قد يبدو غريبًا الربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية، فالبعض يتصور أن الأنثروبولوجيا علم حفريات ودراسة آثار الناس الأقدمين، ولئن كان صحيحًا أن هذا جزء من الأنثروبولوجيا إلا أنه ليس هو الأنثروبولوجيا في حد ذاتها.
ومن ناحية أخرى فإن تعقد الظاهرات الاجتماعية في الوقت الحاضر _ومن بينها تفاعلات الناس فيما بينهم في العمل_ أدى بالبعض إلى المطالبة بحتمية توسيع مجال التحليل، وعدم الاقتصار على تخصص واحد في فهم مشكلة ما ومحاولة اقتراح حلول لها، من هنا ليس غريبًا ولا مستبعدًا الربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية.
اقرأ أيضًا: تكنولوجيا الموارد البشرية.. توفير أفضل تجربة للموظفين
الديناميكية الاجتماعية
إذًا من ضمن المبررات الأساسية التي تدفعنا إلى الربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية هو تعقد الديناميكية الاجتماعية، فبيئات العمل اليوم مفعمة بأشخاص من ثقافات مختلفة جدًا.
وهو الأمر الذي صعّب مهمة مدير الموارد البشرية، وبالتالي اقترح البعض أن يتم الاستعانة بالأنثروبولوجيا الثقافية وأحيانًا التنظيمية؛ كيما يتمكن القائمون على إدارة الموارد البشرية من النهوض بأدوارهم على الوجه الأكمل، وحتى يحققوا مكاسب للمؤسسة ولأصحاب المصلحة ككل.
وعلى الرغم من هذا التعقد والتشابك في العلاقات الاجتماعية داخل بيئات العمل اليوم يمكن أن يؤدي استخدام الأنثروبولوجيا لفهم احتياجات ورغبات القوى العاملة في المؤسسة إلى دعم هدف الموارد البشرية المتمثل في بناء فرق أكثر إنتاجية.
إن الآلية التي يجب اتباعها هنا _طالما أننا نزاوج بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية_ هي تطبيق الأنثروبولوجيا على إدارة الأفراد، ولك أن تعلم أن إدارة وتحليل الأفراد أحد الدوافع الأساسية وراء هذا التوجه الذاهب إلى دمج الأنثروبولوجيا في إدارة الموارد البشرية، والاستفادة من أدواتها وانفتاحاتها في هذا المجال.
اقرأ أيضًا: أسئلة إدارة الموارد البشرية.. كيف تساعد موظفيك؟
إدارة وتحليل الأفراد
تذهب كثير من الأدبيات، التي تناولت الربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية، إلى أن الأنثروبولوجيا الثقافية _وأحيانًا يذهب البعض إلى اقتراح الأنثروبولوجيا التنظيمية_ هي المدخل الفرعي الذي يمكن من خلاله الربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية، وهذه الإدارة ككل.
أما عن ماهية الأنثروبولوجيا الثقافية فإن عالمة الأنثروبولوجيا التجارية “مارثا بيرد ” تُعرفها بأنها الدراسة المقارنة للمجتمعات والثقافات البشرية؛ حيث يتضمن عمل عالم الأنثروبولوجيا الثقافية كشف الرموز الثقافية، وفهم ما هو ذو قيمة في ثقافة معينة.
وباختصار فإن الأنثروبولوجيا الثقافية هي دراسة الثقافة، أو بمعنى أدق: دراسة الرموز والأنماط الثقافية، وفهم مواقف ومعتقدات وسلوك مجموعة من الناس.
لكن ما دخل هذا بإدارة الموارد البشرية؟ أولًا يجب أن نفهم أن بيئة العمل هي مجتمع مكتمل الأركان، أو هي صورة مصغرة عن المجتمع الكبير؛ ومن ثم تنطوي على مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون مجموعة من الرموز والشفرات الثقافية، ومن دون فهم هذه الخلفيات والرواسب الثقافية فلن يكون ممكنًا فهمهم ولا التعامل معهم.
وعلى أي حال فإن الأنثروبولوجيا معنية بفهم التنوع والشمول، التواصل بين الثقافات، تأثير الثقافة في العمل؛ أي أنها من حيث العمق تعني بفهم تأثير البنية الفوقية (الأفكار، والمعتقدات، والثقافة ككل) في الإنسان وكل ممارساته الاجتماعية.
اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع الموظف المهمل؟.. استراتيجية الحفاظ على العمل
بيئات عمل معولمة
في عالم اليوم تم عولمة كل شيء، وما بيئات العمل عن ذلك ببعيد؛ فصرنا نرى أشخاصًا من لغات وثقافات مختلفة يعملون لصالح شركة واحدة، حتى وإن كانوا لا يعملون في المكان نفسه؛ وذلك بفعل انفتاحات التقنية وتعزيز فكرة العمل عن بُعد.
وعلى الرغم من هذا التوسع فقد أمسى محتمًا على إدارة الموارد البشرية _تذكر أننا نربط بين الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية_ أن تفهم القصص الفريدة لكل شخصية من هذه الشخصيات، وأن تحاول الوقوف على مواهبهم المتفردة، وهو الأمر الذي لن يكون ممكنًا إلا من خلال أدوات أنثروبولوجية، والتي هي أدوات بحث كيفية في المقام الأول، حتى إن البعض من مؤيدي تطبيقات الأنثروبولوجيا يشكك في جدوى البحوث الكمية.
هذا الفهم، بالإضافة إلى كشف هذه الرموز الثقافية، يعزز التعاطف، ويساعد الموارد البشرية في تشكيل استجابة مناسبة لاحتياجات الموظفين المتنوعة.
اقرأ أيضًا: الجرأة في مكان العمل.. مهارة التعبير عن الرأي
الأنثروبولوجيا ومدير الموارد البشرية
لكن وعلى الرغم من كل ما فات هناك أيضًا الكثير من المجالات التي يتم فيها استتخدام الأنثروبولوجيا من قِبل الموارد البشرية، منها على سبيل المثال لا الحصر: إدارة العمالة الوافدة، بما تنطوي عليه من رموز ثقافية، وخلفيات لغوية وقيمية وما إلى ذلك؛ فمن خلال استخدام الأنثروبولوجيا يمكن العمل على دمجهم في بيئة العمل، وتجسير العلاقة بينهم وبين فريق العمل ككل.
وكذلك الحال بالنسبة لاقتناص المواهب؛ إذ تعد الأنثروبولوجيا أداة مثالية في القيام بهذه المهمة؛ حيث تعمل، عبر أدواتها ومنهجياتها، على فهم الأفراد وتحليل شخصياتهم بعمق، ثم العمل على تقديم ما يرغبون فيه، وهو الأمر الذي يجعل من جذبهم للعمل لصالح المؤسسة أمرًا ممكنًا إن لم يكن ميسورًا.
اقرأ أيضًا:
إعادة تدوير الموظفين.. خطورة مستقبل محتوم
استراتيجية إدارة الموارد البشرية.. هل تعرف أسرار موظفيك؟
تخطيط الموارد البشرية.. توقع المتطلبات المستقبلية