يسألون: «هل أشتري؟» — ويجيب ChatGPT. في جميع أنحاء العالم، بدأ المستثمرون الأفراد بإدخال روبوتات المحادثة بالذكاء الاصطناعي إلى محافظهم الاستثمارية. رغم تأكيد الجهات التنظيمية أن هذه الأدوات ليست جاهزة بعد لتحل محل النصيحة المهنية.
كذلك لا تزال القوانين المنظمة للاستثمار المدعوم بالذكاء الاصطناعي في طور التطور. لكن ما يقرب من واحد من كل خمسة مستثمرين أفراد يستخدمون بالفعل هذه الأدوات لاتخاذ قرارات متعلقة بمحافظهم أو لتعديلها. وفقًا لتقرير حديث صادر عن منصة التداول «إيتورو». التقرير، الذي استند إلى استطلاع شمل 11 ألف مستثمر فرد من 13 دولة، لم يحدد الأدوات الذكائية المستخدمة تحديدًا.
كما يقول الخبراء إن السؤال الأساسي هو ما إذا كانت واجهات الذكاء الاصطناعي تُستخدم كأدوات بحث لدعم عملية اتخاذ القرار. أم أنها تقدم نصائح استثمارية مباشرة. فالأخيرة تُعد نشاطًا منظمًا داخل الاتحاد الأوروبي بموجب توجيه الأسواق في الأدوات المالية. ولم تُمنح أي أداة ذكاء اصطناعي متاحة للعامة ترخيصًا لمزاولة هذا النشاط. بحسب الهيئة الأوروبية للأوراق المالية والأسواق (ESMA).
ومع ذلك، يرى العديد من المستثمرين الأفراد أدوات مثل ChatGPT. وسيلة لتوفير الوقت في البحث وتقليل تكلفة إدارة الأموال الاحترافية. وفي بعض الحالات، كانت النتائج لافتة.
ففي عام 2023. أطلق موقع المقارنة «فايندر» صندوقًا استثماريًا صُمم وأُدير بنسبة 99% تقريبًا بواسطة ChatGPT.
وبعد عامين ونصف، ارتفعت محفظة الأسهم المكونة من 38 سهمًا بنحو 55%. متفوقة على متوسط أداء الصناديق العشرة الأكثر شيوعًا في المملكة المتحدة بأكثر من 18 نقطة مئوية.
نجاحات مثيرة وتحذيرات قائمة
رغم هذا النجاح، تشير مؤشرات عديدة إلى أن تحركات الأسواق المالية المعقدة وغير المتوقعة. قد تهز نتائج أدوات مثل ChatGPT وGemini. إذ قد تعجز هذه النماذج عن التنبؤ الدقيق بالنتائج. ما قد يؤدي إلى خسائر مالية.
كذلك وبحسب القوانين الأوروبية الحالية، يمكن للشركات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل معرفة العميل وخبرته. ووضعه المالي (بما في ذلك تحمّله للمخاطر). وأهدافه الاستثمارية (بما في ذلك تفضيلاته للاستدامة). ويتم ذلك في حال كانت الشركات تقدم توصيات استثمارية مخصصة أو تدير محافظ العملاء وتعيد موازنتها.
وتشدد هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية ESMA على ضرورة أن تراعي المؤسسات التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في سياق تقديم المشورة المالية مبادئ الشفافية والحوكمة وقابلية التدقيق والإشراف البشري.
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل قطاع المال
كما يُعيد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح قطاع المال تدريجيًا. إذ يغذي كل شيء من خدمة العملاء وكشف الاحتيال إلى إدارة المحافظ وتقديم المشورة المخصصة.
فخلف الكواليس، تقوم آلاف النماذج الذكائية المتقدمة بمعالجة كميات هائلة من البيانات — من اتجاهات السوق والأسعار التاريخية إلى العناوين الإخبارية — للتنبؤ بالحركات ورصد فرص الاستثمار.
كذلك أظهرت دراسة نُشرت عام 2025 في مجلة «نيتشر» أن قدرة ChatGPT على التعامل مع البيانات غير المنظمة. مثل التقارير المالية واستفسارات المستخدمين. تجعله فعالًا بشكل خاص في مهام التخطيط المالي وتحليل المخاطر. لكنها حذرت أيضًا من أن إدخال بيانات منحازة أو غير دقيقة يمكن أن يؤدي إلى نتائج مضللة — وهي الظاهرة المعروفة بـ«الهلوسة».
مخاطر التفسير الخاطئ
كذلك قدمت منصة الاستثمار «بريدج وايز» BridgeWise. التي توفر أبحاثًا وتحليلات واستشارات استثمارية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لأكثر من 50 ألف أصل مالي. مثالًا واضحًا على المخاطر المحتملة.
كما قال جابي ديامانت، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة: «إذا طرحت سؤالًا عن شركة غير معروفة جيدًا. فستحدث الهلوسة لأن النظام سيحاول إرضاءك بالإجابة». ونصح بتجنب الأسئلة العامة مثل «هل يجب أن أستثمر في الشركة X؟». لأنها قد تؤدي إلى نتائج مضللة للغاية.
وأكد ديامانت أن التأهيل والامتثال التنظيمي أمران أساسيان، موضحًا أن شركته تقدم تحليلات وأبحاثًا حول أصول محددة تشمل الأسهم وصناديق المؤشرات والصناديق الاستثمارية. وتتعاون مع بورصات في سويسرا وإسرائيل واليابان والبرازيل.
وأضاف: «نحن نقدم أداة دعم لاتخاذ القرار، ولسنا من يتخذ القرار بالنيابة عن العميل».
وعند سؤاله عما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل المستشارين الماليين بالكامل، أجاب بوضوح: «أبدًا». كما أكد أن الحكم البشري يظل أساسيًا لفهم احتياجات العملاء. والتعامل مع تعقيدات المشورة المالية — وهي أمور لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها بعد.
ومع ذلك، يرى ديامانت أن الذكاء الاصطناعي يمثّل أداة تمكين قوية. مضيفًا: «منذ تأسيس بريدج وايز في عام 2019، كانت مهمتنا جعل أسواق المال متاحة للجميع».
الذكاء الاصطناعي والتمويل الشخصي
كما يبدو واضحًا أن هذه التكنولوجيا بحاجة إلى مزيد من التطوير قبل أن يتمكن ChatGPT من لعب دور المستشار المالي للمستثمرين الأفراد وسط تعقيدات الأسواق.
كذلك يقول كيران جارفي، رئيس أبحاث الذكاء الاصطناعي في مركز كامبريدج للتمويل البديل. إن التعلم الآلي متقدم جدًا في مجالات عديدة داخل الخدمات المالية. لكن التقنية القادرة على تقديم المشورة المالية «بعيدة تمامًا عن أن تكون موثوقة».
ولمعالجة هذه التحديات، أشار جارفي إلى تطور ناشئ مهم: «الاتجاه الأكبر الآن في الذكاء الاصطناعي، سواء في العموم أو في الخدمات المالية، هو الذكاء الاصطناعي الوكيلي (Agentic AI)».
كما يشير إلى التكنولوجيا التي تتيح للأنظمة الذكائية العمل بمستويات متزايدة من الاستقلالية — بحيث يمكنها التخطيط وتنفيذ عمليات معقدة باستخدام أدوات متعددة، لتصبح أكثر ذاتية في اتخاذ القرار.
وأوضح: «يمكننا نحن البشر تكليفها بمهمة معينة، فتقوم هي بتحديد ما يجب فعله، وتخطط للعملية، وتتفاعل مع الأدوات المختلفة لتنفيذها».
وأضاف أن هذه القدرات قد تمتد لتشمل إجراء المدفوعات أو حتى الحجوزات نيابة عن العملاء.
ورغم القيود الحالية، فإن المستشارين الماليين الآليين الذين يعتمدون على تدخل بشري محدود أو منعدم يزداد انتشارهم. ويتوقع الخبراء أن يشهد سوق «الروبوتات الاستشارية» طفرة خلال السنوات الخمس المقبلة.
كذلك وفقًا لشركة «ذا بيزنس ريسيرتش كومباني» العالمية للأبحاث والاستشارات. من المتوقع أن يتوسع هذا السوق ليصل إلى أكثر من 471 مليار دولار (405 مليارات يورو) بحلول عام 2029، ارتفاعًا من نحو 62 مليار دولار (53 مليار يورو) في عام 2024.
المصدر: يورونيوز




