الاستدامة مصطلح بيئي، يصف كيفية بقاء النظم الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت، أما بالنسبة للبشر فتعني القدرة على حفظ نوعية الحياة التي نعيشها على المدى الطويل؛ وهو ما يعتمد على حفظ العالم الطبيعي، والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية.
ويُصنَّف التخطيط البيئي على أنه أسلوب جوهري لتحقيق الاستخدام المتوازن للموارد البيئية، تُعد الرؤية المتكاملة لاحتياجات التطوير هي التحدي الحقيقي له، فيحكمه النظر بصورة متكاملة إلى الآثار البيئية المتوقعة لخطط التنمية.
ويهتمّ التخطيط البيئي بقدرة البيئة على تحميل مشروعات التنمية بالحمولة البيئية لمختلف القضايا، خلال إجراءات التخطيط لاستخدامات الأراضي والموارد المتاحة؛ إذ عمدت الهيئة الملكية لمدينة الجبيل الصناعية- منذ إنشائها- إلى العمل على الوصول إلى التكامل بين التطور الصناعي وحماية البيئة، بأسلوب مستدام؛ من خلال تبنيها عدة مشاريع وأنظمة؛ للوصول إلى المستوى المطلوب من التطور، دون إجهاد للبيئة واستنزاف للموارد الطبيعية المتاحة؛ وذلك من منطلق إيمانها بأن تلك الموارد حق تشاركنا فيه الأجيال القادمة.
لقد بدأت الهيئة ذلك مُنذ اختيار الموقع وعمل المسح البيئي الشامل للمنطقة؛ لمعرفة المكونات البيئية ودراسة الأثر البيئي للمشروعات الصناعية عليها، بالإضافة إلى توزيع الأحياء وفقًا لاتجاه الرياح السائدة في المنطقة؛ لتجنيب الأحياء السكنية أي أضرار محتملة؛ نتيجة النشاط الصناعي.
وعملت الهيئة على وضع القوانين البيئية الخاصة بجودة الهواء والماء والبيئة الطبيعية وإدارة النفايات الصناعية؛ لضمان استمرارية الحفاظ على البيئة وفق ما توصلت إلية دراسات الأثر البيئي للمشروعات الصناعية.
ولكي تكتمل حلقة الحفاظ على البيئة، أنشأت الهيئة الملكية إدارة خاصة لحماية ومراقبة البيئة تدير برنامجًا للمراقبة؛ لضمان التزام كافة المنشآت الصناعية العاملة بالمدينة بالقوانين البيئية للهيئة الملكية.
إنَّ التحديات الكبيرة التي فرضتها طبيعة المنطقة الجغرافية الجافة، وقلة الموارد المائية، وحجم النشاط الصناعي الهائل الذي يحتاج بدوره كميات كبيرة من المياه، إضافة إلى إنتاجه كميات ضخمة من مياه الصرف الصناعية، حدا بالهيئة الملكية إلى التفكير في التخطيط لمشاريع تفي بمتطلبات الصناعة من المياه، إضافة إلى حلول لكميات مياه الصرف الصناعية الخارجة منها.
في هذا الإطار، كان مشروع شبكة قنوات التبريد، الذي يُعد من أكبر شبكات التبريد للمصانع على مستوى العالم بطول 12كم، يُضخ خلالها حوالي 15مليون/ م3يوميًا من مياه الخليج، دون دخول هذه المياه في العملية الصناعية، أو حدوث أي تغيير عليها، سوى ارتفاع في درجة حرارتها بما لا يزيد عن 10 درجات مئوية؛ وذلك وفق القوانين البيئية الخاصة بذلك، والمتابعة ضمن برنامج المراقبة الخاص بإدارة حماية ومراقبة البيئة؛ لضمان عدم تأثر البيئة البحرية من مياه التبريد الراجعة.
كذلك، تم وضع برنامج متكامل لمعالجة الكميات الكبيرة من مياه الصرف الصناعية واستخدامها كمياه للري، بما يتطابق مع التخطيط المستدام بحفظ الموارد والاستغلال الأمثل لها؛ إذ تقدر كمياتها بحوالي 200 ألف/ م 3 يوميًا، استُخدِمت في زراعة نحو نصف مليون شجرة، ساعدت بشكل كبير في تحسين جودة الهواء؛ من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وإطلاق الأكسجين، إضافة إلى إضفاء صورة جمالية فريدة لمدينة الجبيل الصناعية.
من هنا نجد أن أحد أهم أسس النجاح لكافة المشاريع هو التخطيط المستدام لها وفق رؤية مستقبلية تراعي ما هو متاح من موارد وإمكانيات حالية ومستقبلية.
اقرأ أيضًا:
الاستدامة المؤسسية.. أهميتها وأبعادها
ثقافة الاستدامة.. نحو شركات ملتزمة بيئيًا
الجامعات المستدامة بين ريادة الأعمال والمسؤولية الاجتماعية (14) – الاستدامة الشاملة