إن عملية تحقيق التميز المؤسسي تتطلب مزيجًا متناغمًا بين الاستراتيجية والتنفيذ. فبناء منظمة ممتازة هو هدف نبيل. ولكن تحقيق التميز المؤسسي المستدام يتطلب أكثر من ذلك بكثير. فهو يتطلب وضع استراتيجية واضحة وتنفيذها بدقة.
إن الاستراتيجية مهمة ولكن دون التنفيذ لا تعدو كونها مجرد بيان للنية. وبالمثل بناء منظمة ممتازة أمر مهم أيضًا، ولكن يمكن أن يكون مضيعة للطاقة والموارد إذا لم يتم توجيهه بشكل صحيح. المزيج بين الاستراتيجية والتنفيذ هو المكونات الأساسية لمنظمة ناجحة؛ النجاح يساوي الاستراتيجية بالإضافة إلى التنفيذ. يمكن تقسيم تحقيق النجاح إلى خمس خطوات، وهي بسيطة الفهم، ولكنها صعبة الإنجاز.
وذلك استنادًا إلى دراسة أجراها كريس ليندستروم؛ الرئيس التنفيذي لشركة “سيبتارا للخدمات الاحترافية” التي تساعد المنظمات في تحقيق التميز.
5 خطوات عملية من أجل التميز المؤسسي
بناءً على الأسس التي تم تناولها سابقًا. نذكر الآن تفاصيل أكثر حول الخطوات العملية التي يمكن للمؤسسات اتباعها لتحقيق التميز المؤسسي. كما أن هذه الخطوات تتطلب التزامًا قويًا من الإدارة العليا والموظفين على حد سواء:
1. إنشاء رؤية للمستقبل:
الرؤية الاستراتيجية ليست مجرد بيان إنشائي. بل هي بوصلة توجه مسار المنظمة بأكملها، سواء كانت شركة ناشئة أو مؤسسة عريقة. ويجب أن تكون الرؤية واضحة وملهمة، مرتبطة بقيم المنظمة الأساسية.
وذلك بحيث يفهمها جميع أفراد الفريق ويتبنونها كهدف مشترك. عند صياغة الرؤية. كما يجب أن نحرص على أن تكون قابلة للقياس والتقييم. وتعكس طموحات المنظمة المستقبلية.
تخيلوا شركة “أبل” مثلًا، فرمزها الشهير “Think Different” لم يكن مجرد شعار. بل كان رؤية واضحة توجه جميع ابتكاراتها. حيث إن الرؤية الواضحة لا تحفز الموظفين فحسب. بل تساهم أيضًا في اتخاذ قرارات أفضل، وتحسين التعاون، وتعزيز الالتزام بتحقيق أهداف المنظمة.
2. بناء نظام قابل للتكرار والتنفيذ بشكل جيد:
تعد قدرة المنظمة على بناء نظام عمل قابل للتكرار والتنفيذ بشكل جيد من أهم العوامل التي تساهم في تحقيق النجاح والاستدامة. فبدلًا من الاعتماد على حلول مؤقتة أو إجراءات فردية. تسعى المنظمات الناجحة إلى بناء منظومة عمل متكاملة يمكن تكرارها وتطبيقها في مختلف المواقف.
ما المقصود بنظام العمل القابل للتكرار؟
في حين يشير هذا المفهوم إلى تصميم منظومة عمل يمكن نسخها وتطبيقها في مختلف الفروع أو الأقسام أو حتى في شركات أخرى. عوضًا عن ابتكار حل لكل مشكلة على حدة.
كما يتم بناء هيكل أساسي قوي يمكن تكييفه ليناسب مختلف الظروف. هذا النهج يشبه إلى حد كبير نموذج الامتياز، حيث يتم نقل الخبرة والمعرفة والعمليات الناجحة إلى مواقع جديدة.
فوائد بناء نظام عمل متكرر:
- زيادة الكفاءة: من خلال توحيد العمليات والإجراءات يمكن للمنظمة تقليل الهدر وتحسين الكفاءة.
- تحسين جودة المنتج أو الخدمة: يمكن ضمان جودة ثابتة للمنتجات أو الخدمات المقدمة عبر جميع الفروع أو الأقسام.
- تسريع النمو: تتوسع المنظمة بسرعة أكبر من خلال تطبيق النظام القابل للتكرار في مواقع جديدة.
- تعزيز الابتكار: يمكن للمنظمة التركيز على الابتكار على مستوى النظام ككل بدلًا من الابتكار على مستوى المشاريع الفردية.
- بناء سمعة قوية: يمكن للمنظمة بناء سمعة قوية من خلال تقديم تجربة متسقة للعملاء في جميع نقاط التماس.
كيف نبني نظام عمل متكررًا؟
تذكر أن بناء منظومة عمل متينة هو عملية مستمرة تتطلب التزامًا قويًا من الإدارة والموظفين. ومن خلال التركيز على تحديد العمليات الأساسية، وتحسينها باستمرار، والاستثمار في الموظفين، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وقياس الأداء، يمكن للمؤسسات تحقيق كفاءة عالية وأهدافها الاستراتيجية.
كما أن وضع مؤشرات أداء واضحة لقياس فعالية النظام هو أمر بالغ الأهمية. تساعد مؤشرات الأداء في تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. وتقييم مدى تقدم المنظمة نحو تحقيق أهدافها. وكذلك يمكن استخدام مجموعة متنوعة من المؤشرات، مثل: مؤشرات الأداء الرئيسية KPIs، ومؤشرات الأداء المالية، ومؤشرات رضا العملاء.
3. الأدوات للنجاح:
لا يمكن تصور قيادة سيارة دون وجود عداد السرعة ومقياس الوقود، فهما الأداتان الأساسيتان اللتان تساعدان السائق في تتبع أداء السيارة واتخاذ القرارات المناسبة. وبالمثل تحتاج المنظمات إلى مجموعة من الأدوات التي تتيح لها قياس أدائها وتتبع تقدمها نحو تحقيق أهدافها.
الأدوات المالية: نظرة إلى الماضي
لطالما اعتمدت المنظمات على البيانات المالية. مثل البيانات الواردة في قائمة الأرباح والخسائر والمركز المالي، لتقييم أدائها. هذه البيانات تقدم صورة واضحة عن الأداء المالي للمنظمة خلال فترة زمنية معينة.
ولكنها لا تكفي وحدها لتقييم الأداء الشامل للمنظمة. فبينما تخبرنا هذه البيانات بما حدث في الماضي إلا أنها لا تقدم لنا رؤى حول المستقبل ولا تغطي جميع جوانب الأداء.
لتجاوز هذه القيود ظهر مفهوم بطاقة التوازن الذي طورته كل من روبرت كابلان وديفيد نورون. تقدم بطاقة التوازن إطارًا شاملاً لقياس الأداء، حيث لا تقتصر على الجوانب المالية فقط،
4. بناء تحسين مستمر:
نظرًا لأن المنافسة لا تقف ثابتة والعملاء يرغبون دائمًا في الأفضل والأقوى والأسرع والأرخص فإن الشركة تحتاج إلى أن يكون لديها برنامج تحسين مستمر.
كما يعد نظام لين سيغما إطارًا ممتازًا لاستخدامه لضمان التركيز على تقليل المضيعة (لين)؛ ما يؤدي إلى انخفاض التكاليف. وزيادة التنبؤ (ستة سيغما) لتحقيق جودة أعلى. وزيادة الإنتاجية (نظرية القيود) لتحقيق أقصى قدر من الربحية.
5. الحفاظ على الزخم:
بدء شيء ما صعب، وإيقافه يكاد يكون مستحيلًا. فكر في لعبة الدوار في طفولتك وأنت تفهم على الفور فكرة الزخم. الحفاظ على الزخم الإيجابي أمر مهم للغاية للنجاح طويل الأجل للمنظمة.
كما أن بعض الطرق الرئيسية لزيادة الزخم تشمل القياس وإظهار التقدم، وتضخيم الانتصارات، وتشجيع الفريق وقيادته. وتطوير أصولك (الأشخاص) وإنشاء مجتمعات لتعزيز الخبرة والنمو والابتكار.
جدير بالذكر أن مصطلح “أفضل وأقوى” ستكون له تعريفات مختلفة تمامًا لكل منظمة على حدة. وذلك من خلال التركيز على الخطوات الخمس لتحديد الاستراتيجية وإنشاء نظام تنفيذ مستدام. حيث تحقق المنظمة أحلامها وتلهم الآخرين لفعل الشيء نفسه.