لم يعد في العالم الآن مكان لاستراتيجيات ثابتة أو خطط طويلة الأجل؛ العالم كله في مهب الربح، ولا شيء فيه مستقر أو ثابت، ومن ثم يلاقي موضوع الإدارة في عصر التغيير المستمر رواجًا كبيرًا، ويخضع للكثير من النقاشات الطويلة والمعمقة.
وإنما تأتي أهمية الحديث عن الإدارة في عصر التغيير المستمر من أن القادة والمدارء في الشركات المختلفة إن لم يتمكنوا من هذا النمط من الإدارة، وإن لم يحسنوا إدارة دفة الشركة خلال فترات التحولات المستمرة والدراماتيكية، فمن المؤكد أن هذه الشركة ستكون عُرضة للخطر، وعلى الأرجح لن تكون موجودة في السوق خلال فترة وجيزة.
اقرأ أيضًا: رؤية المنظمة.. فن التخطيط للمستقبل
التغير كشيء ثابت
كل شيء في العالم يتغير إلا التغير ذاته، هذا هو المعطى الوحيد الذي على الشركات التعامل معه، فأي شركة موجودة في السوق حاليًا أو حتى تفكر في الدخول إليه خلال الفترة الحالية أو على المدى القصير فعليها أن تدرك أن أمواج السوق عالية، وأنه مليء بالتغيرات والمستجدات غير المتوقعة.
لكن كيف تخطط الشركات لنفسها والحال كذلك؟ إن المؤكد أن الحل السليم للتعامل مع هذه المعطيات هو اعتماد الخطط المرنة، والعمل على تطويرها بشكل دائم؛ فالوقت الذي تكف فيه الشركة عن تطوير خططها وتحديث استراتيجياتها سيتجاوزها السوق في الحال.
السوق ثابت والعالم متبدل ومن ثم فإن المنطق أن تسير الشركات في ركابه وأن تتأقلم معه، لا أن تتمسك بخطط قديمة، واستراتيجيات لم تعد صالحة إلا لزمن مضى وولت معطياته.
اقرأ أيضًا: التخطيط الاستراتيجي وإدارة التغيير
التكيف الخطأ
عندما لا تعد الشركات لنفسها للتغيير، ستجد نفسها فريسة لحالة من التخبط، والسير يمينًا ويسارًا دون هدف واضح ومحدد، ويظهر تخطبها في ملامح شتى منها: تسريح العمالة، تخفيض الرواتب.. إلخ.
صحيح أن هذه الإجراءات قد تكون مناسبة لبعض الشركات وفي بعض الأوقات، وإنما اعتمادها كاستراتيجية خاصة لإدارة التغيير والتعامل معه سيكون محض خطأ.
إن الإدارة في عصر التغيير المستمر يحتم على القادة والمدراء إدارة التغيير، بل التنبؤ به؛ كي تتمكن من التأقلم معه، وإدارته بشكل جيد، وفاعل، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.
ليست المسألة في التأقلم مع السوق ومتغيراته ولا في التكيف معها، وإنما في فعل ذلك بطريقة صحيحة؛ إذ لو لم يحدث ذلك فالمستقبل المجهول، والخروج من السوق مصير كل أولئك الذين فشلوا في التأقلم مع التغيرات بشكل صحيح.
اقرأ أيضًا: أخلاقيات المنافسة.. حرب بلا سلاح!
تزويد الموظفين بالمهارات الجديدة
إذا اتفقنا على أن السوق في تغيره وتطوره يفرض وقائع جديدة؛ فعلى الشركات أن تتنبأ بهذه التغيرات وأن تزود موظفيها بالمهارات والقدرات اللازمة لإدارة هذه التطورات والتأقلم معها. تلك واحدة من أهم الاستراتيجيات التي يشدد عليها Jim Hemerling؛ خبير التغيير التنظيمي، وهو أمر أجدى للشركة وأوفر من أن تقوم بتسريح الموظفين العاديين وإحلال موظفين محلهم قادرين على التعاطي مع التغيرات الجديدة.
يعني هذا أن الإدارة في عصر التغيير المستمر تستلزم اتباع استراتيجية التعليم المستمر؛ فالشركة نفسها تتعلم من السوق، والموظفون يجب أن يكونوا متأهبين دائمًا لتعلم المهارات الجديدة اللازمة للتأقلم الفاعل والصحيح مع تطورات السوق وتغيراته.
اقرأ أيضًا: خطة التطوير الذاتية.. السر الخفي للنجاح
القيادة الشاملة
من المهم الاعتراف بأن التغييرات المستمرة والتطورات المتلاحقة التي يخضع لها العالم ليس من السهل التنبؤ بها، من جهة، وإدارتها من قِبل شخص واحد أمر مستحيل، ومن ثم فإن الإدارة في عصر التغيير المستمر تتطلب اجتراح نوع جديد من القيادة يسميه Jim Hemerling «القيادة الشاملة» وهو ذاك النوع من القيادة الذي يكون فيه الجميع شريكًا في الإدارة.
فطالما أن الوضع صعب، وأن إدارة التغيير أمر عسر، خاصة في ظل التحولات الكبرى والدراماتيكية، فإن تولي شخص واحد دفة الإدارة وقيادة الشركة لن يكون ممكنًا، ومن ثم يجب على الجميع أن يتشاركوا في هذه المهمة؛ أملًا في إيصال الشركة إلى بر الأمان.
اقرأ أيضًا:
فرق العمل المُشتتة.. الفرص والمخاطر
ثقافة الشركة و”روشتة” الانسجام مع فريق العمل