قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:” إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ”؛ فهل يمكن توظيف عبارة “قيل وقال” في فعل الخير؟! نعم؛ فهذا ما نجح فيه مشروع “بيقولك” المُكون من خمسة رواد أعمال من الشباب، حصد مشروعهم جائزة قيمتها 200 ألف دولار كاملة في مسابقة “ابدأ” التي نظمتها “جوجل” للوصول إلى أكثر رواد الأعمال نجاحًا في الابتكار.
”بيقولك” عبارة عن تطبيق شعبي للغاية يستخدم اللغة العامية؛ ما يجعله جذابًا ومُمتعًا لنصف مليون مستخدم يخبرون بعضهم البعض من خلال الهواتف الذكية عن الحالة المرورية في شوارع القاهرة والإسكندرية.
كلمة “بيقولك” يستخدمها المصريون عندما يريدون إخبار شخص بمعلومة ما؛ لذا اختار فريق المشروع هذا الاسم ليُعبر عن الروح المصرية للتطبيق.
مسابقة “ابدأ”
لقد كنت عضوًا في لجنة تحكيم مسابقة “ابدأ” منذ أعوام، والتي تلقت ما يربو على أربعة آلاف فكرة وخطة عمل؛ إذ أتاحت هذه المسابقة الفرصة أمام المتسابقين للاستفادة من نخبة من الخبراء المتخصصين في مختلف المجالات، وانتهت بمتابعة أفضل 50 فريقًا، نقلوا إليهم خبرات ومعارف قيِّمة للاستفادة منها في عملهم الخاص.
قمنا- في لجنة التحكيم- بتقييم مستوى الابتكار، وتأثير الأفكار على الصعيدين المحلي والإقليمي، ومدى الاعتماد على التكنولوجيا، والتأثير الاجتماعي للمشروع، وقدرته على تلبية الاحتياجات الاجتماعية القائمة.
تم تحليل وتقييم نموذج العمل لكل مشروع؛ للتأكد من قدرته على تحقيق إيرادات، كما تناولنا النصيب السوقي للمشروع للتعرف على قدرته على تحقيق النمو المستقبلي.
مشروعات مميزة
كان هناك مشروعات مميزة بلغت التصفيات النهائية، أذكر منها مشروع “وصلني” المشابه لفكرة “بيقولك”؛ إذ يرمز بألوان مختلفة للمناطق حسب درجة ازدحامها، والمعلومات المرورية في البرنامج والتي يأتي مصدرها من مستخدمي البرنامج أنفسهم؛ حيث يقوم التطبيق باحتساب سرعة سيارة المستخدم؛ ما يتيح للمستخدم رفع صور لحادثة أو ازدحام ورفعها مباشرة على التطبيق.
وكان هناك مشروع “كرم سولار” الذي ركز على الاستفادة من الطاقة الشمسية، وقام بتشغيل أكبر طلمبة في العالم تعمل بالطاقة الشمسية بدون بطاريات، بعيدًا عن شبكة الكهرباء في قلب الصحراء المصرية، وحصل على أربعة آلاف فدان في واحتي الفرافرة والداخلة بمحافظة الوادي الجديد المصرية لتنفيذ محطات طاقة شمسية.
كذلك، كان هناك موقع وتطبيق “إقرأ لي” الرائع؛ للاستماع لأخبار ومقالات الصحف اليومية، وكتب صوتية مختارة من خلال الهاتف المحمول أو الكمبيوتر، مع تحديثه بشكل دائم.
أمثلة لتحويل “قيل وقال” إلى الابتكار
وبالعودة لمشروعات تعتمد على تحويل “قيل وقال” إلى ابتكار يُحدث تأثيرًا إيجابيًا في المجتمع؛ مثل:
- تطبيق “بيحكوا”: للمساعدة النفسية، والذي يتيح للمستخدمين مشاركة تجاربهم الشخصية وقصصهم النفسية بشكل مجهول؛ ما يمكنهم من الحصول على دعم نفسي من المجتمع والمتخصصين. يعتمد التطبيق على فكرة “قيل وقال” لمشاركة المعلومات، لكن بدلًا من التركيز على الأخبار السلبية، يعزز الدعم النفسي ويساعد الأشخاص في التغلب على صعوباتهم، ويفيد صحتهم النفسية.
- منصة “بيقولوا”: تتعلق بالفرص الوظيفية؛ حيث تتيح للمستخدمين مشاركة وتبادل المعلومات حول الفرص الوظيفية المتاحة في مختلف الشركات والمؤسسات، وتستخدم نموذج “قيل وقال” لتبادل المعلومات القيمة حول الوظائف الشاغرة؛ ما يساعد الباحثين عن العمل في العثور على فرص وظيفية تناسب مهاراتهم وطموحاتهم.
- موقع “حكواتي”: للقصص الشعبية؛ وهو منصة تتيح للمستخدمين مشاركة القصص والحكايات الشعبية المتوارثة من جيل إلى جيل، فتحول “قيل وقال” إلى محتوى ثقافي يساعد في الحفاظ على التراث الشعبي ونقله للأجيال التالية؛ ما يؤدي إلى تعزيز الهوية الثقافية، والمحافظة على التراث الشعبي، وزيادة التفاعل المجتمعي من خلال القصص المشتركة.
- منصة “بيشاور”: تتيح للمعلمين والطلاب مشاركة النصائح التعليمية والموارد الدراسية بشكل تفاعلي، وتستخدم مفهوم ”قيل وقال” لتبادل المعلومات والنصائح التعليمية بين الطلاب والمعلمين؛ ما يُحسِّن من العملية التعليمية، ويزيد من تفاعل الطلاب مع المواد الدراسية بتبادل النصائح والمعلومات القيِّمة.
أفكار الشباب كنوز
ما أود التأكيد عليه هو أن أفكار الشباب كنوز في الوطن العربي تبحث عمن يكتشفها؛ لذا يمثل تنظيم المسابقات والمنافسات اكتشاف العالم الرحب من المواهب والطاقات الإبداعية، وخلق فرص الازدهار والمنافسة، خاصةً أن في الوطن العربي الملايين من الشباب الطموح الذين لديهم أفكار جادة وملهمة؛ إذ يمكنهم – من خلال ريادة الأعمال – تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع ناجحة.
كذلك، تسهم مثل هذه المسابقات في تدريب أصحاب الأفكار، وإرشادهم، وتوجيههم، وتعريفهم بالمستثمرين والممولين؛ ليكونوا جميعًا فائزين.
جهات تنظيم مسابقات ريادة الأعمال
أدعو الشباب للتعرف على الجهات التي تنظم مسابقات ريادة الأعمال، من خلال الخريطة المصرية لريادة الأعمال، أو المنصة العالمية لريادة الأعمال، واللتان قمت بتصميمهما منذ أعوام ويَسهُل الوصول إليهما من خلال موقع أرينهو دوت كوم.
الكل فائز ومستفيد من المشاركة في هذه المسابقات كما أسلفت، بالرغم من أن جوائز هذه المسابقات تُمنح لعدد محدود من المتقدمين، ولكنَّ المشاركة فرصة ومختبر لأفكارهم بمزيد من التجريب، والاستفادة من آراء الخبراء قبيل خروجها إلى حيز التنفيذ، كما أنها تُلهمهم وتمنحهم الشعور بالانتماء والرغبة في المساهمة في بناء مستقبل أوطانهم.
إنَّ كل فكرة تحمل معها قصة عظيمة من التميز، وتكشف قدرات الشباب على الإبداع، واستحداث مشروعات تُسهم في زيادة فرص العمل، وتطمح إلى المنافسة في الأسواق المحلية والدولية.
أسأل الله لكم جميعًا التوفيق، ونيل الجائزة الكبرى؛ وهي “السعادة في الدارين”.