لطالما كان تحديد توقعات الأداء في العمل من أهم العناصر التي تُساهم في تحقيق النجاح المنشود سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة. فمن خلال تحديد الأهداف المرجوة والمعايير الواضحة لقياس الأداء يمكن للمؤسسات أن تضمن تحقيق أقصى استفادة من مواردها البشرية، وأن يساهم كل فرد في تحقيق الرؤية المشتركة.
كما يوفر تحديد توقعات الأداء بيئة عمل أكثر شفافية ووضوحًا؛ ما يقلل من مستوى الغموض والتردد لدى الموظفين.
علاوة على ذلك فإن تحديد توقعات الأداء يعد أداة فعالة لتقييم أداء الموظفين، وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم، الأمر الذي يتيح للمؤسسات تصميم برامج تدريب وتطوير مخصصة تلبي احتياجات كل موظف على حدة. كذلك يساهم تحديد توقعات الأداء في بناء علاقة قوية بين الإدارة والموظفين؛ من خلال توفير آلية واضحة للتواصل حول الأهداف والأداء. ما يعزز الثقة المتبادلة والتعاون بين الطرفين.
قياس الأداء في المؤسسات
من ناحية أخرى فإن تحديد توقعات الأداء لا يقتصر على الموظفين فحسب بل يشمل أيضًا الإدارة العليا؛ إذ يجب أن تتوفر توقعات واضحة حول أداء القادة والمديرين، ويتم تقييم أدائهم بشكلٍ دوري. بينما يواجه العديد من المؤسسات تحديات في عملية تحديد توقعات الأداء، مثل: عدم وجود آليات واضحة لقياس الأداء، أو عدم توافر لغة مشتركة بين الإدارة والموظفين حول المعايير المطلوبة.
في حين أن تحديد توقعات الأداء يمثل خطوة حاسمة لتحقيق النجاح المؤسسي إلا أنه يتطلب التزامًا من جميع الأطراف، وتوفير الموارد اللازمة لضمان نجاح هذه العملية. كما يحتاج إلى تكييف هذه العملية مع طبيعة كل مؤسسة واحتياجاتها الخاصة.
تحديد توقعات الأداء
تشير دراسة حديثة أجرتها كلية “هارفارد” للأعمال إلى وجود فجوة كبيرة بين تصورات القادة والموظفين حول وضوح الأهداف والتوقعات في بيئة العمل. في حين يعتقد غالبية القادة أن فرقهم على دراية كاملة بأهدافهم وتوقعاتهم تكشف الدراسة عن أن الواقع يختلف تمامًا.
وأظهرت نتائج الدراسة أن نسبة 50% من الموظفين لا يعرفون بوضوح ما هو متوقع منهم في العمل. هذه النسبة المرتفعة تكشف عن وجود خلل كبير في عملية التواصل بين القادة ومرؤوسيهم. ما يؤدي إلى العديد من المشاكل في مكان العمل، مثل: انخفاض الإنتاجية، وضعف الالتزام، وارتفاع معدلات التغيب.
غياب الوضوح حول الأهداف
علاوة على ما فات فإن غياب الوضوح حول الأهداف والتوقعات يؤدي إلى زيادة مستوى التوتر والقلق لدى الموظفين. ما يؤثر سلبًا في صحتهم النفسية والجسدية. كما أن عدم معرفة الموظفين بما هو متوقع منهم يجعلهم يشعرون بعدم الأمان وعدم الثقة في قدراتهم. ما يحد من قدرتهم على الإبداع والابتكار.
من ناحية أخرى فإن وجود أهداف واضحة وتوقعات محددة يُساعد الموظفين في التركيز على مهامهم، وتحسين أدائهم، والشعور بالرضا عن عملهم. كما أن ذلك يساعد القادة في تقييم أداء موظفيهم بشكلٍ أكثر دقة، وتقديم الملاحظات اللازمة لتحسين أدائهم.
ورغم أن هذه الدراسة تلقي الضوء على مشكلة خطيرة تواجه العديد من الشركات والمؤسسات إلا أنها تقدم أيضًا حلولًا عملية لتحسين التواصل بين القادة والموظفين، مثل: عقد اجتماعات دورية لمناقشة الأهداف والتوقعات، وتوفير التدريب اللازم للموظفين حول كيفية تحقيق هذه الأهداف، وتقديم الملاحظات الفورية والمحددة للموظفين.
إطار عمل متكامل لتحقيق الأداء المتميز
ما من شكٍ في أن تحقيق الأداء المتميز داخل أي مؤسسة يتطلب إطار عمل متينًا يحدد بوضوح توقعات الأداء ويضمن مواءمتها مع الأهداف الاستراتيجية. هذا الإطار، الذي يشبه خارطة الطريق الواضحة، يوفر الأسس المتينة التي يمكن للمنظمات من خلالها تحقيق النمو المستدام والتفوق في سوق العمل المتنافسة.
1. تحديد الأهداف الذكية
يشكل تحديد الأهداف الذكية (SMART) حجر الزاوية في هذا الإطار. فالأهداف الذكية، التي تتميز بكونها محددة وقابلة للقياس والتحقيق وذات صلة بالوقت، توفر رؤية واضحة للموظفين حول ما هو مطلوب منهم لتحقيق النجاح.
علاوة على ذلك فإن الأهداف الذكية تعمل على تحفيز الموظفين وتعزيز مشاركتهم في تحقيق أهداف المنظمة.
2. استراتيجيات الاتصال الفاعل
بينما يعد تحديد الأهداف الذكية خطوة أساسية إلا أنه لا يكفي وحده لضمان تحقيق الأداء المتميز في الشركات أو المؤسسات. فمن الضروري وجود استراتيجيات اتصال فاعلة تعمل باستمرار على نقل هذه الأهداف إلى جميع أفراد الفريق وتوضيح دور كل فرد في تحقيقها.
كما ينبغي أن تتضمن هذه الاستراتيجيات قنوات اتصال متنوعة تضمن وصول الرسائل إلى جميع المستويات الوظيفية.
3. مواءمة الأهداف مع القيم المؤسسية
من ناحية أخرى ينبغي أن تتم مواءمة الأهداف الذكية مع القيم المؤسسية والثقافة التنظيمية. فالأهداف التي تتناقض مع القيم المؤسسية قد تؤدي إلى تشتيت الجهود وتقويض روح الفريق. بينما الأهداف التي تتسق مع القيم المؤسسية تعمل على تعزيز الالتزام بها وتحقيق التكامل بين مختلف الأبعاد التنظيمية.
4. مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs)
لا يكتمل أي إطار عمل للأداء دون وجود آليات فعالة لقياس التقدم المحرز. وتعد مؤشرات الأداء الرئيسة (KPIs) أداة قوية في هذا الصدد؛ حيث تسمح بتحديد الأهداف القابلة للقياس ومتابعة التقدم نحو تحقيقها بشكل دقيق.
“ما يتم قياسه يتم إدارته” هذه المقولة تعكس أهمية هذه المؤشرات في توجيه الجهود وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
5. دور التغذية الراجعة المستمرة
بالتوازي مع قياس الأداء تلعب التغذية الراجعة المستمرة دورًا حيويًا في تطوير الأفراد والمؤسسات. فمن خلال توفير ملاحظات بناءة حول الأداء يحدد الموظفون نقاط قوتهم ومجالات التحسين لديهم؛ ما يساهم في نموهم المهني. كما تساعد التغذية الراجعة الإيجابية في رفع معنويات الموظفين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
6. الاعتماد على التكنولوجيا
في عصر التحول الرقمي أصبحت التكنولوجيا تلعب دورًا محوريًا في إدارة الأداء. فبرامج إدارة الأداء المتخصصة توفر مجموعة واسعة من الأدوات التي تسهّل عملية تحديد الأهداف، ومتابعة التقدم، وتقييم الأداء. كما تسمح هذه البرامج بتجميع البيانات وتحليلها بشكل فعال؛ ما يساعد في اتخاذ قرارات مدروسة.
في النهاية يمكن القول إن تحديد توقعات الأداء ليس مجرد إجراء روتيني بل استثمار طويل الأجل في نجاح المؤسسة. وعبر وضع أهداف واضحة وقياس الأداء بانتظام يمكن للمؤسسات أن تحقق تحسينًا مستمرًا في أدائها وتحقق أهدافها الاستراتيجية. ومع ذلك لا تعد عملية تحديد توقعات الأداء ثابتة، بل تتطلب مراجعة دورية وتطويرًا مستمرًا لمواكبة التغيرات المتسارعة في بيئة العمل.