في بعض الأحيان نشعر ببساطة أننا شاردي الذهن وأقرب ما نكون إلى حالة من حالات الغياب عن الوعي رغم أننا لسنا كذلك، وقد نشعر – خاصة إذا حاولنا الإجابة عن سؤال: من أين أبدأ تغيير حياتي؟ – أننا نتجول في وضح النهار، ولكننا لا ندرك أين نحن، أو إلى أين وجهتنا، أو ماذا نفعل، لا ندرك إذا ما كنا نائمين أثناء القيادة وفاتتنا وجهتنا إلا بعد تجاوز المخرج المؤدي إليها.
من أين أبدأ تغيير حياتي؟
إذا ما كنت تشعر بالأعراض السابقة بالفعل عليك أن تحصل على الإجابات بنفسك قبل أن تتحصل على النتائج من العالم المحيط بك، وفي السطور التالية خمس إجابات تتضمن الرد على أسئلة من شأنها رفع مستوى وعيك؛ لزيادة قدرتك على تغيير حياتك وتحقيق النتائج التي تنشدها.
1- ما هو شعورك؟
إن مشاعرنا أو ردود أفعالنا العاطفية هي انعكاس قوي لما نقدره، على سبيل المثال: إذا كنت تشعر بالغضب، أو الإحباط، أو خيبة الأمل، فهذه المشاعر هي علامة على وجود خلل مع قيمك الشخصية، فالعواطف المتأججة أو السلبية هي أعراض للقيم المنتهكة، وعلى النقيض من ذلك تشير المشاعر الإيجابية مثل: الرضا، أو القبول، أو الإثارة إلى تأكيد قيمك.
وحول هذا لنفترض جدلًا أن رئيسك في العمل أخبرك بأن عرضك التقديمي الأخير الذي عملت لساعات طويلة حتى تحضّره لم ينل استحسانه، من البديهي أنك قد تشعر بالغضب أو الإحباط لأنك تعتقد أن عملك الجاد سيكون موضع تقدير ومحل احترام، وعندما لم تتحقق توقعاتك، وتلقيت رد فعل مخالف لتصوراتك عن مجهودك لم تتحطم آمالك فحسب، بل تم أيضًا انتهاك قيمك للعمل الجاد والأداء المتفوق.
ومع ذلك إذا تمت الإشادة بأدائك فربما شعرت بالسعادة العارمة عند الثناء على العمل الجيد الذي أديته؛ ما يؤكد قيمتك الشخصية للأداء المهني والاعتراف بالتقدير؛ لذا انتبه لمشاعرك جيدًا، فهي تعكس التوافق مع قيمك الشخصية.
2- ماذا تلاحظ؟
رغم أننا نرى ما يدور حولنا منذ أن نستيقظ من النوم كل صباح فإنه من المفارقات الغريبة أننا لا نلاحظ ما نراه، على سبيل المثال: في وقت سابق من حياتي أتيحت لي الفرصة لممارسة مهنة المحاماة، وكان لدي عميلة ذات مرة طلبت مني مساعدتها في إنهاء زواجها للمرة السابعة، ولكنني طلبت منها الإذن لطرح سؤال شخصي للغاية، وعلى الفور وافقت، ثم سألتها قائلًا: “هل تساءلتِ يومًا ما إذا كان الكون يحاول أن يعلمك شيئًا ما؟”
ردت بسخرية: “ما الذي تقصده؟”
أجبتها: “لقد تساءلت فقط عما إذا كنتِ سألتِ نفسك يومًا ما الذي تفعلينه، والذي يساهم في إنهاء جميع علاقاتك بهذه الطريقة”.
تأملت قليلًا ثم ابتسمت وسألت: “هل ستُنهي زواجي أم لا؟”.
غالبًا ما نكون غارقين في أحداث حياتنا اليومية لدرجة أننا لا ندرك عندما نكون عالقين، وعلينا أن نكون مشاركين ومراقبين لحياتنا، إن سلوكنا والعواقب الناتجة عن أفعالنا ترسل لنا رسائل باستمرار، كما هو الحال مع البيئة المحيطة بنا، ولكننا عادةً ما نتجاهل تلك الرسائل.
لذا فإن القدرة على مراقبة تجربتنا بموضوعية تسمح لنا باتخاذ خيارات مختلفة بوعي إذا ما أردنا ذلك، ومن ثم انظر جيدًا إلى ما تلاحظه.
3- بماذا تفكر؟
إن مراقبة نفسك كيف تفكر، أو تفسر ملاحظاتك الخاصة سوف يساعدك في فهم مشاعرك؛ لأن الأفكار تصنع المشاعر، وسوف يساعدك ذلك أيضًا في التعرف على ميولك الشخصية، أو تحيزك الذي تحدده عقليًا لتجربتك.
على سبيل المثال: أخبرتني إحدى المستشارات ذات يوم أنها فوجئت بعدد الأشخاص الذين ظلوا في علاقات مسيئة، وقالت إنها عندما سألتهم عن سبب بقائهم في تلك العلاقات كان رد الجميع دائمًا مشابهًا: “السيئ الذي أعرفه أفضل من الذي لا أعرفه”.
ثم جلست بمفردي وأخذت أتأمل تلك العبارة، التي حاولت جاهدًا أن أحل أحجية تفكير قائلها وتوصلت لتفسيرين لا ثالث لهما، التفسير الأول هو: يعتقد هؤلاء الأشخاص أنه من الأسهل البقاء مع ما يعرفونه بدلًا من تجربة شيء جديد.
أما الثاني: أي شخص آخر قد يختارونه سيكون سيئًا أو أسوأ؛ لاحظ كيف يمكن أن يكون الوعي بتفكيرك بمثابة الأساس لفهم اختيارك للسلوك، لأن التفكير ببساطة هو من يحرك السلوك.
إن الكشف عن تفكيرك وتعلمك لتحدي دقته هو المفتاح الرئيسي لتحسين نتائجك، فمجرد اعتقادك بشيء ما لا يضمن بالضرورة أنه تمثيل دقيق للواقع، ومع ذلك فإننا ننشغل بالطريقة التي نفكر بها في الأمور لدرجة أننا نادرًا ما نتوقف لتحدي أفكارنا والتأكد من دقتها.
وأغلب الأحوال نفترض افتراضات غير مكتملة أو غير دقيقة تمامًا، ثم ندب فيها الحياة من خلال ممارستها في الوجود؛ لذا من المهم أن تتعلم التحقق من تفكيرك من خلال تقييم ملاحظاتك أو إثباتها، وأكرر مجددًا: لاحظ تفسيراتك وتحرَ دقتها.
4- ماذا تريد؟ ولماذا؟
تتبلور إجابة السؤالين “ماذا تريد؟” و”لماذا؟” في اتخاذك لخيارات واعية، ومن ثم يعد هذين السؤالين بمثابة تمرين يحدد ويوضح غرضك وأهدافك الكامنة التي تدور داخلك، في حين يؤدي عدم الوضوح إلى تطلعات غير محققة؛ لذا كلما كنت واضحًا زادت احتمالية نجاحك في تحقيق ما تريد.
عادةً ما يحذرك مدرب المتزلجين لأول مرة قائلًا: “مهما فعلت لا تنظر إلى الأشجار عندما تبدأ في النزول إلى أسفل التل!” تبادره وتسأله بصورة تلقائية: لماذا؟ فيجيب “لأن هذا هو المكان الذي سينتهي بك الأمر فيه بين الأشجار”؛ لذلك ابقَ بعيدًا عن الأشجار؛ وكُن واضحًا بشأن ما تريده.
وبعد تحديدك لما تريده اسأل نفسك – لتعرف إجابة السؤال: من أين أبدأ تغيير حياتي؟ -: لماذا تريد ما تريد؛ فقد يساعدك هذا السؤال في تحديد القيم، أو الأساس المنطقي وراء ما تريد، والتغلب على القوة المنهكة للأعذار، أو القصص التي ترويها عادةً لتبرير افتقارك إلى النتائج.
عليك حقًا فهم أسبابك وقيمك التي تعزز من تصميمك وتزيد من دوافعك لتحقيق أهدافك، وختامًا: حدد ما تريد، ولماذا تريد تحقيق تلك النتائج.
5- أين ينصب تركيزك؟
مثلما تعد مشاعرك انعكاسًا لانسجامك مع قيمك فإن نتائجك هي انعكاس لتركيزك، وأين ما كان يذهب تركيزك فإن طاقتك تلحق به.
قبل نحو شهور اكتشف أحد أصدقائي أنه لم يحصل على الزيادة والترقية المتوقعة، وطيلة الأسابيع اللاحقة للواقعة وبعدما أصيب بخيبة أمل ركز على ما لم يحصل عليه، وظل يتذمر ويشجب ويشتكي من الشركة ورئيسه وعمله، وكل ما استطاع فعله هو التركيز فقط على ما لم يحصل عليه؛ ما أحاطه بالمزيد من السلبية، وأخيرًا أشارت زوجته، التي سئمت من نحيب زوجها، إلى أنه من الأفضل أن يصرف طاقاته في التركيز على ما يجب عليه تحسينه وتغييره في نفسه، وعندها فقط تحول الوضع من وضع الضحية إلى وضع “كنت مقصرًا”.
من المهم جدًا – إذا كنا نسعى للإجابة عن سؤال: من أين أبدأ تغيير حياتي؟ – عدم التركيز على ما لا تريده؛ فطبيعة العقل البشري لا يفهم “ما يجب فعله”، ولكنه واضح جدًا بشأن “ما لا يجب فعله”، على سبيل المثال: إذا قلت: “لا أريد أن أكون غير صحي بعد الآن” فإن العقل البشري يسجل “المضي قدمًا ويأكل أي شيء ولا يكترث لذلك”، وبدلًا من ذلك عليك أن تركز بوضوح على تطلعاتك بالقول: “أنا رياضي، وأفضل صحة، ومليء بالطاقة”، سيفهم عقلك الباطن هذه التطلعات ويساعدك في تحقيق هذه النتائج.
أغلب الظن أن مدرب التزلج المذكور سابقًا كان يجب عليه أن يقول للمتزلجين المبتدئين: “مهما كان ما تفعله انظر دائمًا إلى أسفل التل واختر المسار الذي تريد الذهاب إليه”، إن إخبار الأشخاص بعدم النظر إلى الأشجار يضمن عمليًا أنهم سوف ينظرون إلى الأشجار، ويوفر نفس النتائج التي يحاول المعلم تجنبها؛ لذا راقب بتركيز على طول الطريق.
من المؤكد أننا حين نسأل: من أين أبدأ تغيير حياتي؟ يكمن بداخلنا جميعًا كل ما نحتاجه لتحقيق النتائج، ومفتاح النجاح هو زيادة وعينا بمشاعرنا، وملاحظاتنا، وتفسيراتنا، وما هو، ولماذا، ومراقبة تركيزنا.