تتم عملية إعادة تدوير الموظفين على مستويين؛ داخلي وخارجي، وتلك مسألة سيأتي بيانها فيما بعد، ولكن يتعين الإشارة إلى أن هذه العملية لا تنم عن كفاءة المؤسسة، ولا عن قدرتها على استغلال قدرات موظفيها وطاقاتهم، وإنما، على العكس من ذلك، تدل على تخبط وارتباك شديدين.
ناهيك عن إن إعادة تدوير الموظفين هو إحدى دلائل فشل المؤسسة في استقطاب المواهب والكفاءات المدربة ذات الخبرة والمهارة؛ لذا فهي تفضل الإبقاء على موظفين خاملين، لا يقدمون في الحقيقة شيئًا يذكر ولا يأتون بجديد، وإنما هو عبء وعالة على المؤسسة ذاتها.
لذلك ترى مثل هذه المؤسسة لا تسير سوى على ساق عرجاء _هذا إن سارت_ ولا تحرز أي تقدم، هي في الواقع لا تعمل سوى على اجترار أفكار قديمة بالية أكل عليها الزمان وشرب.
اقرأ أيضًا: تخطيط الموارد البشرية.. توقع المتطلبات المستقبلية
خسائر مزدوجة
والموظف الذي يقبل أن يعود إلى العمل في مؤسسة بعدما تم تسريحه منها بعدة سنوات، في نفس المنصب الوظيفي أو منصب آخر قريب منه أو شبيه منه، إنما هو في الواقع، لم يتعلم خلال هذه السنوات شيئًا، ولم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، وبالتالي لم يجد أمامه بُدًا من العودة إلى العمل في مؤسسة قررت تفعيل مبدأ إعادة تدوير الموظفين.
إذًا هذا الموظف خاسر من جهتين، الأولى: لأنه لم يبرح مكانه ولم يترق أو يتعلم شيئًا، والثانية: أنه عاد إلى سابق عهده، وبالتالي ليس متوقعًا أن يحقق أي مكاسب مالية أو مادية؛ فالمؤسسة نفسها تعرف مهاراته وقدراته المنعدمة؛ فلماذا تغدق عليه العطايا والهبات؟
أما المؤسسة فهي تُمنى من جراء إعادة تدوير الموظفين بخسائر فادحة، منها أنها تضع أموالها في الأمكنة الخاطئة؛ إنها تدفع أموالًا لمن لا يستحقون، ولمن لم يحققوا في الماضي شيئًا، ولن يضيفوا في المستقبل شيئًا أيضًا.
علاوة على أن إعادة تدوير الموظفين تؤدي إلى نوع من خمول وتقاعس الموظفين الحاليين، فلماذا سيجتهدون أو يبذلون قصارى جهدهم في أمر ما طالما أن دأب المؤسسة الإتيان بمن تم تسريحهم وتوظيفهم من جديد الآن أو بعد حين؟!
اقرأ أيضًا: ما هي التحديات أمام الموظفين الأوائل في الشركات الناشئة؟
إعادة تدوير الموظفين ومستوياته
قلنا، في صدر هذا المقال، أن إعادة تدوير الموظفين تتم على مستويين: الأول داخلي، والآخر خارجي، وإنما عنينا بهذا أن المؤسسة قد تعمد إلى تحريك موظف بعينه أو مجموعة موظفين بين مناصب وظيفية معينة.
نحن هنا لا نتحدث عن ترقية، فالترقية تتم بشكل رأسي تصاعدي، بحيث من يترقى يصعد درجة على سلم التراتب الوظيفي، أما هنا في عملية إعادة تدوير الموظفين فإن تحريك الموظفين يتم بشكل خطي، أفقي، فالموظف، في الحقيقة، لا يترقى، ولا يتم تطويره ولا تطوره، وإنما _وهذا الهدف من عملية إعادة تدوير الموظفين_ هو «سد خانات»؛ إذ ثمة منصب فارغ، والمؤسسة غير قادرة على جلب شخص ذي خبرة وكفاءة ليملأ هذا الشاغر؛ ولذلك تعمد إلى إعادة تدوير هؤلاء الموظفين.
هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فإن المؤسسة تعمد إلى جلب/ إعادة تعيين موظفين تم تسريحهم منذ سنة أو سنوات، وتتم إعادة توظيفهم.
وأظن أن معنى إعادة تدوير الموظفين قد بان من خلال هذا العرض الفائت؛ حيث تعمد المؤسسة إلى إعادة توظيف من تم تسريحهم من قبل، أو تدوير مَن هم موجودون بالفعل.
وإعادة تدوير الموظفين بهذا المعنى دلالة على فشل المؤسسة في استقطاب الأكفاء والخبرات. ومن المهم الإشارة إلى أن عملية إعادة التدوير ليست دلالة على وفاء المؤسسة لموظفيها، ولا إيمان منها بمهاراتهم وكفاءاتهم.
ففي الواقع المؤسسة التي تعمد إلى إعادة تدوير الموظفين لا تعرف من هو الكفؤ والموهوب من غيره؛ فالجميع عندها سواء، وتلك مسألة قادرة على إفشال أعرق المؤسسات.
اقرأ أيضًا: أهمية تدريب الموظفين أثناء العمل
مستقبل محتوم
إن ما يتعين الإشارة إليه، في ختام حديثنا عن عملية إعادة تدوير الموظفين، أن مثل هذه المؤسسات التي تعمد إلى اتباع هذه المنهجية لا تعمل على سوى على تسيير الأمور؛ فالهدف ليس الإنجاز، ولا الإبداع؛ ولا الإتيان بشيء مختلف وفريد، وإنما فقط أن تستمر الأمور على ما هي عليه.
وإعادة تدوير الموظفين هو، من حيث الجوهر، حل تسكيني مؤقت، ومن ثم فإن المقلق أن مستقبل مثل هذه المؤسسات المحتوم هو الفشل؛ فهي قد بُنيت على الخطأ، وحاولت السير في مسارها الخاطئ ذاك، وتلك هي أكبر أخطار عملية إعادة تدوير الموظفين.
اقرأ أيضًا:
تعامل المدير بذكاء.. كيفية الخروج من المواقف الصعبة
استخدام التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية
فشل إدارة الموارد البشرية.. 6 علامات تحذيرية