إن كنا نتحدث عن التميز الريادي، وأبرز الناجحين في مجال الريادة، فإنه يجب التأكيد أن القائمة تكبر مع مرور السنوات، فالبداية لم تكن وليدة الأعوام الأخيرة؛ بل إنها انطلقت منذ القدم، حتى بتنا نعلم الآن قصص نجاح راي كوك، وجيف بيزوس، ووران بافيت، ومارك زوكربيرج، وكيم بيوم سو، وغيرهم.
كل هؤلاء وغيرهم، علموا أن كل الطرق تؤدي إلى ريادة الأعمال، متسلحين بالمثابرة والإصرار للتغلب على كل التحديات، فيما يمضون قدمًا نحو تحقيق أهدافهم. رحلة استثنائية لكل منهم، لم تكتب لهم النجاح المالي والانضمام إلى قائمة أثرياء العالم فحسب؛ بل كتبت حقبة تاريخية جديدة؛ سواء بمطعم مأكولات سريعة، أو متجر إلكتروني بات الأشهر على الإطلاق، أو تطبيق للتواصل الاجتماعي شكّل جزءًا من حياة كل فرد منذ ظهوره الأول.
كل تلك التطبيقات والنجاحات، لم تكن بعيدة عن الوطن العربي الذي أظهر اهتمامًا يعكس وعيًا غير مسبوق في هذا القطاع؛ ولنأخذ المملكة العربية السعودية مثالًا على ذلك.
التميز الريادي في طريقه إلى العالمية
لا تتعدد الأمثلة العالمية في مجال ريادة الأعمال فحسب؛ بل إن الظروف القاسية في المنطقة، ساعدت في ميلاد الكثير من رواد ورائدات الأعمال.
أظهر رواد الأعمال السعوديون مكانة بارزة وشجاعة في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال الابتكار وريادة الأعمال.
في وقت تثبت المساعي خطواتهم المتسارعة لتخطي محلية الريادة إلى العالمية، أكد رواد الأعمال السعوديون أن الدعم التي تقدمه الجهات الحكومية عبر مختلف الخدمات يسهم في تسهيل أعمالهم التجارية لاسيما مساندتهم في تخطي آثار جائحة (كوفيد – 19) وتداعياتها.
جاء ذلك في المؤتمر العالمي لريادة الأعمال الذي عٌقد مؤخرًا بالعاصمة السعودية الرياض بحضور أكثر من 150 متحدثًا من حول العالم للنقاش عن التحديات والعقبات ومشاركة الخبرات وفتح أبواب للتواصل بين رواد الأعمال والمستثمرين في أحد أكبر المؤتمرات المهتمة بقطاع الأعمال في المنطقة.
نماذج بارزة
لعل “سليمان العليان” أبرز النماذج الشهيرة في المملكة العربية السعودية، الذي لم تكن حياته سهلة، فبدايته كموظف أسهمت في زيادة معرفته بأسرار التجارة، وأسفرت عن العديد من الشركات التي تركت إرثًا رياديًا يُحتذى به عالميًا.
لقد تغيرت ريادة الأعمال في المملكة والمنطقة بشكل كبير على مر السنين، حيث أظهر المؤسسون مهارات رائعة في تمويل المشاريع وتسريعها وتوسيع نطاقها.
وتؤدي المرأة أيضًا دورًا مهمًا في بيئة ريادة الأعمال، فعلى الرغم من إصابتها بمرض الصرع في طفولتها، ومعاناتها المستمرة منه، واجهت “إيمان عبدالشكور” الأزمات بعزيمة قوية وإرادة حديدية، وأطلقت “بلوسوم”؛ أول مسرعة أعمال في المملكة، ترتكز على المرأة، كما شاركت بفعاليات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لعام 2018 كأصغر رائدة أعمال سعودية.
التميز الريادي والتقدم في المؤشرات الريادية
تقدّمت المملكة العربية السعودية إلى المركز الرابع في مؤشر ريادة الأعمال ضمن تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال GEM لعام 2021 – 2022؛ بعد أن كانت في المركز السابع العام الذي قبله. وتفوّقت المملكة بتصدّرها المرتبة الأولى عالميًّا في ثلاثة مؤشرات أخرى؛ وهي “سهولة البدء في عمل تجاري”، و”الفرص الواعدة لبداية المشروع في منطقتي”، وكذلك “امتلاك المعرفة والمهارات الشخصية للبدء في الأعمال”.
ولفت تقرير المرصد العالمي عن الفترة 2020/2021 إلى أن المملكة حققت المركز الأول ضمن أقوى 19 اقتصادًا عالميًّا في مؤشري “البرامج الحكومية لدعم رواد الأعمال” و”التخفيف الحكومي من تراجع الشركات الناشئة”، وكذلك في مؤشر “صعود اقتصاد الوظائف المؤقتة باعتباره محركًا لبدء الشركات الناشئة ونماذج العمل”.
لماذا ريادة الأعمال؟
تعد كل تلك المؤشرات السابق ذكرها، امتدادًا لما بدأ منذ عقود مضت، في وقت لم يكن مصطلح ريادة الأعمال منتشرًا في كل العالم، إذ اعتمد الرواد والرائدات على تحويل أفكارهم إلى مشاريع على أرض الواقع.
لكن عندما يتعلق الأمر بالتخطيط، وبالعودة إلى المملكة العربية السعودية، فإن الكثير من الأطروحات والدراسات ناقشت أهمية ريادة الأعمال وتأثير المنشآت الصغيرة والمتوسطة في النمو الاقتصادي منذ سنوات مضت. وقد توصلت دراسة بعنوان “ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة ودورها في الحد من البطالة في المملكة العربية السعودية”، شملت 131 رائد ورائدة الأعمال من الذين تم احتضانهم من قبل حاضنات الأعمال في المملكة، إلى الدور الذي تؤديه ريادة الأعمال في الحد من البطالة.
وأوصت بعدد من السبل المهمة جدًا للتغلب على المعوقات التي تحد من دور ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة في مواجهة البطالة المتمثلة في زيادة الوعي بأهمية ريادة الأعمال، وإكساب رواد الأعمال الخبرة اللازمة لتشغيل وإدارة مشاريعهم من قبل حاضنات الأعمال، ودعم المشاريع الريادية الصغيرة والمتوسطة بالتمويل المالي المناسب الذي يجعلها تتطور.
ثمة أهمية كبرى لدعم بيئة ريادة الأعمال، نظرًا لتأثيرها الإيجابي في نمو اقتصاد الدول وليس الشركات فقط، كما أن ريادة الأعمال الاجتماعية تزيد من احتمالية إيجاد حلول ابتكارية للتحديات الاجتماعية التي تواجهها المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
ومن هنا، جاء إطلاق رؤية 2030، والتي تهدف المملكة من خلالها إلى خلق فرص عمل مناسبة للمواطنين عبر دعم ريادة الأعمال، وبرامج الخصخصة، والاستثمار في الصناعات الجديدة، ومساعدة رواد الأعمال على النجاح عبر وضع أنظمة ولوائح أفضل، وتمويل أكثر يسرًا، وشراكات دولية أكثر، وحصة أكبر للشركات المحلية من المشتريات والمنافسات الحكومية، ودعم الأسر المنتجة التي أتاحت لها وسائل التواصل الحديثة فرصًا تسويقية واسعة من خلال تسهيل فرص لتمويل المشروعات متناهية الصغر.
تدريس ريادة الأعمال
أخذت بعض دول العالم، في الفترة الأخيرة، منحنى جديدًا لتوسيع التميز الريادي، ودائرة تعلم وإتقان كل المفاهيم التي تتعلق بعالم ريادة الأعمال؛ حيث اعتمدت بعض الاستراتيجيات التي تنوعت بين البرامج التعليمية والمواد الدراسية الخاصة بريادة الأعمال في مراحل التعليم ما قبل الجامعي؛ لتحفيز الطلبة والطالبات على توليد الأفكار الريادية التي يُمكن تحويلها إلى مشاريع ناجحة على أرض الواقع، بالإضافة إلى تشجيعهم على أن يكونوا من أصحاب الأعمال بدلًا من البحث عن فرص عمل.
من جهتها، تأخذ ريادة الأعمال في الجامعات السعودية – والأمثلة متعددة بداية من مركز كاوست، وكلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، ومعهد ريادة الأعمال في جامعة الملك سعود – مسارًا عمليًا في المقام الأول، فالأمر لا يعني الاقتصار على تدريس الطلاب المواد والمقررات الدراسية النظرية وإنما العمل على صقل مهاراتهم.
وعلى ذلك تسعى الجامعات إلى التميز الريادي عن طريق مساعدة الطلاب في بناء مهارات مؤسسية مثل: التفكير النقدي وحل المشكلات ومحو الأمية المالية والرقمية والعمل الجماعي والإبداع والتواصل.
ويأتي ذلك، من دون شك، انطلاقًا من توجه حكومة المملكة إلى تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ باعتبارها حجر الزاوية في الأنشطة الاستثمارية، وما تضمنته رؤية المملكة 2030 من دعم ريادة الأعمال ونشر ثقافة العمل الحر، وبدأ العمل على ترجمة هذه التوجهات إلى واقع من خلال اهتمام الجامعات السعودية بتدريس ريادة الأعمال.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
18 نصيحة لنجاح المتجر الإلكتروني
معهد الملك سلمان لريادة الأعمال.. خطوات مهمة لنشر ثقافة العمل الحر
تأثير ريادة الأعمال في المجتمع.. فرص هائلة يُحققها المجال
مفهوم العمل الحر.. محاولة للتحديد