السعادة من الكلمات التي اختلف الناس حولها؛ فمنهم من يراها قرينة للراحة أو المال أو المنصب أو الشهرة.. إلخ؛ وبذلك يُفني الكثيرون حياتهم بحثًا عنها دون جدوى.
السعادة، شعور ينبع من داخل النفس، فإذا شعرت بالرضا والطمأنينة والراحة، فأنت إذًا شخص سعيد. لكن اختلفت وجهات نظر الناس تجاه السعادة باختلاف طباعهم واهتماماتهم وتطلعاتهم ومجتمعاتهم وحتى قاراتهم، فبعضهم يراها في المال أو السكن أو المنصب أو الصحة، وبعضهم يراها في الزاوج و الأولاد و العمل والدراسة، وربما يرآها آخرون في القرب من شخص أو التخلص من آخر، أو مساعدة مسكين ومحتاج، وهكذا تختلف تعريفات السعادة من إنسان إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر.
ومن العجب، أن تستجيب دولة لشعبها بتخصيص وزارة للسعادة، كما حدث في الإمارات، عندما قام سمو الشيخ محمد بن راشد بتعيين وزيرة للسعادة في التشكيل الحكومي الأخير لتحقيق السعادة للشعب الإماراتى على جميع المستويات.
وقد اطلق سموه لهذا الغرض، مبادرة يومية لقياس مدى سعادة الشعب ورضاه عن الخدمات المقدمة لهم؛ وذلك عبر توزيع أجهزة إلكترونية في كافة الدوائر الحكومية ترتبط بشبكة مركزية، ترسل بدورها تقارير دورية لمتخذي القرار؛ لرصد المناطق الجغرافية والحكومية الأكثر سعادة عن الخدمات الحكومية؛ بهدف تطوير الخدمات وتحسين سعادة الجمهور للخدمات المقدمة .
والجميل أن بعض الجهات الدولية وضعت سُلَّمًا للسعادة بين الشعوب، وأرادت أن تعرف أسعد الشعوب ، وأعطت درجات لهذا السلم.
في عام 2014 نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية نتائج استقصاء، حول أكثر شعوب العالم سعادة؛ فكانت المفاجأة تربّع الشعب النيجيري الفقير ذي الأغلبية المسلمة على رأس القائمة التي تضم خمسًا وستين دولة، تلته شعوب كل من: المكسيك، فنزويلا، سلفادور، بينما احتلّت الدول المتقدمة مراكز متأخرة على سُلم السعادة؛ حيث اعترف معظم الأمريكيين في التقرير بأن السعادة لا تتعلق بالغنى والمال.
ونتذكر هنا، أفلاطون الذى اعتبر السعادة هي فضائل النفس: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، واعتبر أن الإنسان لا يسعد السعادة الكاملة إلا بعودة روحه إلى العالم الآخر.
واعتبر أرسطو السعادة هبة من الله، ولها عدة أبعاد: صحة البدن، وسلامة الحواس، والحصول على الثروة، وحسن استخدامها، والنجاح في العمل وتحقيق الطموحات، وسلامة العقل وصحة الاعتقاد، والسمعة الطيبة والاستحسان من الناس.
وبجانب مؤشر السعادة العالمي (Happy Planet Index (HPI) الذى يقيس مدى السعادة في الدول والمجتمعات استنادًا الى دراسات واحصائيات متعددة، يمكن قياس السعادة بـعدة أمور منها: مدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا في حياتهم، والدول الأكثر سعادة وهي غالبًا ما تكون الدول الأكثر ثراءً ، إضافة إلى عوامل أخرى؛ مثل الدخل الإضافي والدعم الاجتماعي، وغياب الفساد ومستوى الحرية التي يتمتع بها الأفراد.
وقد أصدر مؤشر جالوب-هيلث واي الدولي للسعادة، تقريره الأحدث في يونيو 2015، عن مؤشر السعادة في العالم لعام 2014 ؛ حيث اعتمد المؤشر على مقابلات تمت مع أكثر من 146 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 15 وما فوق ذلك في 145 دولة، واعتمد على الجمع بين عدد من المعايير من أهمها:
شعور الإنسان بوجود هدف له في الحياة، مستوى الرفاهية المالية والحالة الصحية الجيدة،
والمشاركة المجتمعية،ومدى الثقة في الانتخابات والمؤسسات المحلية،والضغوط والأعباء اليومية
ووجود نية للهجرة من عدمها، والأمن الغذائي ووجود مأوى،ومدى الاستعداد للعمل التطوعي ومساعدة الآخرين، فكانت بنما هي الأولى عالميًا، بينما حلت أفغانستان في المؤخرة.
واعلن دان ويترز – وهو من جمع مواد المؤشر – إن معظم الشعب في بنما، يقول إنهم يشعرون بسعادة يومية في حياتهم، وهناك كثير من الابتسام والضحك، وإن الحياة تمضي بلا ضغوط.
وتبين أن حياة 53 %من سكان بنما مزدهرة في ثلاثة مجالات أو أكثر من مجالات السعادة.
ويظهر تدني مرتبة أمريكا ، ويؤثر فى ذلك عامل الأمان، كما أنهم يشعرون بأنهم أقل إيجابية تجاه الروابط الاجتماعية.
وتعد أفغانستان اخر القائمة، بنسبة صفر من السكان يشعرون بأنهم يعيشون حياة مزدهرة في أي مجال من مجالات السعادة، فيما تصدرت أوروبا العالم من حيث معيار الرفاهية المالية، بحسب غالوب.
وطبقًا للمؤشر، كانت الدول التالية هي الأقل سعادة: غانا-هايتي-بنين- ساحل العاج-الكونغو الديموقراطية-تونس- توجو-الكاميرون- بوتان-أفغانستان، أما على المستوى العربي، فحلت الإمارات الأولى، وجاءت وتونس أخيرة .
وكان هذا ترتيب الدول العربية مع وضع الترتيب العالمي للدولة بين قوسين:
الإمارات (21) ، السعودية (27)، البحرين (31)، موريتانيا (32)، الكويت (45)، السودان (62)،الجزائر (64)، لبنان (89)، اليمن (90)،الأردن (101)، العراق (102)، فلسطين (112)، المغرب (115)، مصر (129)، تونس (141).
لماذا إذًا لاينتهج رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات نفس المنهج؟، بتعيين شخص مؤهل ليكون مسؤولًا عن السعادة في المؤسسة، تكون مهمته تحقيق السعادة بين الموظفين بتذليل كافة العقبات التي تواجههم؛ ليصل مستوى المؤسسة إلى أعلى المستويات؛ فكلما توافرت السعادة لدى الموظفين، كلما اجتهدوا في العمل وأتقنوه؛ وبالتالي نمو المؤسسة وازدهارها..لو اتبع رواد الأعمال واصحاب الشركات والمؤسسات هذا المنهج لوصلنا بالفعل لأعلى ما تطمح إليه مؤسسات الأعمال.