لم يكن ماضي المسؤولية الاجتماعية، في الستينيات على الأقل، كما هو حاضرها الآن؛ حيث تم التحول من مجرد «فعل الخير» إلى كونها نهجًا واضحًا ومحددًا مدرجًا في صميم الاستراتيجية العامة للمؤسسة، والحديث عن المبادرات الاجتماعية للشركات ليس وليد الوقت الراهن، ولكن هذه المبادرات تطورت هي الأخرى من حيث الأهداف التي تسعى إليها، وتريد تحقيقها.
ما من شك في أن المبادرات الاجتماعية للشركات تنطوي على قدر كبير من الأهمية ليس لهذه المؤسسات وحدها وإنما للمجتمع بشكل عام، سوى أن القائمين على أمر المسؤولية الاجتماعية، وهذه المبادرات الاجتماعية تحديدًا، يواجهون الكثير من التحديات والتي من بينها، على سبيل المثال: العثور على المشكلة الاجتماعية المناسبة للدعم، وإنشاء برامج فعالة وتنفيذ طرق تقييم كافية.
ليس كافيًا أن تعثر الشركة على المشكلة التي ستطلق من أجل حلها مبادرة ما، ولكن يجب أن تكون هذه المبادرة فعالة، وأن تنجح كذلك في القضاء على هذه المشكلة من جذورها، وتوفير حل مستدام لها.
اقرأ أيضًا: دور المسؤولية الاجتماعية في دعم رواد الأعمال
أنواع المبادرات:
يحدد فيليب كوتلر؛ المؤلف وخبير التسويق المعروف، وزملاؤه، في كتاب جماعي عُنون بـ «Good Works» عدة أنواع لـ المبادرات الاجتماعية للشركات والتي نذكر منها ما يلي:
-
التسويق بالقضية
هذه مبادرة من نوع فريد؛ إذ تعمد الشركة إلى الترويج لقضية بعينها دون سواها؛ وذلك عبر التبرع بالأموال أو تقديم أي وسيلة من وسائل الدعم الأخرى، صحيح أن الجانب التسويقي واضح في هذا النوع من المبادرات، إلا أن بعدها الاجتماعي واضح وجلي هو الآخر؛ حيث إن القضايا التي تعمل الشركات على ترويجها ومساندتها يتم اختيارها بدقة كافية.
وهنا بالضبط يتجلى واضحًا التزام الشركة بمعايير ومقتضيات المسؤولية الاجتماعية؛ فالقضية التي يتم الترويج لها أو حتى دعمها لا بد أن تكون مفيدة للمجتمع، وتعود بالنفع على أفراده بشكل عام.
اقرأ أيضًا: ثقافة العدالة في المؤسسات.. تعزيز للإبداع وزيادة بالإنتاجية
-
التسويق الاجتماعي
مرة أخرى يظهر البعد التسويقي في الموضوع، لكن لنتذكر أن فيليب كوتلر هو أحد مؤلفي كتاب «Good Works» الذي نعتمد عليه في هذا المجال، وهو أحد أهم المنادين والمؤمنين كذلك بحتمية وضرورة المسؤولية الاجتماعية في التسويق.
المهم أن الشركة تعمل، في هذا النوع من المبادرات، على تغيير سلوك أفراد المجتمع، بمعنى أنها كفت عن التنظير المحض والمجرد وتقدمت خطوة أخرى إلى الأمام، فحاولت أن تعالج سلوكيات سلبية وتستبدلها بأخرى حسنة.
-
الأعمال الخيرية للشركات
هذا النوع من المبادرات الاجتماعية للشركات مهم لكنه لا يأخذ بزمام الأمور، وإنما يكتفي بصنع المعروف لمؤسسات خيرية موجودة بالفعل؛ وذلك عبر تقديم الدعم المالي وخلافه.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية قيمة مضافة وسلاح سري للشركات الناشئة
-
التطوع
تختلف المبادرات التطوعية عن الأعمال الخيرية في كونها _أي هذه الأعمال التطوعية_ تكتفي بالتبرع بالوقت لصالح قضايا محلية؛ كأن يسهم موظفو هذه الشركة أو تلك في حدث خيري ما، أو زيارة إحدى مؤسسات العمل الخيري ولعب بعض الأدوار الاجتماعية الإيجابية.
-
الممارسات المسؤولة اجتماعيًا
تلك هي أهم وأعم أنواع المبادرات الاجتماعية للشركات؛ حيث تصب الشركة كل تركيزها على صياغة وتنفيذ البرامج التي تضمن تحسين رفاهية المجتمع وحماية البيئة على حد سواء.
اقرأ أيضًا: المسؤولية الاجتماعية المتبادلة.. وحدة الأهداف وتعدد المصالح
عالم أفضل بديل
لعل أهم ما يمكن ملاحظته عند الحديث عن المسؤولية الاجتماعية أنها وعد بصناعة عالم مغاير، وتقديم نسخة أخرى معدلة من هذا الواقع المليء بالمشكلات والأزمات، صحيح أن هذه المشكلات لا تفت في عضد الشركات التي قررت أن تلعب دورًا اجتماعيًا إيجابيًا، ولا تثبط عزيمتها؛ فالأصل أن هذه المشكلات وتلك الأزمات هي الدافع الأساسي وراء وجود هذه المبادرات الاجتماعية للشركات.
وهذه معادلة الكل فيها رابح: المجتمع والشركات على حد سواء؛ فالمجتمع يستفيد من كل هذه المبادرات المجتمعية ويعود أثرها الإيجابي عليه، فيما تسهم هذه المبادرات ذاتها في تحسين سمعة الشركة، وتدعيم علامتها التجارية في المجتمع المحيط، بل تمكنها، كذلك، من استقطاب الموظفين الأكفاء وبسهولة؛ فالناس يفضلون العمل لصالح شركات تعمل من أجل مجتمعهم ودعمه والدفع به قُدمًا.
اقرأ أيضًا:
استثمار القيمة الاجتماعية.. إشراك الجميع في المهمة
استراتيجية العمل الخيري والإسهام في الرفاه الاجتماعي
المسؤولية الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة