في خُطوة نحو تمكين الشباب وبناء مستقبل واعد، انطلقت فعاليات النسخة الثامنة من منتدى مسك العالمي 2024، يوم الاثنين الماضي، 18 نوفمبر 2024، في مدينة محمد بن سلمان غير الربحية، واستمرت لمدة يومين، حاملة شعار مؤثر يعكس جوهر الحدث: “من الشباب لأجل الشباب”.
وشهد المنتدى مشاركة واسعة من مختلف أرجاء العالم؛ حيث اجتمع أكثر من 150 متحدثًا من مختلف الخلفيات الثقافية والمهنية. وبالإضافة إلى ذلك، حضر المنتدى نخبة من القادة والمبدعين وصناع التغيير، والشباب الطموح من مختلف مناطق المملكة.
منتدى مسك العالمي 2024
ويهدف منتدى مسك العالمي 2024 إلى توفير منصة عالمية فريدة تجمع شباب المملكة والعالم، بهدف تمكينهم واستكشاف آفاق التنمية المستقبلية. وشهدت هذه النسخة تنوعًا كبيرًا في الأنشطة والفعاليات؛ حيث تضمنت أكثر من 100 جلسة حوارية وأكثر من 30 ورشة عمل، بالتعاون مع أبرز شركاء المعرفة العالميين.
وتناولت هذه الجلسات والورشات مجموعة واسعة من الموضوعات الحيوية التي تشغل بال الشباب، بما في ذلك الاستدامة، والتعليم، والابتكار، والتكنولوجيا، والصحة، والثقافة، والتحديات العالمية.
من ناحية أخرى، سلطت الكلمة الافتتاحية التي ألقاها الدكتور بدر البدر؛ الرئيس التنفيذي لمؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، الضوء على رؤية المؤسسة الطموحة في تمكين الشباب وبناء مستقبل مشرق. مؤكدًا أن مدينة محمد بن سلمان غير الربحية ليست مجرد مشروع عمراني، بل هي وجهة مستقبلية للشباب تعكس رؤية سمو ولي العهد في بناء مجتمع معرفي حيوي.
كما أوضح أن المنتدى في نسخته الحالية يمثل قفزة نوعية؛ حيث يعد الأكبر من حيث عدد المتحدثين، والأصغر من حيث أعمارهم، ما يعكس التركيز على الشباب كقادة للمستقبل. في حين، أشار الدكتور البدر إلى أن مؤسسة “مسك” تمكنت منذ انطلاقتها من دعم أكثر من 7 ملايين شاب وفتاة. وأكد أن هدف المؤسسة الوحيد هو دعم وتمكين الشباب وإعدادهم ليكونوا القوة المحركة للمستقبل.
أهمية القيم في التعليم
وتطرق المنتدى، في جلسة حوارية شيقة، إلى أهمية تطوير منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية؛ حيث أكد يوسف بن عبدالله البنيان؛ وزير التعليم، أن العنصر الأهم في التعليم اليوم يكمن في تعزيز منظومة القيم التي تعد أساسًا للنجاح. كما أوضح أن هذا التوجه يأتي انطلاقًا من إيمان الوزارة بأن النجاح لا يتحقق إلا من خلال العمل الجماعي، وأن لكل فرد دورًا حيويًا في هذه المنظومة.
كما أشار البنيان إلى أن التعليم في المملكة يشهد تحولًا كبيرًا؛ حيث انتقل من التركيز على المعرفة النظرية إلى التركيز على تطوير المهارات والمعرفة التطبيقية، مع إيلاء اهتمام كبير بالقيم الأخلاقية. مبينًا أن المركز الوطني للمناهج يعمل جاهدًا على تطوير المناهج الدراسية لتصبح أكثر شمولية؛ حيث تغطي الجوانب المعرفية والمهارية والقيمية. كما أكد أهمية تعزيز المهارات منذ سن مبكرة، وذلك بهدف بناء جيل قادر على المنافسة في سوق العمل.
وأضاف البنيان أن وزارة التعليم تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير الكادر التعليمي؛ حيث تعمل على توفير برامج تدريبية متخصصة للمعلمين والمديرين، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات شراكة مع جامعات عالمية بهدف رفع كفاءاتهم. كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على تبسيط الإجراءات الإدارية للمدارس. وذلك لتمكين المعلمين والمديرين من التركيز على العملية التعليمية.
مسؤولية استخدام الذكاء الاصطناعي
وناقش منتدى مسك العالمي 2024، في جلسة حوارية شيقة، معايير استخدام الذكاء الاصطناعي وآثاره على المستقبل. وحظيت الجلسة التي حملت عنوان “رحلتي مع الذكاء الاصطناعي” باهتمام كبير، خاصةً مع مشاركة ستيف وازنياك؛ الشريك المؤسس لشركة أبل.
وأوضح وازنياك، خلال كلمته، أهمية وضع معايير صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي. وأكد ضرورة أن يكون هذا الاستخدام آمنًا ومسؤولًا. كما أضاف أن التطور التكنولوجي المتسارع يفرض علينا جميعًا، وخاصةً الشباب، التفكير بعمق في الآثار المترتبة على هذه التقنيات، مع ضرورة الحفاظ على الجانب الإنساني في التعامل معها.
في حين شدد وازنياك على أهمية الابتكار، إلا أنه حذر من خطورة الانجراف وراء التكنولوجيا دون وعي. كما أشار إلى أن الابتكار الحقيقي هو ذلك الذي يخدم الإنسان ويحسن من حياته. كما أضاف أن الشباب هم عماد المستقبل، وأن لديهم القدرة على تحقيق إنجازات عظيمة إذا ما تم تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة.
من ناحية أخرى، أكد وازنياك أن العديد من المشاريع الناجحة بدأت كأفكار بسيطة لشباب في سن مبكرة. وأشار إلى أن الشباب هم القوة الدافعة وراء التغيير والإبداع. كما أضاف أن المخاطرة هي جزء لا يتجزأ من عملية الابتكار، وأن الخوف من الفشل قد يعيق التقدم.
كذلك، تطرق وازنياك إلى أهمية التوازن بين الحياة الأكاديمية والعملية. وأشار إلى أن المعرفة النظرية وحدها لا تكفي لتحقيق النجاح؛ بل يجب أن تكون مصحوبة بالتطبيق العملي والخبرة. كما أضاف أن الشباب يجب أن يسعوا إلى تطوير مهاراتهم القيادية والتفكير النقدي؛ حتى يكونوا قادرين على مواجهة تحديات المستقبل.
مؤشر الشباب العالمي
أطلقت مؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، على هامش فعاليات منتدى مسك العالمي 2024. النسخة الثالثة من “مؤشر الشباب العالمي”. ويأتي إطلاق هذا المؤشر، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى العالم، في إطار جهود المؤسسة لتمكين الشباب وتوفير رؤى شاملة حول التحديات والفرص التي يواجهونها.
ويتضمن المؤشر تحليلات مستفيضة تغطي 40 دولة؛ حيث يقوم بقياس العوامل المؤثرة على الشباب في مجالات مختلفة مثل: التعليم، والمهارات، والريادة، والصحة. وتم بناء نتائج المؤشر على مجموعة واسعة من البيانات. بما في ذلك تقييم الخبراء للسياسات العامة، وبيانات من مصادر موثوقة. بالإضافة إلى نتائج استبيان شمل 41 ألف شاب وفتاة حول العالم.
ويمثل المؤشر أداة قيمة لصناع القرار والمؤسسات المعنية بشؤون الشباب؛ حيث يوفر لهم معلومات دقيقة حول احتياجات الشباب وتطلعاتهم. ما يمكنهم من تصميم برامج وسياسات أكثر فعالية. كما أنه يوفر مقارنة بين أداء الدول المختلفة في مجال تمكين الشباب. وهو ما يشجع على تبادل الخبرات والتعلم من أفضل الممارسات.
من ناحية أخرى، يسلط المؤشر الضوء على أهمية الاستثمار في الشباب؛ حيث إنهم يشكلون العمود الفقري للمجتمعات. وهم القوة الدافعة وراء التنمية المستدامة. كما يؤكد ضرورة توفير بيئة محفزة للشباب لكي يتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم.
كذلك، يقدم المؤشر تحليلًا معمقًا لحالة الشباب في المملكة العربية السعودية؛ ما يمكن المملكة من مقارنة أدائها مع الدول الأخرى وتحديد نقاط القوة والضعف. وبالتالي وضع خطط لتطوير السياسات والبرامج الشبابية.
شراكة استراتيجية بين مسك ومؤسسة بيل وميليندا جيتس
في خطوة أخرى، تعزز من مكانة المملكة العربية السعودية كرائد عالمي في مجال العمل الإنساني، أعلنت مؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، خلال فعاليات منتدى مسك العالمي 2024 عن إطلاق شراكة استراتيجية مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس. وذلك بحضور بيل جيتس؛ المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت.
وأشاد جيتس، خلال كلمته، بالأدوار العظيمة التي تقوم بها المملكة على الصعيد العالمي. وأكد أن التزامها بدعم القطاع الصحي وتمويل المبادرات العالمية يعكس رؤيتها الإنسانية ودورها الريادي. كما أضاف أن هذه الشراكة الاستراتيجية تأتي في إطار السعي المشترك لتمكين الشباب وتوفير فرص لهم للإسهام في حل التحديات العالمية.
وتهدف هذه الشراكة إلى تعزيز مشاركة الشباب في القطاع غير الربحي. وتشجيعهم على تقديم حلول مبتكرة لقضايا التعليم والمواطنة العالمية. كما تهدف إلى فتح آفاق جديدة للإبداع وتحفيز العقول الشابة على التصدي للتحديات التنموية الأكثر إلحاحًا.
من ناحية أخرى، أكد جيتس الدور الريادي الذي تؤديه المملكة في دعم وتمكين الشباب. كما أشاد بمبادرات؛ مثل: منتدى مسك العالمي الذي يساهم في تطوير مهارات الشباب وتعزيز روح الابتكار وريادة الأعمال لديهم.
في النهاية، يؤكد منتدى مسك العالمي 2024 أهمية دور الشباب في صناعة المستقبل؛ حيث شهد على مدى يومين. حوارات مثمرة حول أبرز القضايا التي تشغل بال الشباب من التعليم والتكنولوجيا إلى الاستدامة والريادة، وخرج المشاركون بتصورات جديدة وآفاق أوسع، عازمين على ترجمة هذه الأفكار إلى واقع ملموس.