من فرط عشقه للإلكترونيات، كان كثيرًا ما يستخدمها في عمل مقالب مجنونة وتصرفات عبثية، فوضع – ذات مرة- مكبرات صوت في جميع أرجاء منزله، ولأنها يمكن أن تصبح ميكروفونات أيضًا، فقد أنشأ غرفة تحكم في دولاب ملابسه، كانت تتيح له الاستماع إلى ما يدور في الغرف الأخرى.
وذات ليلة، عندما كان يضع السماعات على أذنيه ويتنصت على غرفة والديه، اكتشف والده ما يفعل، فغضب منه كثيرًا، وطلب منه فك هذا النظام الإلكتروني، ثم بحث الأب بعدها عن متنفس لابنه؛ لينفذ به ما برأسه من أعمال، فساعده على التعرف على مهندس إلكترونيات، وشجعه على الانضمام لمجموعة ناشطة في مجال الإلكترونيات.
كان الفتى غالبًا ما يزور مكانًا قريبًا من بيته القديم، خصصه صاحبه- مهندس الإلكترونيات “لاري لانج”- لإجراء تجاربه، وعندما لاحظ شدة ولع الفتى بتجاربه ومدى حبه للقطع الإلكترونية الموجودة في مكان تجاربه، أهداه ميكروفونًا كربونيًا، واقترح على الفتى شراء Heath kits ؛ وهو صندوق يتم فيه تجميع قطع لصنع أجهزة اللاسلكي وغيرها من المعدات الإلكترونية، والتي كان محبو تجميع الأجهزة يفضلونها في ذلك الزمان.
يقول الفتى: ” كان صندوق Heath kits يشتمل على جميع أنواع اللوحات والقطع، وموضحة بالألوان، مع دليل يشرح طريقة عملها؛ إذ تجعلك هذه اللعبة قادرًا على فهم وبناء أي شيء في مباديء الإلكترونيات بشكل عملي، فبمجرد أن تبني عدة أجهزة لاسلكي وترى جهاز تلفاز في الكتالوج ستقول: ” يمكنني بناء هذا الجهاز وتطويره أيضًا” حتى ولو لم تكن تستطيع ذلك بالفعل. وأضاف الفتى: ” لقد كنت محظوظًا بالفعل؛ إذ جعلني كلٌ من والدي وحقيبة Heath kits أعتقد بأنني قادر على بناء أي شيء أرغب فيه”.
وفي وقت لاحق، قام مهندس الإلكترونيات “لاري لانج” بضم الفتى إلى نادي رواد ” هيوليت باكاد HB؛ وهي مجموعة طلبة في سن الخامسة عشر، كانوا يتقابلون في مقهى الشركة ليلة الثلاثاء من كل أسبوع؛ حيث يتحدث معهم مهندس من أحد المعامل حول مشروع يقوم بتنفيذه.
يقول الفتى إبَّان هذه الفترة: ” كنت شغوفًا جدًا بالاطلاع على كل شيء من حولي في HB ، فذات مرة -بعد انتهاء النقاش- اصطحبت أحد مهندسي الشركة في مجال الليزر، في جولة في معمل التصوير الثلاثي الأبعاد، فكان أكثر ما أثار اهتمامي، هو رؤية أجهزة الحاسب الصغيرة التي كانت تطورها الشركة؛ حيث رأيت الحاسب المكتبي لأول مرة في حياتي، وكان يُعرف بـ 9100A؛ كان آلة حاسبة عظيمة، يزن حوالي 40 رطلًا، وقعت في حبه على الفور، فقد كان رائعًا”.
كانت شركة HB تشجع الأطفال في نادي الرواد على بناء مشاريعهم الخاصة، بتوفير ما يطلبونه من أدوات. يقول الفتى :” قررت أن أصنع عدادًا لقياس عدد الترددات في الثانية، يظهر في شكل إشارة إلكترونية، فكنت بحاجة إلى بعض القطع. ولشغفي بإكمال مشروعي، بحثت مباشرة في دليل الهاتف عن اسم المدير التنفيذي للشركة؛ حيث لم يكن بإمكان الناس في ذلك الزمان إخفاء أرقام هواتفهم. وخلال فترة اتصالي به طوال 20 دقيقة، كان لطيفًا معي؛ إذ وافق على توفير احتياجاتي من قطع، وزاد على ذلك بمنحي وظيفة في مصنع إنتاج عدادات الترددات”.
كان العاملون بالمصنع يشعرون بغيرة من ذلك الصبي الجريء الذي شق طريقه إلى العمل بالمصنع عبر اتصال هاتفي بالمدير التنفيذي. يقول الفتى: ” أتذكر أنني كنت أخبر أحد المشرفين بأنني أحب هذا العمل، ثم سألته عن أكثر ما يحب أن يفعله هو، فقال: ” أن أعبث، أن أعبث”.
كان الفتى الذي تحدثت عنه في السطور السابقة هو ستيف جوبز؛ المدير التنفيذي الأكثر نجاحًا وشهرة لشركة Apple، والذي أنقذها من حافة الإفلاس؛ ليصنع منها أكبر شركة استثمارية في العالم في مجال صناعة الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب، وهو الذي جعل الناس حول العالم ينعمون ويستفيدون من تقنية الهواتف الذكية التي شكلت حياة الناس المعاصرة بشكل مذهل، فمن كان يدري أن مقالبه المجنونة في طفولته، كانت تخفي وراءها عبقرية هائلة وذكاءً حادًا.
وهنا، أتساءل: ماذا لو أن هذه التصرفات المجنونة والعبثية قوبلت منذ البداية بالقمع، هل كان بإمكاننا أن نستمتع بالهواتف الذكية من شركة Apple، وأن تكون حياتنا على ما هي عليه الآن ؟!.