تحتفل المملكة العربية السعودية، بيومها الوطني الرابع والتسعين، هذا العام 2024، حاملة في جعبتها رؤية مستقبلية طموح، ترى فيها الشركات الناشئة، المحرك الأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
كما تُدرك المملكة، وسط تحولات عالمية متسارعة، أن الاستثمار في الشباب وريادة الأعمال هو الاستثمار بالمستقبل.
ولا يقتصر الاحتفال بـ”يوم الوطن”، الذي يوافق 23 سبتمبر كل عام، على الاحتفاء بالتاريخ المجيد، بل يتعداه إلى الاحتفاء برؤية مستقبلية تبنى على الابتكار والريادة. فالمملكة، بقيادتها الحكيمة، قد رسمت ملامح اقتصاد رقمي متقدم، يعتمد على الشركات الناشئة، كقوة دافعة للتغيير والتحول.
دعم متكامل لرواد الأعمال
ولتحقيق هذه الرؤية الواعدة، لم تدخر المملكة جهدًا في دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة. فبالإضافة إلى الدعم المالي السخي، تقدم المملكة مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات. والتي تستهدف في الأساس تمكين رواد الأعمال وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة للنجاح.
وتؤمن المملكة بأن الاستثمار في الشباب هو للمستقبل. لذلك تسعى جاهدة لبناء جيل من القادة والمبتكرين القادرين على المنافسة العالمية. فمن خلال توفير بيئة محفزة للابتكار، تدعو المملكة الشباب إلى تحقيق أحلامهم وتحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.
إن الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة للشركات الناشئة ليس مجرد سياسة اقتصادية. بل تعبير عن إيمان راسخ بأهمية ريادة الأعمال في بناء اقتصاد مستدام. فمن خلال هذا الدعم، ترسل المملكة رسالة واضحة للعالم أجمع بأنها دولة طموح تسعى إلى بناء مستقبل زاهر لشعبها.
الاستثمار في الشركات الناشئة
تثبت المملكة العربية السعودية، مرة أخرى ريادتها في مجال الاستثمار الجريء على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد أظهر أحدث تقرير صادر عن منصة MAGNiTT برعاية الشركة السعودية للاستثمار الجريء، أن المملكة قد استحوذت على حصة الأسد من إجمالي الاستثمارات في الشركات الناشئة، خلال النصف الأول من العام 2024؛ إذ بلغت قيمة هذه الاستثمارات 1.5 مليار ريال، أي ما يُعادل 412 مليون دولار.
هذا الإنجاز يوضح الدعم الحكومي القوي لمنظومة الشركات الناشئة في المملكة. فبفضل الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظهما الله- شهدت المملكة طفرة غير مسبوقة في مجال الابتكار وريادة الأعمال. الأمر الذي أسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
تنوع القطاعات المستهدفة
ولم يقتصر الأمر على زيادة قيمة الاستثمارات، بل شمل أيضًا تنوع القطاعات المستهدفة. فقد تصدر قطاع التجارة الإلكترونية قائمة القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمارات؛ بحصد ما يقرب من نصف إجمالي الاستثمارات.
كما شهد قطاع التقنية المالية نموًا ملحوظًا من حيث عدد الصفقات؛ ما يعكس الثقة المتزايدة في قدرة الشركات الناشئة بهذا القطاع على تقديم حلول مبتكرة تلبي احتياجات السوق.
وفي تعليق له على هذه النتائج، أكد الدكتور نبيل بن عبد القادر كوشك؛ الرئيس التنفيذي وعضو مجلس إدارة الشركة السعودية للاستثمار الجريء، الدور المحوري الذي تلعبه الشركة في دعم منظومة الاستثمار الجريء في المملكة.
كما أشار إلى أن هذه النتائج هي ثمرة جهود متواصلة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للابتكار وريادة الأعمال.
من جانبه، أشاد فيليب باهوشي؛ الرئيس التنفيذي لشركة MAGNiTT، بالتقدم الكبير الذي تحرزه المملكة في هذا المجال.
كما أكد أن المملكة العربية السعودية، باتت تمثل نموذجًا يحتذى به في المنطقة. وذلك بفضل بيئة الأعمال المواتية والحوافز التي تقدمها للشركات الناشئة.
وأضاف “باهوشي” أن النمو الملحوظ في الاستثمارات غير الضخمة يشير إلى وجود قاعدة صلبة من الشركات الناشئة الواعدة التي ستسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية بالمملكة على المدى الطويل.
دعم تقني بـ 600 مليون دولار
كذلك في خطوة طموح نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للابتكار، أطلقت المملكة العربية السعودية، حزمة برامج ضخمة، تستهدف دعم وتمكين الشركات الناشئة العاملة بقطاع التكنولوجيا، خلال فعاليات مؤتمر ومعرض “ليب 24” الذي عقد من 4 إلى 7 مارس الماضي، بالرياض.
كما أن تلك الحزمة، التي تقدر استثماراتها بـ 600 مليون دولار، تأتي ضمن البرنامج الوطني لتطوير التكنولوجيا، وتشمل مجموعة متنوعة من المبادرات التي تهدف إلى تحفيز نمو القطاع، وتوفير الدعم المالي والتقني للشركات الناشئة بمختلف مراحل تطورها.
كذلك أبرز هذه المبادرات برنامج “فيول” الذي يخصص مبلغ 266 مليون دولار لشركات التمويل، بهدف تشجيعها على الاستثمار في التقنيات الناشئة، مثل: الفضاء والحوسبة الكمية والمدن الذكية، مع التركيز بشكل خاص على الشركات الناشئة في مرحلة ما قبل الطرح الأولي. وبذلك، يسعى البرنامج إلى تسريع وتيرة الابتكار في هذه القطاعات الحيوية.
كما أطلق البرنامج الوطني، منصة “إيم” المتطورة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوفير بيئة محفزة للابتكار؛ حيث تتيح للباحثين والمبتكرين والشركات الناشئة الوصول إلى البنية التحتية للأبحاث والتطوير، والمواهب، والبيانات، بالإضافة إلى شبكة واسعة من شركات التمويل.
برامج متنوعة لدعم الشركات الناشئة
كما أنه ومن بين البرامج الأخرى التي أُعلن عنها، برنامج “سويفت” الذي يقدم تمويلًا إضافيًا للشركات الناشئة التي نجحت في الحصول على استثمار أولي، وبرنامج “ترانسفور بلاس” الهادف إلى تسريع تبني الشركات الناشئة لحلول الخدمات السحابية، وبرنامج “سورس تيك” الذي يدعم الشركات التي تستعين بمصادر خارجية لتوسيع أعمالها في المملكة.
ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، فقد شهد “ليب 24” إطلاق شركات سعودية عدة لصناديق تمويلية جديدة للشركات الناشئة، بقيمة إجمالية بلغت 798 مليون دولار.
كما أن هذه الخطوة تعكس الثقة المتزايدة في قطاع التكنولوجيا السعودي، وتؤكد التزام القطاع الخاص بدعم نمو الشركات الناشئة.
وبإطلاق هذه الحزمة الشاملة من البرامج والمبادرات، ترسخ المملكة العربية السعودية مكانتها كقوة صاعدة في مجال الابتكار والتكنولوجيا، وتفتح آفاقًا جديدة أمام رواد الأعمال والمبتكرين؛ ما يدعم كثيرًا تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030؛ لبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
وبالتأكيد، هذه الخطوات الجريئة تؤكد الإيمان بقدرات الشباب السعودي، وأهمية الاستثمار في المعرفة والابتكار كمحرك رئيس للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
كذلك لا شك أن هذه البرامج ستسهم في خلق بيئة محفزة للابتكار، وتشجيع الشباب على تأسيس شركات ناشئة مبتكرة تساهم في حل التحديات التي تواجه العالم.
الشركات الناشئة تجمع 5.2 مليار ريال
في خطوة تاريخية تعكس ديناميكية الاقتصاد السعودي، كشف تقرير مرصد المنشآت المتوسطة والصغيرة الصادر في الربع الرابع لعام 2023، عن تصدر المملكة لاستثمارات رأس المال الجريء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال عام 2023.
هذا الإنجاز اللافت يأتي ثمرة للجهود المتواصلة التي تبذلها السعودية، لتعزيز بيئة الأعمال وتشجيع الابتكار؛ فقد استطاعت الشركات الناشئة السعودية جمع مبلغ قياسي تجاوز 5.2 مليار ريال، ليرتفع إجمالي الاستثمارات إلى أكثر من 53.7 مليار ريال، العامين الماضيين.
ويعد هذا النمو المتسارع في الاستثمارات دليلًا قاطعًا على جاذبية الاقتصاد السعودي، كوجهة استثمارية واعدة. فقد نجحت المملكة في توفير بيئة محفزة للابتكار وريادة الأعمال، الأمر الذي أسهم في جذب اهتمام المستثمرين العالميين.
السعودية تستحوذ على 52 % من رأس المال الجريء
وتفصيلًا، استحوذت السعودية على نسبة 52 % من إجمالي رأس المال الجريء في المنطقة، محققة نموًا سنويًا بلغ 33 %. وقد ساهم 114 مستثمرًا في دعم الشركات الناشئة السعودية؛ ما يعكس تنوع مصادر التمويل وثقة المستثمرين في آفاق النمو المستقبلية.
ولم يقتصر النمو على حجم الاستثمارات فحسب، بل شمل أيضًا عدد الصفقات الذي ارتفع إلى 125 صفقة؛ ما جعل المملكة تحتل المركز الثاني في المنطقة من حيث عدد الصفقات. كما شهدت المملكة 9 عمليات اندماج واستحواذ؛ ما يعكس نضوج النظام البيئي للشركات الناشئة.
ومن أبرز القطاعات التي جذبت الاستثمارات، قطاع التقنية المالية الذي استحوذ على نصف إجمالي التمويل، مدفوعًا بصفقتين ضخمتين لشركتي “تمارا” و”تابي”. كما شهد قطاع التجارة الإلكترونية نموًا ملحوظًا، عكس التحول الرقمي الذي تشهده المملكة.
وفيما يتعلق بتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقد سجل نموًا ملحوظًا بنسبة 17.8% على أساس سنوي. ويعكس هذا النمو زيادة ثقة القطاع الخاص في قدرة هذه المنشآت على تحقيق نمو مستدام.
مشروع “فينتشر استوديو”
في إطار حرصها على دفع عجلة الابتكار وريادة الأعمال بالمملكة العربية السعودية، أعلنت شركة “سنابل” للاستثمار – الذراع الاستثماري لصندوق الاستثمارات العامة- في الأول من مايو 2024، عن إطلاق مبادرة “فينتشر استوديو”.
وتأتي هذه المبادرة الطموح لتُرسخ مكانة المملكة كمركز إقليمي للابتكار. وتوفر بيئة محفزة للشركات الناشئة لتنمو وتزدهر.
وحسب بيان شركة “سنابل” فإن مشروع “فينتشر استوديو” يهدف إلى بناء شركات تقنية واعدة تتمتع بإمكانات كبيرة للنمو والتوسع على المستوى المحلي والعالمي.
وقد خصصت “سنابل” مبلغ 14 مليون دولار، لتمويل أربع شركات ناشئة في المرحلة الأولى من المشروع، ستركز على ثلاثة قطاعات حيوية. تتوافق مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة. وهي: التقنية المالية، والسلع الاستهلاكية، والسياحة والترفيه. وبذلك، تسعى “سنابل” إلى تعزيز هذه القطاعات في الاقتصاد السعودي وتنويع مصادره.
وتمتاز مبادرة “فينتشر استوديو” أنها نموذج مبتكر لدعم الشركات الناشئة؛ توفر لها مجموعة واسعة من الموارد والخبرات التي تحتاجها للنجاح. بما في ذلك التمويل الأولي، والوصول إلى الأسواق، والدعم الفني، والإرشاد الاستراتيجي.
وبفضل هذا الدعم الشامل، تستطيع الشركات الناشئة تسريع وتيرة نموها والتغلب على التحديات التي تواجهها في مراحلها الأولى.
ويضم فريق عمل “فينتشر استوديو” نخبة من الخبراء والمختصين في مختلف المجالات؛ بما في ذلك الاستثمار، والتكنولوجيا، وريادة الأعمال.
ويعمل هذا الفريق، جنبًا إلى جنب مع الشركات الناشئة لتطوير أفكارها وتحويلها إلى مشروعات ناجحة. وبفضل هذه الخبرات المتنوعة، يضمن “فينتشر استوديو” تحقيق أقصى استفادة من الاستثمارات التي تضخ في هذه الشركات.
من خلال هذه المبادرة الطموح، تؤكد “سنابل” التزامها بدعم منظومة الابتكار في المملكة العربية السعودية، وتعزيز مكانتها كوجهة جاذبة للاستثمارات في مجال التكنولوجيا.
ومن المتوقع أن يسهم “فينتشر استوديو” في خلق فرص عمل جديدة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للابتكار.
نهضة حاضنات ومسرعات الأعمال بالسعودية
تشهد المملكة العربية السعودية، تحولًا نوعيًا في بيئة ريادة الأعمال؛ حيث تتسابق الحاضنات ومسرعات الأعمال؛ لتوفير الدعم اللازم للشركات الناشئة، وتسريع نموها، وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
وفيما يلي أبرز حاضنات ومسرعات الأعمال بالمملكة، والدور المحوري الذي تمارسه لدعم الاقتصاد الوطني:
1. مسرعة “بادر”
تعد مسرعة “بادر” من أبرز المسرعات في المملكة العربية السعودية، وتقدم برامج مكثفة للأعمال التجارية الناشئة في مختلف المراحل، بدءًا من مرحلة التأسيس حتى مرحلة النمو. وتوفر المسرعة للمشاركين التوجيه اللازم، والوصول إلى الخبراء والمستثمرين، بالإضافة إلى الدعم المالي.
2. Flat6Labs
تتمتع Flat6Labs بسمعة طيبة على المستوى الإقليمي والعالمي، وتقدم برامج متعددة المراحل لدعم الأعمال التجارية الناشئة في مختلف القطاعات. وتتميز الحاضنة بتركيزها على المشاريع الناشئة ذات التكنولوجيا العالية.
3. The Riyadh Techstars Accelerator
فيما تهدف The Riyadh Techstars Accelerator إلى دعم رواد الأعمال في المراحل المبكرة من خلال تقديم التوجيه والدعم المالي لهم. وتساعد المسرعة المشاريع الناشئة على تطوير نماذج أعمالها، وبناء فرق عمل قوية، والوصول إلى الأسواق المستهدفة.
4. مركز أرامكو لريادة الأعمال “واعد”
كما يعد مركز “أرامكو” لريادة الأعمال “واعد”، منصة رائدة لدعم المشاريع التقنية الناشئة بالمرحلة الأولية. وأيضًا توفر المسرعة للمشاركين الوصول إلى الخبراء والمستثمرين في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الدعم المالي والتسويقي.
5. مسرعة “مسك”
علاوة على ذلك، تمثل مسرعة “مسك” منصة عالمية للشركات التقنية الناشئة في المرحلة الأولية. كما تساعد المسرعة الشركات الناشئة على تطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية، والوصول إلى الأسواق العالمية.
6. مسرعة الأمن السيبراني
كذلك، تأتي مسرعة الأمن السيبراني ضمن برنامج “سايبرك” لتنمية قطاع الأمن السيبراني. وتشكّل أحد الممكنات الرئيسة، لتحفيز منظومة الصناعة المحلية في الأمن السيبراني. كما تساعد المسرعة الشركات الناشئة في تطوير حلول مبتكرة بمجال الأمن السيبراني.
7. مسرعة أعمال أنشطة الترفيه
من ناحية أخرى، تعمل مسرعة أعمال أنشطة الترفيه على تحويل الأفكار الناشئة في مجال الترفيه إلى مشروعات رائدة. كما توفر للمشاركين الدعم اللازم لتطوير أفكارهم وتحويلها إلى أعمال ناجحة.
في النهاية، تُثبت المملكة العربية السعودية، كل يوم أنها حاضنة فريدة من نوعها لواحدة من أسرع البيئات الناشئة نموًا في العالم.
وبفضل الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الرقمية. والسياسات الداعمة لريادة الأعمال، فإن المستقبل يحمل – بإذن الله – الكثير من الإنجازات.
كما ينتظر أن تصبح المملكة مركزًا عالميًا للتكنولوجيا والابتكار؛ ما يسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتحويلها إلى اقتصاد متنوع ومزدهر.