لطالما كانت القطيف، بتاريخها العريق وسواحلها المترامية الأطراف، مهدًا للحضارات والشخصيات التي تركت بصماتٍ واضحة على تاريخ المنطقة. في قلب هذه المحافظة الساحلية، وفي أحضان عائلة حملت عبق التاريخ، ولد نظمي النصر، أيقونة صناعة النفط السعودية وصانع مستقبل الطاقة. نشأ في بيئة تزخر بالتنوع الثقافي والتاريخي؛ حيث التقت الحضارة الإسلامية القديمة بالتراث البحري العريق. هذا التنوع ترك أثرًا بالغًا في شخصيته، فشرب من معين التاريخ وحمل معه روح المبادرة والابتكار التي تميز بها أهالي القطيف منذ القدم.
القطيف، بخصوبتها ووفرة مواردها الطبيعية، كانت بمثابة الحاضنة الأولى لنظمي النصر. ففي ظل نخيلها الباسق ومزارعها الخضراء، نشأ وعيه الأول بالطبيعة والعمل الجاد. كما استلهم من أجداده الذين بنوا حضاراتهم على سواحل الخليج، روح المغامرة والتحدي التي ميزته طوال مسيرته المهنية؛ ففي بيئة كهذه؛ حيث يلتقي التراث بالحداثة، تشكلت شخصية قيادية قادرة على مواجهة التحديات والابتكار في الحلول.
ومن بين أزقة القطيف الضيقة، انطلق نظمي النصر ليخطو خطوات ثابتة نحو العالمية. فبعد أن تسلح بالعلم والمعرفة، وبتشجيع من بيئته التي آمنت بقدراته. تولى مهام قيادية في مشاريع وطنية عملاقة؛ فكان له شرف قيادة مشروع “نيوم”، الذي يمثل رؤية المملكة الطموحة لمستقبل أكثر إشراقًا. إن مسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات، تثبت أن القطيف لم تكن مجرد مكان لولادته، بل كانت المنطلق الحقيقي لمسيرته نحو النجاح والتميز.
نشأة نظمي النصر وتعليمه
ولد المهندس نظمي النصر في 17 سبتمبر 1956 بمدينة القطيف، إحدى أبرز مدن المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية. نشأ النصر في كنف أسرة محافظة؛ حيث تلقى تعليمه الأول في مدارس القطيف، متأثرًا ببيئة غنية بالتاريخ والثقافة.
منذ نعومة أظفاره، أظهر النصر شغفًا بالعلم والمعرفة، فكان التفوق عنوان مسيرته التعليمية. وقد توج هذا التفوق بحصوله على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن -إحدى أعرق الجامعات في المنطقة-؛ حيث تخرج النصر من الجامعة بتقدير ممتاز عام 1978م. تلك الخطوة كانت بمثابة انطلاقة قوية لمسيرة حافلة بالإنجازات.
ومع حصوله على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. انطلق المهندس نظمي النصر بثقة نحو آفاق جديدة؛ حيث بدأ مسيرته المهنية الحافلة بالإنجازات.
كما استطاع النصر، بفضل خلفيته الأكاديمية القوية ومهاراته الإدارية المتميزة. أن يساهم بشكل فعال في تطوير العديد من القطاعات الحيوية في المملكة العربية السعودية.
بدايات متواضعة في أرامكو
بدأ المهندس نظمي النصر مسيرته المهنية في عملاق النفط السعودي “أرامكو” مباشرة بعد تخرجه عام 1978م، متبعًا خطى والده الذي عمل في الشركة. شأنه شأن العديد من أبناء المنطقة الشرقية، ارتبط النصر بصناعة النفط منذ البداية؛ حيث عمل في بداية مشواره في قسم الخدمات الهندسية.
وسرعان ما برزت قدرات النصر الهندسية والإدارية، ففي عام 1981م، أسند إليه مهمة تنفيذ مشروع شبكة الغاز الرئيسة في المملكة، وهو مشروع حيوي لتزويد الصناعات البتروكيماوية في الجبيل وينبع بالغاز.
وبعد نجاحه في هذا المشروع، تدرج النصر في المناصب القيادية، حتى وصل إلى منصب مدير مشروع مسؤول عن جميع البرامج الرأسمالية في حقل الغوار، أكبر حقل نفط في العالم.
قيادة مشروع زيادة إنتاج الغوار
وفي عام 1991، وفي ظل التحديات التي واجهت قطاع النفط العالمي بسبب حرب الخليج الأولى. كُلف النصر بقيادة مشروع طموح لزيادة إنتاج حقل الغوار بشكل كبير. نجح النصر في إنجاز هذا المشروع في وقت قياسي، بحلول عام 1993م. ما ساهم في تعزيز مكانة المملكة كأكبر مصدر للنفط في العالم.
وبعد نجاح مشروع الغوار، انتقل النصر إلى مشروع آخر ضخم، وهو تطوير حقل الشيبة. تميز هذا المشروع بالسرعة في التنفيذ؛ حيث بدأ الإنتاج منه في أواسط عام 1998م. وقد أثنى وزير البترول الأسبق علي النعيمي على النصر لقدرته على إنجاز هذا المشروع في وقت قياسي وتكلفة أقل. كما جاء ذكره في كتاب الوزير “من البادية إلى عالم النفط”.
قفزات نوعية في مسيرته المهنية
بعد أن ترك بصمته الواضحة على مشروع تطوير حقل الشيبة. انتقل المهندس نظمي النصر في عام غير محدد إلى إدارة التخطيط العام في أرامكو السعودية؛ إذ تولى إدارة التخطيط للمدى الطويل. في هذا المنصب الهام، كان مسؤولًا عن رسم ملامح المستقبل لشركة النفط العملاقة؛ حيث عمل على وضع الاستراتيجيات وخطط العمل التي تضمن استدامة الشركة ونموها.
وفي مايو 2003، شهدت مسيرة النصر تحولًا نوعيًا عندما تم تعيينه عضوًا منتدبًا لشركة البترول السعودية لما وراء البحار. هذا التعيين مثّل قفزة كبيرة في مسيرته المهنية؛ حيث انتقل من العمل في بيئة محلية إلى عالم الأعمال الدولي. في هذا المنصب، لعب النصر دورًا محوريًا في توسيع نطاق أعمال الشركة خارج حدود المملكة. كما عمل على تعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية.
الاهتمام بالبنية التحتية
وفي العام التالي، أي عام 2004، انتقل النصر إلى منصب المدير التنفيذي لخدمات أحياء السكن في أرامكو. هذا التحول يعكس اهتمام النصر بالجانب الاجتماعي والخدمي؛ حيث عمل على تطوير البنية التحتية السكنية للموظفين وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم.
وفي عام 2006، بلغ النصر ذروة مسيرته المهنية في أرامكو السعودية بتعيينه نائبًا للرئيس للخدمات الهندسية. هذا المنصب الرفيع جعل النصر المسؤول عن الإشراف على جميع الأنشطة الهندسية للشركة؛ ما يؤكد الثقة الكبيرة التي كانت تولى له من قبل إدارة الشركة.
قيادة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
تولى نظمي النصر العديد من المناصب القيادية التي عززت من مكانته كأحد أبرز الشخصيات في مجالات البحث العلمي والإدارة في المملكة العربية السعودية. في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) -إحدى الجامعات الرائدة عالميًا في مجال البحث العلمي والتطوير التقني- شغل النصر منصب الرئيس المكلف.
وهو الدور الذي يتطلب رؤية استراتيجية وقدرة على قيادة مؤسسة علمية بحجم وطموح KAUST. كما تولى أيضًا منصب نائب الرئيس التنفيذي للشؤون الإدارية والمالية؛ حيث كان مسؤولًا عن إدارة الموارد المالية والبشرية. ما ساهم في ترسيخ البنية التحتية الإدارية والمالية للجامعة.
ولم تقتصر مساهمات نظمي النصر على جامعة الملك عبد الله فحسب، بل امتدت لتشمل دورًا محوريًا في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)؛ حيث كُلف بمهام رئيس المركز. في هذا المنصب، كان له دور أساسي في قيادة المبادرات البحثية المتعلقة بالطاقة والسياسات الاقتصادية. وهو ما ساهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للبحوث في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة.
وإلى جانب مناصبه التنفيذية، لعب النصر دورًا مؤثرًا في صنع القرار على المستوى الوطني؛ حيث كان عضوًا في الهيئة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى. هذا الدور مكنه من المساهمة في صياغة السياسات الاقتصادية الرئيسية التي تؤثر على مستقبل المملكة. كما شغل النصر عضوية مجلس أمناء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. من خلال هذا المنصب، ساهم النصر في تعزيز قيم الحوار الوطني والتفاهم بين مختلف فئات المجتمع السعودي.
نظمي النصر يتولى قيادة مشروع نيوم
في خطوةٍ تعكس الطموحات الكبيرة لمشروع “نيوم”، أعلن المجلس التأسيسي للمشروع، في منتصف عام 2018. عن تعيين المهندس نظمي النصر رئيسًا تنفيذيًا جديدًا. خلفًا للدكتور كلاوس كلاينفيلد الذي انتقل إلى دور استشاري لرئيس مجلس الإدارة الأمير محمد بن سلمان. هذا التغيير يأتي في إطار مساعي المشروع لتسريع وتيرة تنفيذه وتحقيق رؤيته الطموحة في بناء مدينة مستقبلية فريدة من نوعها.
ويتحمل المهندس نظمي النصر الآن عبء قيادة مشروع ضخم وواعد، يهدف إلى إعادة تعريف مفهوم العيش والعمل في القرن الحادي والعشرين. فمشروع نيوم ليس مجرد مدينة جديدة، بل هو تجربة فريدة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والطبيعة الخلابة. لتقديم نموذج جديد للحياة المستدامة والاقتصاد الدائري.
ويواجه النصر تحديات جسام في هذا المشروع الطموح، فهو يسعى لبناء مدينة من الصفر في منطقة نائية. مع توفير جميع الخدمات والبنية التحتية اللازمة لحياة مريحة ومستدامة. كما يتعين عليه إدارة فريق عمل متنوع يضم أكثر من 70 جنسية. ما يتطلب منه مهارات عالية في القيادة والتواصل والتفاوض.
ورغم هذه التحديات، يرى مراقبون أن تعيين النصر يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق أهداف مشروع نيوم. فالنصر يتمتع بخبرة واسعة في مجال الهندسة والإدارة، وقد أثبت قدرته على قيادة مشاريع ضخمة ومعقدة. كما أن اختياره يأتي في إطار حرص القيادة السعودية على تسريع وتيرة تنفيذ المشروع، وتحويله إلى واقع ملموس على أرض الواقع.
النصر يتألق في قمة القادة
في خطوةٍ تؤكد مكانته الريادية في عالم الأعمال، توج المهندس نظمي النصر؛ الرئيس التنفيذي لمشروع نيوم. مسيرته الحافلة بالإنجازات بتصدره قائمة أقوى الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط لعام 2023. وذلك وفقًا لتقرير مجلة “فوربس” الأمريكية. هذا الإنجاز الاستثنائي يأتي تتويجًا لجهوده الحثيثة في قيادة مشروع نيوم نحو تحقيق رؤيته الطموحة في بناء مدينة مستقبلية فريدة من نوعها.
ولم يتوقف تألق النصر عند هذا الحد. فقد حقق إنجازًا آخر بارزًا بتصدره قائمة قادة الشركات العقارية الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط لعام 2024. هذا التقدير يأتي اعترافًا بدوره المحوري في تطوير قطاع العقارات في المنطقة. ومساهمته الفاعلة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية المستدامة.
ويشكل هذان الإنجازان شهادةً على النجاح الكبير الذي حققه مشروع نيوم تحت قيادة النصر. والذي بات يمثل نموذجًا يحتذى به في مجال التنمية المستدامة والابتكار. فقد تمكن النصر من بناء فريق عمل متميز، وتنفيذ مشاريع ضخمة في وقت قياسي. كما نجح في تحويل رؤية المملكة العربية السعودية في بناء مدينة المستقبل إلى واقع ملموس.