أخبرني صديقي الدكتور محمد خان؛ الأستاذ بجامعة فيكتوريا بنيوزيلاند ذو الأصول الباكستانية، أن معظم أبحاثه ترتبط بدراسة حياة الـ ممبرينور Mompreneur؛ وهي المرأة التي تُوازن بين حياتيها العائلية كأم Mom، وعملها الخاص كرائدة أعمال Entrepreneur.
ظهر هذا المفهوم بعد تنامي استخدام شرائح المجتمع المختلفة لشبكة الإنترنت، والتي ازدهرت بفضلها صناعات عديدة تُنتج وتُزوَّد من المنزل من خلال الأمهات اللائي يرعيْن أبناءهن وبناتهن في المنزل.
أخبرت صديقي كثيرًا عن الأم العربية، وكيف أنها ترتدي قبعات كثيرة، وأَراهُنَّ بطلات حقيقيات، فعندما يردد أحدهم بيت شاعر النيل حافظ إبراهيم: الأمُّ مدرسةٌ إذا أعدَدْتها.. أعدَدتَ شعبًا طيَّبَ الأعراقِ
أرد عليه بقولي: أمي ليستْ مَدرسَةً، وإنما جامعة، تعلمتُ فيها الآداب والحقوق، بل الطب والهندسة، وربما أحتاج لتأليف كتاب من ثلاثمائة صفحة، لتفسير قولي هذا، وسرد مواقف أمي العديدة التي أثرت إيجابًا في مسيرتي الشخصية والمهنية، منذ مولدي وحتى الآن.
دور المرأة عظيم في المجتمع الاقتصادي، بل وفي نماء ورفعة الأمم، فعلى الرغم من أن معظم نسائنا قد تفرغن لتربية الأبناء والاهتمام بشئون الأسرة – وهو أعظم دور للمرأة في كل زمان ومكان- إلا أنَّ اتساع فرص التعليم، وحرص المرأة على الاستفادة من المعارف والعلوم التي بذلت فيها الجهد الجهيد طوال سنوات التعليم، جعلها تتطلع إلى تحقيق الذات والاستفادة من وقتها وطاقتها؛ بدخول سوق العمل، سواء كموظفات بالقطاعين الحكومي والخاص، أو بدخول عالم الأعمال والاستثمار في المنشآت الصغيرة.
سيدات من أرجاء الوطن العربي، برعن في التوفيق بين واجباتهن بالمنزل وبين التزاماتهن بالعمل، أو باستثمار أوقاتهن في أنشطة منزلية عديدة؛ مثل: الكتابة، التدوين، صنع المنتجات اليدوية، أعمال الكروشيه، الخُوص، الخزفيات، تصميم وحياكة الملابس، إدارة مواقع التواصل الاجتماعي لحساب إحدى الجهات، تصميم المواقع على الإنترنت، التجارة الالكترونية، استشارات محاسبية وضريبية، استشارات أون لاين عن التغذية أو الطهي والحلوى، ومنتجات الأطفال الطبيعية، وغيرها من الأنشطة اللائي نجحن في تنفيذها، ولم تؤثر سلبًا على دورها الرئيس كأم.
لقد رفعت بعض السوريات الفاضلات- اللائي لجأن إلى مصر- شعار “نحن مُنتِجات ولسنا لاجِئات”، ثم رأينا منهن أفضل منتجات الحلويات والمأكولات في معظم المدن المصرية. كذلك، زُينت بعض منتجات الملابس المتميزة بعبارة “صُنع في مصر بأيدٍ سورية”، عبارة فخر وعِزة لهن وصفعة للمتنطعين على المقاهي، متعذرين بعدم وجود عمل.
أشاهد عظيمات العرب بالأسواق؛ سيدات فاضلات تبيع الخضروات والفاكهة ومنتجات الأجبان المنزلية وغيرها؛ لتنشئة أبنائهن، وتعليمهم، والمثابرة حتى ينالوا أعلى الشهادات.
قلت لصديقي: هؤلاء هن الـ ممبرينورز الحقيقيات اللاتي يبدأن يومهن فجر كل يوم لجلب البضاعة وعرضها للبيع في الصباح الباكر. ولا أنس مقطع فيديو انتشر لأحد الأمراء العرب عرض فيه مبلغًا ماليًا كبيرًا على إحداهن فأبَت في إِباء، ولم تفلح جهوده في إقناعها، إلا عندما اشترى بضاعتها، دون زيادة على قيمة البضاعة، فوصفها ببلاغة، قائلًا: “اليوم قابلتُ أغنى امرأةٍ في العالم”، أم عربية مثلها الملايين على مر العصور، فخر وعِزة لكل من يعرفهن، أو تعامل معهن، أو تربى على أيديهن.
اقرا أيضًا:
يوم التأسيس وريادة المرأة السعودية
ثلاثة قرون من الاعتزاز والامجاد
“بياك” ذراع صندوق الاستثمارات العامة الداعم للابتكار
المنصة العالمية لريادة الأعمال