شهد القطاع الصناعي في المملكة تطورًا كبيرًا؛ وذلك بما يتلقاه من دعم سخي من قِبل الحكومة السعودية، وبما يتوافق مع أساليب التطوٌر بكل أشكاله؛ حيث سخّرت الدولة جهودها لدعم توطين الصناعات وتنميتها على عدة محاور أساسية.
شملت تلك المحاور من أجل تنمية توطين الصناعات: توفير البنية التحتية اللازمة، إنشاء المدن الصناعية بمختلف مناطق المملكة، ودعم المشروعات الصغيرة وتمويلها بما يفيد روّاد الأعمال، ويساعدهم في تكوين قاعدة خصبة لثراء الاقتصاد السعودي، والمضي قدمًا بطريق الفكر الريادي، ومساندة الكوادر، التي بدورها ستتحول لاحقًا إلى جهات توفّر التدريب اللازم على الساحة الوطنية للأجيال المقبلة.
وبالإضافة إلى توطين الصناعات فهناك الكثير من الصناعات التي يتم استيرادها بصورة مستمرة من مواد ومعدات وغيرها، وهي صناعات قابلة للتوطين تستطيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة تبنّيها إذا ما وجدت الدعم والتسهيلات من صناديق التمويل الحكومية.
توطين الصناعات أسرع الطرق لتحقيق رؤية 2030
يُعتبر توطين الصناعات إحدى أسرع الطرق لتحقيق رؤية المملكة 2030؛ بحيث تصل في البداية إلى الاكتفاء الذاتي، ومن ثم إلى التصدير، وجميع عوامل النجاح متوفرة، وكل ما تحتاجه هو المبادرة، والتنسيق، ومنح الثقة للشركات الوطنية، فضلًا عن استقطاب الشركات العالمية الرائدة في مجال الصناعات الثقيلة والمعقدة، وكذلك استقطاب الشركات التي يُشار لها بالبنان في مجال التقنية؛ حيث سينعكس ذلك بالإيجاب على خفض نسبة البطالة، وتدريب الأيدي السعودية العاملة، كما يساهم في إنعاش الشركات الخدمية السعودية.
ويتخلل ذلك نقل الخبرات لأبناء الوطن، وتشجيع الروّاد على استنساخ التجربة مستقبلًا، بينما تقوم صناديق الاستثمار الجريء والبنوك الاستثمارية بتمويل المشروعات التي ترى فيها فرصة نمو وتحقيق أرباح مستقبلية، مع توفير مؤشرات نمو كبير في حجم عمل المؤسسة، بالإضافة إلى خبرة مناسبة للمستثمر في نوعية عمل المؤسسة المستهدفة.
وأولت المملكة أهمية كبرى لتنمية توطين الصناعات السعودية، وقدّمت لها جميع وسائل الدعم والتشجيع، ونتيجة لذلك خطت الصناعة السعودية خطوات كبيرة، وتمثل ذلك بصورة أساسية في التطوُر الذي شهدته الاستثمارات الصناعية في المملكة.
تفوُق صناعي
واستطاع إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الثابتة للصناعات التحويلية أن يرتفع من مستوى 32 بليون ريال عام 1974، إلى حوالي 319.5 بليون ريال بنهاية العام الماضي. كما أن معدلات نمو القطاع الصناعي ظلت في اتجاه تصاعدي طوال هذه الفترة؛ حيث بلغ متوسط النمو السنوي لإجمالي الناتج الحقيقي للصناعات التحويلية خلال هذه الفترة حوالي 5.8%، وهو من أعلى معدلات النمو بين القطاعات الاقتصادية الأخرى وأكثرها استدامة.
ونتيجة للتطور الكبير الذي شهده الإنتاج في الصناعات التحويلية خلال هذه الفترة؛ ارتفعت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 3% إلى 12% بنهاية عام 2018، كما وصلت نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى حوالي 7.5% من العام ذاته، وتشير هذه النسب إلى تطوُر قطاع الصناعة في المملكة، وتنوُع القاعدة الصناعية المحلية التي تساهم في دعم انطلاقة الاقتصاد السعودي نحو الدور الريادي الذي لعبته الجهات المعنية بالتنمية الصناعية.
سابك
ومن المؤشرات المهمة على تطوُر القطاع الصناعي في المملكة -بما يعود بالنفع على توطين الصناعات بالطبع- كان التحول الكبير الذي حدث في التركيبة الإنتاجية للقطاع الصناعي؛ حيث ارتفع نصيب الصناعات التحويلية إلى 70% مـن إجمالي الناتج المحلي للقطاع الصناعي في الآونة الأخيرة، ويعكس هذا الاتجاه حيوية وفعالية قطاع الصناعات التحويلية السعودية، ويُشار هنا بصفة خاصة إلى التطور الكبير الذي شهدته صناعات البتروكيماويات في المملكة خلال العقدين الماضيين، بريادة الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”.
من جهتها، أعلنت شركة “سابك” وتطوير الصناعة المحلية عن إطلاق مبادرة “نساند” _كمحرك متكامل لتمكين رؤية السعودية 2030_؛ وذلك سعيًا إلى تحقيق أجندة التوطين الخاصة بها؛ إذ تهدف هذه المبادرة إلى دعم المستثمرين في المجالات ذات الصلة، والتي جاءت عن طريق فرص عمل “سابك” المتوفرة لدفع الاستثمار، وإيجاد الطلب المحلي من خلال:
- إنفاق المشتريات.
- تحويل المنتج لتطوير الصناعة التحويلية.
- تسويق براءات اختراع “سابك” وتقنياتها وتطبيقاتها.
- حزم دعم “سابك” للمساعدة في تسويق الفرص، بما في ذلك توفير المواد الخام والدعم التقني وغيره.
- تقديم المشورة والدعم بشأن التمويل.
- تطوير القوى العاملة المحلية ودعم التدريب من خلال الرعاية أو المشورة.
- المواءمة القوية لبرنامج “نساند” مع السلطات المحلية المختلفة لتسهيل تطور المشروعات.
وعملت سابك على تطوير برامج لتمكين عملية توطين الصناعة على نطاق واسع، والعمل كواجهة لتنفيذ جميع جهود التوطين في المملكة العربية السعودية ودعم مساعي تحفيز الصناعة المحلية في جميع قطاعات أعمال وإداراتها، وتمكين القطاع الخاص وإنماء المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتطويرها في المملكة، والاستفادة من براءات الاختراع؛ لدفع تسويق المنتجات في المملكة.
وتمتعت سابك بالقدرات المناسبة لتمكين رؤية المملكة 2030، بداية من المشتريات الضخمة، والإنفاق على المشروعات لدعم التصنيع المحلي، وتنوُع المنتجات والقدرة على دعم الصناعة المحلية، بالإضافة إلى تمكين منصة تقنية لتسويق المنتجات محليًا، وتوفير مرافق عالمية للتطوير والمعرفة؛ لدعم تطوير القوى العاملة، مع الممارسات العالمية التي يمكن مشاركتها لتحسين الشركات المحلية، وتوفير الحضور العالمي القوي؛ لربط المستثمرين بالمملكة، بالإضافة إلى سلسلة الإمدادات المتكاملة والعالمية التي يمكن للمستثمرين الاستفادة منها، ومجموعة الخدمات المشتركة القوية التي يمكن توسيعها لتشمل شركات أخرى.
واعتمدت “سابك” على دعم وشراكة أصحاب المصلحة الرئيسيين في المملكة؛ من أجل تحقيق الجهود الرامية إلى تمكين رؤية السعودية 2030، وتطوير الصناعة المحلية؛ إذ شكلت شراكات دائمة ومثمرة مع الشركات الحكومية والخاصة، ومنها: “نماء” التي تسعى إلى تقديم المشورة للمستثمرين حول أفضل طريقة لتحقيق أهداف المحتوى المحلي، الهيئة العامة للاستثمار؛ لتوفير المسار السريع للموافقات التنظيمية وغيرها من متطلبات الدعم مثل الأراضي الصناعية وغيرها، فضلًا عن التعاون مع صندوق التنمية الصناعية؛ لتقديم الدعم المالي لفرص “نساند” التي تم تحديدها من خلال عملية المسار السريع، مع الاستفادة من نفس المعلومات المقدمة من المستثمر إلى سابك، كما تعاونت سابك مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت”؛ لصنع الوعي المشترك لحلول تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومجلس الغرف السعودية؛ لتقديم المشورة والدعم التجاري للمستثمرين المدعومين من “نساند”؛ من خلال الاستفادة من معرفتهم الواسعة بالتجارة والعلاقات والتواصل.
سامي
يُعد توطين الصناعات بحد ذاته استراتيجية تنموية وطنية تحاكي متطلبات المستقبل واستحقاقاته، وهو يشمل بالطبع الصناعات العسكرية التي باتت تشكل عمادًا رئيسيًا في المخططات الاستراتيجية السعودية الكبرى؛ حيث قرر مجلس الوزراء السعودي إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية عام 2017، في خطوة استراتيجية جديدة تؤكد استهداف المملكة لتوطين 50% من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030.
ويأتي هذا القرار الحيوي بعد أن أعلن صندوق الاستثمارات العامة، قبل نحو 3 أشهر، إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي”، وتمثّل الشركة الجديدة رافدًا لرؤية المملكة 2030، ونقطة تحول فارقة في نمو قطاع الصناعات العسكرية السعودي؛ حيث ستصبح منصة مستدامة لتقديم المنتجات والخدمات العسكرية التي تستوفي أرفع المعايير العالمية.
جاءت رؤية “سامي” متمثلة في التواجد ضمن أفضل 25 شركة متخصصة في الصناعات العسكرية عالميًا بحلول عام 2030، مستندة إلى أحدث التقنيات وأفضل الكفاءات الوطنية؛ لتطوير منتجات وخدمات عسكرية بمواصفات عالمية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة في مجال الصناعات العسكرية، فيما تطوّر أحدث التقنيات، وتسعى لتقديم خدمات عالية الجودة؛ للارتقاء بالقطاع وتأمين الإمدادات اللازمة للعملاء.
وتستهدف “سامي” الحفاظ على دورها الريادي في قطاع الصناعات العسكرية حول العالم، وأن تصبح جهة عمل رائدة في تطوير القوى العاملة، وتنويعها بالتوافق مع أعلى المعايير العالمية، وتحديث قدرة الصناعات العسكرية وتوطين ما يربو على 50% من الإنفاق العسكري بحلول 2030 لتعزيز اكتفاء المملكة العربية السعودية ذاتيًا، مع التركيز على نقاط القوة المتفردة الممثلة في الاستراتيجية، والكفاءة، والتصنيع، بالإضافة إلى صنع منتجات وتقديم خدمات ذات نوعية وقيمة منافسة، وبناء شراكة استراتيجية موثوقة، وطويلة الأمد لتعزيز الأمن الخارجي والرخاء الوطني.
اتفاقية التوطين الأولى
وكان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رعى حفل توقيع اتفاقية تأسيس مشروع مشترك يهدف إلى توطين الصناعات بما يشمل 55% من الصناعات العسكرية، كصيانة وإصلاح وعمرة الطائرات الحربية، في مدينة سياتل الأمريكية؛ وذلك تحقيقًا لرؤية المملكة 2030، وإعلان توطين 50% من الإنفاق العسكري.
وجرى توقيع الاتفاقية بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي” وشركة “بوينج”، وقّعها أحمد الخطيب؛ رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، ودينيس مولنبرج؛ الرئيس التنفيذي رئيس مجلس إدارة شركة “بوينج”.
وشملت الاتفاقية كلًا من:
- صيانة وإصلاح وعمرة الطائرات الحربية ذات الأجنحة الثابتة.
- صيانة وإصلاح وعمرة الطائرات العمودية.
- نقل تقنية دمج الأسلحة على تلك الطائرات.
- توطين سلسلة الإمداد لقطع الغيار داخل المملكة.
ومن المتوقع أن تفوق إيرادات المشروع 22 مليار دولار، وأن توفّر نحو 6 آلاف وظيفة بحلول 2030، بحجم استثمارات يصل لـ450 مليون دولار في المرافق والمعدات داخل المملكة، على أن يكون المشروع المزود الوحيد لخدمات دعم منصات الطيران الحربي بالمملكة، بما يدعم القدرات الدفاعية، كما يؤازر عملية تنمية القدرات الوطنية في البحث والتصميم والهندسة والتصنيع، والارتقاء بإمكانات الصيانة والإصلاح.
اكتفاء
صُمم برنامج تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة “اكتفاء” من أجل تشجيع تطوير قطاع طاقة يتميز بالتنوع والاستدامة والتنافسية العالمية في المملكة، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة وقيمة سلسلة الإمداد على مستوى أعمال شركة أرامكو التي تعمل في مجالات النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات والأعمال المتعلقة بها؛ من تنقيب وإنتاج وتكرير وتوزيع وشحن وتسويق.
وتنشئ أرامكو؛ من خلال برنامج “اكتفاء”، سلسلة إمداد محلية عالمية المستوى لدعم احتياجاتها واحتياجات شركائها، ويتمثل الهدف من البرنامج في زيادة كمية السلع والخدمات المشتراة في المملكة إلى 70% بحلول العام الجاري 2021؛ حيث يؤدي توفُّر سلسلة إمداد الطاقة المحلية عالمية المستوى إلى تعزيز مناخ الأعمال في المملكة، فضلًا عن توليد فرص جديدة لتنفيذ أعمالها بشكل أكثر كفاءة واقتصادية، كما يعزز التوطين التنمية الاقتصادية والتنويع؛ وذلك بالعمل على مضاعفة إنتاج سلع الطاقة المحلية وخدماتها بالإضافة إلى زيادة صادراتها.
وإلى جانب دعم تحقيق القيمة المحلية، يضع برنامج “اكتفاء” التوافق والشفافية على رأس أولوياته، بما يكفل توفير بيئة قائمة على قاعدة تكافؤ الفرص لما يزيد على 1000 مورد تتعامل معه ضمن شبكة مورديها المحليين والدوليين.
وسيتم إنفاق 1.5 تريليون ريال على برنامج اكتفاء في السنوات المقبلة، علمًا بأن البرنامج يشارك فيه 400 شركة، على أن يضمن 360 ألف متدرب لسوق العمل بحلول 2030؛ حيث تسعى أرامكو إلى زيادة المحتوى المحلي بمقدار 70% بحلول نهاية عام 2021.
ويركز برنامج “اكتفاء” بشكلٍ خاص على الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد عصب الاقتصادات المزدهرة في كل مكان، ومحركات ديناميكية للابتكار والتنافس.
وعلى جانب آخر يستضيف منتدى اكتفاء المعني بسلسلة الإمداد في مجال الطاقة العديد من القطاعات المحلية والدولية، الصغيرة منها والكبيرة، كما يجذب المسؤولين التنفيذيين المؤثرين، وقادة الصناعة العالميين؛ حيث يعد منبرًا لدعوة الشركات الراغبة في تأسيس أعمال لها في المملكة العربية السعودية؛ للتواصل مع الجهات المعنية بقطاع الطاقة في المملكة وكبار مورديها.
وتُعد السعودية من أقوى 20 اقتصادًا على مستوى العالم، إلا أن طموح المملكة أكبر، وسوف تسعى إلى أن تتبوأ مكانةً أكثر تقدمًا بحلول عام 2030، بالرغم من التباطؤ الاقتصادي العالمي، والأثر المتوّقع من الإصلاحات الهيكلية في عالم ريادة الأعمال خلال السنوات القليلة المقبلة.
اقرأ أيضًا:
تطبيقات جديدة في السعودية.. تعزيز تجربة التحول الرقمي
مدينة الملك سلمان للطاقة “سبارك” تضع الابتكار في صدارة أجندتها للاستدامة