا: “قد بعتك البئر وليس الماء الذي فيها، فإذا أردت الاستفادة من البئر، فادفع ثمن الماء”.
رفض المزارع أن يدفع ثمن الماء، وذهب إلى القاضي، الذي استدعى التاجر، وبعد الاستماع إلى كلٍ منهما، قال القاضي للتاجر: إذا كنت قد بعت البئر للمزارع بدون مائها، فعليك بإخراج الماء منها؛ لأنه لا يحق لك الاحتفاظ بمائك فيها، أو ادفع إيجارًا للمزارع، مقابل الاحتفاظ بمائك في بئره، فعرف التاجر أن حيلته قد فشلت، فترك المحكمة وخرج مهزومًا!.
إنَّ الضَّحك أحد أشكال التّعبير عن الفرح والسّعادة؛ حيث تظهر آثاره خارجيًا على الإنسان، ويُعد جزءًا من السّلوك الإنساني الّذي ينظّمه المخ، كما يساعد على إيضاح نوايا الفرد، وزيادة تفاعله الاجتماعي ومشاركته مع الآخرين؛ فهو إشارة إلى قبول الإنسان للتّفاعل الإيجابي مع الآخرين، وقد يكون في كثير من الأحيان ظاهرةً إيجابية مُعدية، فالضحك في وجود جماعة، يحفّزهم أيضًا على ممارسته.
وأوضحت الدراسات، أنّ الضّحك يحمي القلب بشكلٍ غير مباشر؛ لأنّ الضّغوط العقليّة تسبّب خللًا للبطانة الّتي تحمي الأوعية الدموية، وما إن تتأثّر تلك البطانة حتى ينجم عنها ردود أفعال تتسبّب في تراكم الكوليسترول على جدار الشرايين التاجيّة؛ مّا يؤدّي في النّهاية إلى حدوث الأزمات القلبية.
وعندما يضحك الإنسان من قلبه، يفرز هرمون الكورتيزول (له دور في تهدئة الضغط النفسي، ويساعد في هدم الدهون، ويرفع مستوى الجلوكوز في الدم؛ ما يساعد على النشاط والحيوية)، الذي يقوّي الجسم من خلال إفراز الأجسام المضادّة الّتي تحارب العدوى، وتمنع تصلّب الشرايين، كما يسهم في زيادة النّشاط في الصّباح والنوم في المساء؛ إذ كشف الباحثون أنّ الضّحك مائة مرّة له تأثير مساوٍ لممارسة الرّياضة على عجلة لمدّة 15 دقيقة، وأنه يعمل على تشغيل الجهاز التنفّسي، والحجاب الحاجز، ومنطقة البطن، وعضلات الوجه والأرجل والظهر، كما ثبت علميًا أنّ من يعانون من آلام العمود الفقري والأرق، إذا مارسوا الضّحك لمدّة عشر دقائق، يمكنهم النّوم ساعتين متّصلتين من دون آلام.
السلام النفسي
الضّحك يحقّق السعادة والسلام النفسي، ويمنح التجدّد، ويزيد من القدرة على التأمّل والاسترخاء، ويفيد مرضى التهاب الشّعب الهوائيّة وأزمات الرّبو؛ عبر رفع نسبة الأوكسجين في الدم الّذي يدخل للرّئة ويجعل الإنسان يبدو أكثر شبابًا، وينمّي روح المشاركة وروح العمل الجماعي، ويجدّد الطاقة، ويجعل الإنسان أكثر وسامة، ويزيد من بريق العينين، ويمنح الثّقة بالنّفس، وينمّي القدرة الإبداعيّة، ويساعد على التفكّير بشفافيّة وإيجابية، ويحطّم الطبيعة المتحفّظة، ويقلّل من الشخير، كما يرفع من مستوى الأداء العقلي والقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لأطول فترةٍ ممكنة؛ أي له دور معزز ومقوي للذاكرة.
تأثير السحر
ولا شك في أن بثَّ روح الدّعابة والتحفيز في فريق العمل، له تأثير السحر في رفع ولاء الأشخاص لمنظماتهم وزيادة إنتاجيتهم، وتقوية العلاقة الاجتماعية بينهم؛ لذا لا نستغرب من أن أكبر الشركات ربحية في العالم هي أحرص الشركات على موظفيها ورفع روح الدعابة والمرح والتحفيز بينهم.
جوجل وفيسبوك
وما يدلل على ذلك، أنَّه عند بحثي عن الحياة داخل شركتي جوجل وفيسبوك العملاقتين- واللتين حققتا أرباحًا فلكية في سنوات معدودة- وجدت العاملين بهما هم الأكثر حظًا، والأسعد حالًا مقارنة بغيرهم على مستوى العالم؛ حيث وجدت الحرص على بث روح البهجة والفرح والابتسامة في نفوس العاملين.
فهل تصدق أن في جوجل خطًا خاصًا للضحك، وقناة تبث البهجة، فضلًا عن ترك الحرية الكاملة للعاملين لاختيار أشكال مكاتبهم بطريقتهم الخاصة؛ وذلك وفق شعار جوجل: “كن كما تريد”، علاوة على تشجيع النشاطات الاجتماعية المسلية بين الموظفين، وحثهم على خلق جو من المرح والابتسامة والبهجة فيما بينهم، وكل ذلك سعيًا للوصول إلى الصفاء الذهني، والراحة النفسية والتخلص من الضغوط، ماكان له أعظم الأثر على الإبداع والإنجاز والتفوق.
والعجب لا يكاد ينقطع عندما أشاهد وأعايش، أو أقابل أشخاصًا اتخذوا من الرعونة في التصرفات، والخشونة في الكلمات، والتجهم في الوجوه، والغضب في أغلب الأحيان، طريقًا لإنجاز الأعمال والتعامل مع غيرهم، كيف هي حياة هؤلاء البشر؟!، وكيف ما زالوا مستمرين بالحياة، والنار تتلظى داخل أرواحهم وأجسادهم، وربما هم أحسن حالًا من غيرهم.
بلسم وشفاء
وفي المقابل، هناك أناس هم بلسم وشفاء لنفوسهم أولًا، ثم لكل من يعايشهم ويتعامل معهم، فلا تراهم إلا متبسمين، ومشيعين للفرح والتفاؤل والبهجة في ذواتهم وعبر محيطهم مع قلة إمكاناتهم، وهنا أدركت أحد أهم طرق رفع روح والولاء والإنتاجية في بيئات العمل؛ وهي بث روح الدعابة والتحفيز بين العاملين.