ألقت جائحة فيروس كوفيد_19 بظلالها على قطاعات اقتصادية كثيرة، بل من الممكن القول إنه ما من قطاع اقتصادي أو منحى حياتي إلا وتأثر بهذا الأزمة، وكانت السياحة في زمن الكورونا واحدة من أبرز هذه القطاعات التي تأثرت بالجائحة.
وقدرت المنظمة العربية للسياحة خسائر الدول العربية في المجال السياحي بأكثر من 15 مليار دولار؛ نظرًا لهذا الفيروس المستجد، كما تراجعت أشغال الأنشطة السياحية بنسب تتراوح بين 70 و90 % بسبب الوباء ذاته.
ركود تونس العظيم
ونظرًا لأن الاقتصادي التونسي يعتمد على السياحة بشكل أساسي، كانت خسائره فادحة؛ إذ يشهد الاقتصاد التونسي، حاليًا، أسوأ ركود منذ الاستقلال عام 1656 بسبب انهيار قطاع السياحة الحيوي.
وفي تشخيص للأزمة، قال نزار يعيش؛ وزير المالية التونسي، ومروان العباسي؛ محافظ البنك المركزي، في الرسالة الموجهة إلى صندوق النقد الدولي، إن السياحة التونسية مهددة بفقدان 400 ألف وظيفة وخسائر لا تقل عن 1.4 مليار دولار.
والوضع في كثير من الدول العربية، خاصة تلك التي تعتمد على السياحة وتعتبره موردًا أساسيًا من مواردها مثل مصر والمغرب والإمارات، لا يختلف عن الوضع في تونس، وليس حالها بأفضل مما هو في تونس.
ففي مصر تزيد الخسائر المتوقعة حتى الآن على 4 مليارات، فضلًا عن فقدان مئات آلاف فرص العمل. وفي الإمارات وخاصة في إمارة دبي ستكون الخسائر أكبر؛ لأن الإمارة تعيش على السفر والسياحة والتجارة والمعارض التي توقفت أنشطتها بنسبة وصلت إلى 90%.
اقرأ أيضًا: «كورونا» يُعمّق خسائر قطاع السياحة والسفر .. وتوقعات بسرعة التعافي
القطاع السياحي السعودي
تلعب السياحة الدينية دورًا أساسيًا في المشهد السياحي السعودي، بل إنها قد تكون الواجهة الأمثل للسياحة السعودية، ومن ثم فإن قرار وقف العمرة ألقى بظلال كثيفة على القطاع السياحي هناك؛ حيث بلغت خسائر القطاع السياحي 7 مليارات دولار؛ نظرًا لتوقف السياحة بكل أشكالها، وتوقف العمرة واستقطاب استثمارات تُقَدّر بـ 115 مليار ريال حتى وقت إطلاق التأشيرة السياحية.
ومما يُعظّم من الخسائر السعودية في هذا الصدد هو عدد العاملين في هذا القطاع؛ إذ، بلغ عدد العاملين في القطاع السياحي السعودي، وفقًا للتقارير الصادرة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني؛ حوالي 1.7 مليون شخص، وهو الأمر الذي يعني أن مستقبل هؤلاء جميعًا بات في خطر، وأن معدلات البطالة سترتفع بشكل مهول.
السياحة المصرية.. فرحة لم تكتمل
تمكن قطاع السياحي المصري من تحقيق أعلى إيرادات في تاريخه خلال العام الماضي، لتتجاوز 13.3 مليار دولار، بما يفوق أعلى معدلاتها السابقة المحققة في 2010 البالغة 12.5 مليار دولار، ومقابل 11.6 مليار دولار في 2018.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن إجمالي إيرادات السياحة المصرية، خلال العام الماضي 2019، سجلت زيادة نسبتها 67% عن إيرادات عام 2017 البالغة 7.8 مليار دولار وبنسبة 420% عن 2016 الذي سجل 2.5 مليار دولار إيرادات ومقابل 6.1 مليار دولار في 2015 بنسبة زيادة بلغت 11%.
اقرأ أيضًا: حائل.. عروس الشمال وحكايات تخلب الألباب
هذه النجاحات هي التي دفعت القائمين على قطاع السياحة في مصر بالتفكير في إعادة التشغيل بشكل جزئي، ناهيك عن أن التوجه العالمي العام يسير حاليًا في اتجاه التعايش مع الفيروس طالما أن السيطرة عليه ليست ممكنة الآن على الأقل.
وفي هذا الصدد، قالت غادة شلبي؛ نائب وزير السياحة والآثار للشؤون السياحية، في تصريحات صحفية، إن المنشآت السياحية مدعوة إلى عدم تسريح العاملين؛ فالقطاع من أسرع القطاعات المرشحة للعودة بعد مرور جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19” وعليهم الاحتفاظ بالمهارات المؤهلة لديهم.
تدريب العاملين على التعامل مع كورونا
وبما أن مصر تفكر في عودة السياحة، خلال هذه الجائحة، فإنها تدرس، في الوقت ذاته، تدريب العاملين في هذا القطاع على التعامل مع كورونا.
وقال ماجد فوزي؛ رئيس غرفة المنشآت الفندقية، في تصريحات صحفية، إنه جارٍ دراسة سيناريو عودة الحراك السياحي لكننا لم نصل إلى نهاية التصورات الموضوعة.
وأضاف: إننا ندرس تحركات ومواقف الدول الأخرى حول التحرك السياحي فى ظل هذه الجائحة، بالإضافة إلى دراسة نصائح منظمة الصحة العالمية وتطابقها مع وزارة الصحة المصرية.
وأوضح رئيس غرفة المنشآت الفندقية أنهم لم يصدروا أي تعليمات حتى الآن؛ فالأمر ما زال قيد الدراسة، كما أنهم يسعون إلى التوصل إلى أفضل حل يتوافق مع الجميع حال إعلان الدولة البدء الجزئي للحراك السياحي.
وأكد أنه بمجرد ما تقرر الحكومة تاريخ فتح وعودة السياحة سيتم تدريب العاملين بالسياحة على التعامل مع كورونا، وهو جزء مهم من الاستعداد لعودة عمل الفنادق، لافتًا إلى أن هناك مجموعة عمل على أعلى مستوى تبحث وتدرس بشكل دقيق آليات العمل حال صدور قرار بعودة السياحة.
اقرأ أيضًا: آفاق جديدة للاستثمار.. 6 وجهات أوروبية لرواد الأعمال
الخاسر الأكبر يفكر في عودة السياحة بشكل جزئي
لم تُمنَ مدينة سياحية عربية بخسارة بقدر تلك التي مُنيت بها دبي، وعلى الرغم من ذلك، فإن المسؤولين عن السياحة في الإمارات يخططون لإعادة استقبال السائحين في دبي مجددًا في بداية شهر يوليو المقبل، بعد فترة من التوقف بسبب تفشي فيروس كورونا.
وستتم عودة السياحة في دبي ستتم بشكل تدريجي بدءًا من يوليو المقبل، دون أن يتضح إذا كان هذا يعني كل السياحة أو الداخلية فقط؛ حيث تسمح العديد من البلدان بالسفر الداخلي فقط في البداية.
من جانبه، أكدّ هلال المري؛ مدير عام دائرة السياحة والتسوق بدبي، في تصريحات تلفزيونية، أنهم يريدون السماح للسياح بالعودة إلى الإمارات بحلول شهر يوليو، مؤكدًا أنهم بدأوا مناقشات لإعادة السياحة مجدّدا رغم أنه لا يزال هناك العديد من البلدان مغلقًا. وقال: “نحتاج فقط للتأكد من أننا على استعداد إذا حدثت الأمور في وقت أبكر مما هو متوقع”.
وتُعد السياحة أحد أبرز مصادر الدخل في الإمارات؛ حيث استقطبت دبي العام الماضي 16.7 مليون سائح، وأصبحت المركز الرئيسي للأعمال والسياحة في الشرق الأوسط، بفضل شواطئها، وفنادقها الفاخرة، ومراكز التسوق الراقية.
فيما أعلنت “الاتحاد للطيران” في أبو ظبي عن أنها تخطط الآن لبدء تشغيل رحلات ركاب منتظمة اعتبارًا من 16 يونيو المقبل.
السياحة الداخلية هي الحل في الأردن
أما في الأردن فجرت رياح كورونا بما لا تشتهي سفن السياحة هناك؛ إذ كان من المقرر أن يتم إطلاق برنامج تنشيط سياحي تحت عنوان “أردننا جنة”، غير أن السياحة في زمن الكورونا قلبت الطاولة، وغيرت قواعد اللعبة، فصار البرنامج يسمى “أردننا بخير”، في دلالة على قدرة الأردن على احتواء الآثار السلبية الناتجة عن هذا الوباء.
من جانبه، بيّن شرحبيل ماضي؛ مفوض السياحة والتنمية الاقتصادية في السلطة، أن السلطة الخاصة بالتعاون مع شركائها ماضية في خططها وبرامجها السياحية العالمية حال انتهاء وباء كورونا، مؤكدًا أن السياحة الداخلية هي الفرصة الوحيدة حاليًا بعد توصيات الجهات ذات العلاقة لتعويض لو جزء قليل عن السياحة الوافدة، فيما تدرس السلطة إنعاش السياحة بطرق غير تقليدية.
اقرأ أيضًا: الهيئة العامة للترفيه وجدول استثنائي للاحتفال بالعيد
وأضاف أنه بالرغم أن السياحة الوافدة توقفت ولن تعود إلا بعد شهر أكتوبر المقبل، حسب منظمة السياحة العالمية، إلا أن السياحة الداخلية ستعوض بما نسبته 10-20% لحين السيطرة على جائحة كورونا عالميًا.
وأشار «ماضي» إلى أن السلطة، ومنذ توقف القطاع السياحي، عملت على الترويج الإلكتروني للعقبة، بالإضافة إلى بث رسائل طمأنة إلى مختلف الأسواق العالمية التي تثق بالمنتج السياحي الأردني.
وكانت وزارة السياحة تعمل قبل أزمة وباء كورونا على إطلاق برنامج “أردننا جنة” لفترة الربيع، لكن الآن تحول اسمه إلى “أردننا بخير” بسبب الوباء؛ وذلك بغرض بث الروح المعنوية العالية، والتأكيد أن الأردن بخير وقادر على تخطي جميع التحديات.
اقرأ أيضًا:
الخطوط السعودية تتيح الحجز على الرحلات الداخلية عبر منصاتها الإلكترونية
«العلا».. عروس الجبال وبلد الحضارات
مستقبل السياحة الرقمية.. نهاية صناعة السفر التقليدية