رغم أن الأسواق المالية المعاصرة كانت حاضرة في المشهد الاقتصادي منذ قرون إلا أن التداول بها ظل مقتصرًا على حلقة ضيقة من المتخصصين وكبار المستثمرين من ذوي رؤوس الأموال الضخمة.
واختلف الأمر خلال العقدين الماضيين؛ حيث فتحت التطورات التكنولوجية المجال أمام الأفراد العاديين للتداول والاستثمار في مختلف فئات الأصول، وانصب هذا التطور بشكل رئيسي على منصات التداول الإلكترونية، والتي وفرت الأدوات والمعلومات الأساسية بتكلفة زهيدة. يشبه الأمر ثورة المعلومات التي أحدثها ظهور الإنترنت والحاسبات الشخصية في العقد الأخير من القرن الماضي.
وقد تغيرت الأمور رأسًا على عقب مع ظهور شركات الوساطة عبر الإنترنت والتي فتحت المجال واسعًا للتداول في الأسواق العالمية مثل العملات والأسهم والنفط والذهب والفضة والغاز. وساهم ظهور منتجات المشتقات في زيادة تنوع الخيارات الاستثمارية؛ إذ أتاحت للمستثمرين فرصة المضاربة على أسعار الأصول دون الحاجة لامتلاكها بشكل فعلي.
وساعد ذلك في تجنب الإجراءات الروتينية المعقدة لشراء وبيع الأصول الأساسية، كما أعفى الوسطاء من القيود التنظيمية الصارمة، بالتزامن مع إتاحة سيولة هائلة؛ بفضل دخول ملايين المتداولين والمضاربين والمستثمرين إلى السوق.
مزايا ومخاطر التداول في الأسواق العالمية
تكمن الميزة الرئيسية للتداول بالأسواق العالمية في الوصول إلى عدد كبير من فئات الأصول، ومن ثم تنويع المحفظة الاستثمارية وتقليل تكاليف التداول.
برغم ذلك ينطوي الاستثمار في الأسواق العالمية على مخاطر عديدة؛ حيث لا يمكنك مقاضاة شركة الوساطة الأجنبية إذا تعرضت لأي مشكلات أو وقعت ضحية للاحتيال، كما لا تملك سلطات الرقابة المالية المحلية القدرة على تدقيق أنشطة هذه الشركات.
لكن يمكنك الموازنة بين مزايا ومخاطر الاستثمار في الأسواق العالمية من خلال الاقتصار على التداول مع شركات الوساطة الموثوقة فحسب. وتعمل هذه الشركات عادة في بيئات تنظيمية قوية وتخضع لرقابة صارمة من السلطات المعنية، والتي تكفل حقوق المستثمرين وترصد أي ممارسات غير نزيهة لا تراعي مصالحهم.
تعلم التداول في الأسواق العالمية
سهّلت ثورة المعلومات من تعلم التداول وأتاحت الوصول إلى آلاف الكتب والمراجع التعليمية، سواء المجانية أو المدفوعة، والتي تشرح بشكل تفصيلي المفاهيم والممارسات ذات الصلة بعالم الاستثمار. ولا يقتصر الأمر على المحتوى المكتوب أو حتى المرئي، فهناك دورات تعليمية وتدريبية شاملة تهدف إلى مساعدة المتداولين في اكتساب المعرفة الضرورية.
هذه المرحلة ضرورية لكي تكون مؤهلًا لإكمال رحلة التعلم الذاتي، وبعدها ستكون قادرًا على انتقاء المواد التعليمية المفيدة بحق دون الوقوع في شرك بعض الذين يعيدون تدوير المعلومات المجانية ويحاولون بيعها للمبتدئين تحت مزاعم واهية بتحقيق الثراء السريع.
كيف تبدأ التداول في الأسواق العالمية؟
بعد اكتساب المعرفة الأولية بعالم التداول والاستثمار يمكنك بعدها الانتقال من المرحلة النظرية إلى التدريب العملي من خلال فتح حساب تجريبي لدى إحدى شركات الوساطة. هذه الخطوة المهمة ستمنحك الشعور الواقعي بنبض الأسواق المالية في كل لحظة، وكذلك إتقان التعامل مع منصة التداول قبل المخاطرة بأموالك الحقيقية. وعلاوة على ذلك ستتاح لك فرصة اختبار شروط التداول وظروف العمل بصفة عامة مع شركة الوساطة التي تنوي الانضمام إليها.
إذا طرأت على ذهنك فكرة التداول في الأسواق المالية فإن الخطوة الأولى هي تحديد خبرتك الاستثمارية.
وتوفر حد أدنى من المعرفة الاستثمارية سوف يساعد في تحديد خطوتك القادمة في هذا العالم الواسع. على سبيل المثال: إذا سبق لك الحصول على دورات في تحليل الأسواق المالية -بشقيه الفني أو الأساسي- سيكون بمقدورك فتح حساب تجريبي لتبدأ مرحلة التدريب العملي كما أشرنا آنفًا.
أما إذا كنت تفتقر لأي معرفة أو خبرات استثمارية سابقة عندها سيتعين البدء في رحلة التعلم من نقطة الصفر، أو الاستعانة بخدمات مديري الأموال والمتداولين المحترفين في بعض المواقع المتخصصة (مثل منصات نسخ الصفقات).
تحديد مقدار الاستثمار
السؤال الثاني الذي يجب أن تجيب عنه هو مقدار رأس المال الذي تنوي المخاطرة به. بطبيعة الحال تتوقف قيمة المبلغ المذكور على دخلك الشخصي وحجم مدخراتك. وفي هذا الصدد يوصي الخبراء بعدم استثمار أي أموال لا تتحمل تبعات خسارتها أو يمكن أن تؤثر بشكل كبير في تأمين النفقات الضرورية للمنزل والأسرة.
وبعيدًا عن الاعتبارات الشخصية يتوقف مقدار رأس المال الذي ينبغي استثماره على عاملين آخرين:
- الجدوى الاستثمارية
نعني هنا مقدار الأموال التي ينبغي تخصيصها حتى يتسنى لك تحقيق عائد مجزٍ على استثماراتك. وتعتمد هذه الفكرة على حقيقة أن التداول والاستثمار يتطلبان بذل مجهود كبير في مراقبة الأسواق وتحليل حركة السعر، وبالتالي يجب أن يبرر العائد المتوقع المجهودات التي يبذلها المتداول؛ حتى لا تضيع سدى مقابل دولارات قليلة.
- متطلبات السوق
تفرض بعض القواعد التنظيمية والاشتراطات التي تضعها البورصات وشركات الوساطة مقدار الأموال التي ينبغي تخصيصها للتداول. على سبيل المثال: يشترط بعض الوسطاء ألا يقل الحد الأدنى للإيداع المبدئي عن مبلغ معين. ويرتفع هذا الحد الأدنى عند العمل في البورصات الكبرى إلى مستويات قد تفوق طاقة المتداول الفردي.
خيارات الاستثمار المتاحة
هناك حرفيًا الآلاف من منتجات التداول والاستثمار المتاحة في الأسواق المالية، والتي يعتمد الاختيار من بينها على حجم رأسمالك وخبراتك المهنية. نستعرض في السطور القادمة أهم الأسواق المالية التي تستحوذ على القدر الأكبر من اهتمامات المستثمرين:
الفوركس
سوق الفوركس هو أكبر الأسواق المالية قاطبةً؛ حيث تصل أحجام تداولاته اليومية إلى أكثر من 6 تريليون دولار أمريكي. وينطوي تداول الفوركس ببساطة على شراء أو بيع عملة مقابل عملة أخرى، ويجري تداول هذه العملات في شكل أزواج.
الأسهم
سوق الأسهم هو أقدم الأسواق المالية الحديثة؛ إذ تعود نشأته إلى منتصف الألفية الثانية. وينطوي تداول الأسهم في جوهره على شراء حصة ملكية في إحدى الشركات المدرجة بالبورصة، والتي تخوّلك الحصول على جزء من توزيعات الأرباح والمشاركة في قرارات الجمعية العمومية.
صناديق المؤشرات المتداولة
صناديق المؤشرات المتداولة هي عبارة عن صندوق استثماري يتولى تجميع مدخرات صغار المستثمرين وتوجيهها لتتبع أداء أصل محدد، مثل: مؤشرات الأسهم أو السلع أو الأسهم. ويتم بيع وشراء هذه الصناديق في البورصات العامة مثل الأسهم العادية، وهو ما يعطيها قدرًا كبيرًا من المرونة، كما يخفف عن كاهل المستثمر عبء إجراء تحليلات معقدة بنفسه؛ حيث يتولى فريق من الخبراء إدارة الصندوق.
العملات المشفرة
تعتبر العملات المشفرة والأصول الرقمية بصفة عامة أحدث الأسواق المالية التي حظيت بشهرة واسعة خلال الأعوام العشرة الماضية. وتستحوذ البيتكوين على نصيب الأسد من تعاملات أسواق العملات المشفرة، ولكن هناك عملات أخرى مثل الإيثريوم والريبل تحظى بشهرة واسعة وسيولة عميقة.
ومن أبرز مزايا العملات المشفرة إمكانية تداولها على مدار الساعة دون التقيد بساعات عمل محددة أو بورصة مركزية، أو حتى توقف التداول أثناء عطلات نهاية الأسبوع.
خاتمة
كانت تلك مقدمة تمهيدية حول المفاهيم الرئيسية للتداول في الأسواق المالية، والتي ينبغي على المتداول الإلمام بها قبل أن يخطو أولى خطواته في هذا العالم المثير. وبطبيعة الحال تنطوي كل مرحلة من المراحل التي ذكرناها في السطور السابقة على تفاصيل كثيرة تتطلب بالضرورة شرحًا وافيًا للخيارات المتاحة.
وفي النهاية نود التركيز على أهمية تخصيص الوقت والجهد الكافيين لاكتساب المعرفة والخبرة؛ من خلال التعليم والتدريب المستمرين، وكذلك عدم المخاطرة بأموالك الحقيقية والوقوع فريسة لإغراءات بعض شركات الوساطة غير النزيهة.
اقرأ أيضًا:
رائد الأعمال التجاري.. التحديات والفرص
كيف تأثرت قوة الدولار بتعمق حرب أوكرانيا؟
5 نصائح لتتغلب على منافسيك.. استراتيجية المحيط الأحمر
أشهر رواد الأعمال.. معلومات لا تعرفها
صفات بيئة العمل السامة.. حان وقت الهروب