لطالما اعتمدت صناديق الاستثمار المغامر، أو صناديق رأس المال المخاطر الصغيرة على مزاياها التقليدية: السرعة والمرونة والخبرة القطاعية المتخصصة. كما كان الاعتقاد السائد أن الصناديق الكبرى تتحرك ببطء. بينما تستطيع الصناديق الصغيرة التحرك بسرعة، وكتابة شيكات مبكرة، وتقديم دعم موجه في نطاق ضيق، لكن هذه القصة لم تعد صالحة اليوم.
صناديق الاستثمار الكبيرة باتت تتقن الدور
كما لم تعد الصناديق الكبرى تبدو مؤسسات ضخمة جامدة. بل أقرب إلى «استوديوهات متعددة التخصصات». فهي توظّف مستشارين متخصصين. وتُنشئ مجموعات تركيز قطاعية. وتطوّر خطط متابعة استثمارية تفصيلية. وهكذا، أصبحت تقدم نفس «القيمة المصممة خصيصًا» التي كانت تميز الصناديق الصغيرة، ولكن مع موارد أكبر بكثير.
كذلك الأرقام تدعم هذا التحول. ففي عام 2024، استحوذ 30 صندوقًا فقط على نحو 75% من جميع أموال رأس المال المخاطر. كما أظهرت الدراسات أن 74% من نجاح صناديق رأس المال المغامر المستمر يعود إلى تدفق أفضل للصفقات بعد تحقيق النجاحات الأولى.
فبمجرد أن تبني شركة استثمارية مصداقيتها، تحصل على وصول مميز إلى أكثر الشركات الناشئة وعدًا، وتتعزز الحلقة باستمرار.
لماذا الوصول المبكر أهم من الخبرة؟
الأموال تبدو متشابهة لكل مؤسس. أما الخبرة فيمكن شراؤها — سواء عبر مستشارين أو مجالس استشارية أو تعيينات استراتيجية. ما لا يمكن تكراره هو الثقة التي تُبنى قبل أن تتحول الجولة التمويلية إلى منافسة مفتوحة.
هنا يبقى أمام صناديق الاستثمار الصغيرة مجال للتميز. الميزة الحقيقية ليست الخبرة، بل الوصول — وتحديدًا «الوصول المبكر».
فبمجرد أن يبدأ مؤسس الشركة في عرض فكرته على نطاق واسع، يكون المسار قد حُسم لصالح من كان موجودًا معه منذ البداية.
كما أن أحد الأمثلة البارزة هو رهان صندوق «إنشلايزد كابيتال» المبكر على «كوينبَيز». ففي عام 2012، ومن صندوق أولي بحجم 7 ملايين دولار، استثمر الصندوق 300 ألف دولار في جولة التمويل الأولى لمنصة تداول العملات المشفرة. عندما كان معظم المستثمرين يعتبرون القطاع هامشيًا.
وبحلول طرحها للاكتتاب العام في 2021، ارتفعت قيمة الحصة إلى 2.4 مليار دولار. ما ميّز «إنشلايزد» لم يكن الخبرة التقنية. بل الوجود المبكر في الغرفة قبل أن تصبح الصفقة واضحة للجميع.
ما الذي تفعله الصناديق الصغيرة الناجحة بشكل مختلف؟
كذلك بعض صناديق الاستثمار الصغيرة بدأت بالفعل بالتكيف. لم تعد ترى نفسها كـ «كتبة شيكات» ينتظرون عروضًا جاهزة. بل كفاعلين نشطين في رحلة المؤسس قبل وصول الشركة إلى رأس المال المؤسسي.
هذا التحول يظهر في سلوكيات محددة:
- بناء علاقات مع المسرّعات والمستثمرين الملائكيين ورواد القطاع قبل أشهر من جولة التمويل.
- التواجد في المجتمعات حيث ما يزال المؤسسون يختبرون أفكارهم.
- القيام بعمليات ربط — مع عملاء محتملين أو موظفين أو شركاء — في لحظات قد تغيّر مسار الشركة.
كما تعمل هذه الصناديق على تعبئة محافظها الاستثمارية. فالمؤسسون أنفسهم غالبًا ما يكونون أفضل الكشّافين. والصناديق التي ترعى علاقات متبادلة توسّع شبكتها بطريقة لا يمكن لأي قائمة بيانات أن تحققها.
كذلك حتى في المجالات التنافسية مثل الذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيا الحيوية. تستطيع الصناديق الصغيرة أن تتميز عبر لعب دور «الجسر» نحو اللاعبين الاستراتيجيين. فتعريف مبكر بشركة مثل «إنفيديا» أو «مايكروسوفت» أو مختبر أبحاث رائد يمنح الشركة الناشئة مصداقية قبل وقت طويل من إعلان الجولة المؤسسية.
التحول الذهني المطلوب
في نهاية المطاف المسألة مسألة ذهنية. لم يعد بإمكان صناديق الاستثمار الصغيرة التفكير في نفسها كمستثمرين يبيعون رأس المال.
عليها أن تتصرف كعُقد داخل شبكة: تتواصل مبكرًا، تنخرط بشكل شخصي أكثر. وتبقى حاضرة حتى بعد توقيع اتفاقيات الاستثمار.
كذلك في السوق الحالية، حيث المنافسة على الصفقات عالية الجودة لم تكن أشد من قبل. لن ينجح من يزعم أنه أسرع أو أكثر تخصصًا. بل من يبني الثقة قبل أن يصبح رأس المال مطروحًا على الطاولة.
الصناديق الصغيرة ما زال بإمكانها الفوز — لكن فقط إذا أعادت كتابة قواعد اللعبة بالكامل.
بقلم/ أندرو جيرشفيلد
المصدر (هنــــــــــــــا)



