لم يطفُ التمويل متناهي الصغر على السطح ولم يحز على قدر كبير من النقاشات والأخذ والرد إلا بعدما حصل الاقتصادي الشهير محمد يونس على جائزة نوبل؛ نظير تجربته الفاعلة مع Grameen Bank.
وكان هدف «يونس» ومن ورائه هذه المؤسسة متمثلًا في الحد من غلواء الفقر، وتخفيف آثاره؛ عبر منح هؤلاء الناس المعدمين قروضًا لتحسين حالهم وأوضاعهم المعيشية.
وعلى الرغم من ذلك لم يسلم التمويل متناهي الصغر من الانتقادات، وإن كان هناك مؤيدون ومدافعون عنه، ومرد هذا الخلاف والتجاذب النظري، كما يذهب بعض الباحثين، إلى أن الدراسات التي تقيس أثر هذا النوع من التمويل ما زالت غير دقيقة؛ نظرًا لأن هذه الأموال تُقدم لأشخاص قابعين في مناطق معزولة جغرافيًا ونائية، ومن الصعب إجراء بحوث معمقة هناك.
اقرأ أيضًا: الاستثمار الهجين.. اعتبارات يجب أن توضع في الحسبان
حدود المسؤولية الاجتماعية
التمويل متناهي الصغر، عند التحقيق، ليس متعلقًا بالسياسيين وصناع القرار فقط وإنما باللاعبين على الصعيد التجاري أيضًا؛ وذلك لأن الأزمة منطلقه الأساسي، لذا فالمؤكد أن تضافر الجهود من أجل الخروج من هذه الأزمة واجب لا مرية فيه.
هذه الأزمة الأساسية التي يتعامل معها التمويل متناهي الصغر هي أزمة الفقر، وإن كان يتفرع منها بلا شك مشكلات كبرى، متعلقة بالتعليم، والصحة، والأوضاع الاقتصادية في قطر من الأقطار ككل.
ناهيك عن أن الحلول التي تُقدم لهذه المشكلة مختلفة ومتنوعة، وأصل الاختلاف في الحلول المقدمة لحل مشكلة الفقر هو الاختلاف حول ماهية التمويل متناهي الصغر ذاته، فهناك من يذهب إلى أن منح الفقراء والمهمشين قروضًا لن يعمل إلا على إثقال كواهلهم بالديون، ولن يكونوا قادرين على سدادها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلة أكثر مما يسهم في حلها.
وهناك من يذهب إلى أن التمويل متناهي الصغر الذي تحصل عليه النساء عادة ما يتم الاستحواذ عليه من قِبل الذكور في الأسرة، وبالتالي نكون صنعنا مشكلة جديدة ولم نحل تلك المشكلة القائمة في الأصل.
وعلى الرغم من كل ذلك فما من شك أن العلاقة بين التمويل متناهي الصغر والمسؤولية الاجتماعية جد وطيدة؛ فالدافع الأساسي وراء هذا التمويل هو شعور بحتمية لعب دور ما؛ من أجل مواجهة خطر داهم ومتفاقم هو خطر الفقر.
اقرأ أيضًا: التمويل طويل الأجل.. متى يكون الخيار المناسب للشركات؟
مصادر التمويل متناهي الصغر
وطالما أن التمويل متناهي الصغر على قدر كبير من الأهمية فإن جهات ومؤسسات جمة ما تفتأ تضرب فيه بسهم؛ لأنها تدرك أن عواقب تفاقم الفقر وتبعاته ستكون وخيمة، ولن يكون بإمكان أحد أن يحقق أي مكسب في مجتمع يعاني أفراده من شدة الفقر ويكتوون بناره.
ولهذا تتلقى مؤسسات التمويل متناهي الصغر بدورها الأموال التي تقرضها للمعوزين والفقراء من مجموعة متنوعة من الممولين، بعض هؤلاء الممولين منظمات عامة، مثل الحكومات ووكالات المعونة، والبعض الآخر شركات ومنظمات في القطاع الخاص.
ما بعد منح القروض
إذا كان الهدف من التمويل الأصغر هو التخفيف من حدة الفقر، كما يقولون، فإن مؤسسات التمويل متناهي الصغر يجب أن تركز على مساعدة عملائها في بناء مؤسسات ناجحة بدلًا من تقديم قروض أكثر.
وبهذا نفهم أن دور هذا التمويل لا يقتصر على تقديم حلول مختلفة لمشكلة الفقر وإنما العمل على مساعدة هؤلاء المعوزين والفقراء في إنشاء مؤسساتهم ومشاريعهم الخاصة، ومن هنا نلمس تقاطع التمويل متناهي الصغر مع ريادة الأعمال.
وما لم ينجح ذلك النوع من التمويل في فعل هذا فستتعرض فكرته الأساسية لفشل ذريع؛ لا سيما أنه قائم على حل مشكلات اجتماعية، و”الأسواق ليست دائمًا رائعة في حل المشكلات الاجتماعية” كما يقول بعض نقاد التمويل متناهي الصغر.
اقرأ أيضًا: التمويل التكميلي.. خيار منتصف الطريق
تحقيق الرفاه
من حيث النظرية يعمل التمويل متناهي الصغر في مسارين: القضاء على الفقر، وتاليًا تحقيق الرفاه، وهو موجه إلى هذه الغاية من البداية، ومن هذه الجهة يبدو هذا النوع من التمويل طموحًا؛ إذ غايته النهائية صنع مجتمع خالٍ من الأمراض والفقر وشتى أشكال الأعطاب الاجتماعية والاقتصادية.
وهو يعمل كذلك على تعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، ومنح المرأة المزيد من النفوذ في مجتمعاتها، وتحسين تغذية الأطفال الصغار، وغيرها من الفوائد والمنافع التي يتم جنيها من خلال هذا التمويل.
اقرأ أيضًا:
أنواع التمويل وأهمية تمويل الأسهم
الاستثمار الجريء في المملكة ومنظومة ريادة الأعمال
أنواع التمويل.. مزايا وعيوب التعامل مع المقرضين المباشرين