يعد العالم الجليل “علي مصطفى مشرفة ” واحدا من أعظم علماء مصر الأجلاء، ومن أبرز علماء عصره على مستوى العالم في الفيزياء الذي برع في مجالاته المتعددة ولا سيما في مجال الذرة، ذاع صيته في العالم أجمع شرقًا وغربًا، وكان يشار إليه بالبنان كونه واحدًا من سبعة علماء على مستوى العالم يعرفون أسرار الذرة.
ولد في 11 يوليو 1898م في حي المظلوم في مدينة دمياط، وكان الابن الأكبر لأسرة مصرية طيبة، فوالده مصطفى عطية مشرفة كان أحد الأثرياء، الذين تتلمذوا على يد الإمام جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، حفظ القرآن الكريم منذ الصغر، وقد ظلت هذه المرجعية الدينية ملازمة له طوال حياته، كما قضى مشرفة السنوات الأولى من طفولته في رغد من العيش، إلى أن تأثر والده في سنة 1907م بأزمة القطن الشهيرة التي هزت الاقتصاد المصري؛ فهوت بالأغنياء إلى قاع الفقر، وكان من جراء تلك الأزمة أنها أودت بمائتي فدان كان الوالد يمتلكها.
تلقى دروسه الأولى على يد والده ثم في مدرسة “أحمد الكتبي”، وكان دائمًا من الأوائل في الدراسة، التحق بـمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضى فيها سنة بالقسم الداخلي المجاني ثم انتقل بعدها إلى المدرسة السعيدية في القاهرة بالمجان فحصل منها على القسم الأول من الشهادة الثانوية “الكفاءة” عام 1912م، وعلى القسم الثاني “البكالوريا” عام 1914م، وكان ترتيبه الثاني على القطر كله وله من العمر ستة عشر عاما، ورغم مجموعه الكبير إلا أنه فضل الانتساب إلى دار المعلمين العليا، حيث تخرج فيها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى، فاختارته وزارة المعارف العمومية في بعثة علمية إلى بريطانيا.
التحق عام 1920م بالكلية الملكية، وحصل منها عام 1923م على الدكتوراه في فلسفة العلوم بإشراف العالم الفيزيائي الشهير تشارلس توماس ويلسون، ثم عاد إلى مصر وعين مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا، ثم سافر ثانية إلى إنجلترا، وحصل على درجة دكتوراه العلوم فكان بذلك أول مصري يحصل عليها.
ثم عاد إلى مصر مرة أخرى عام 1925م، وعين مدرسا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم في جامعة القاهرة، ثم مُنح درجة “أستاذ” في عام 1926م رغم اعتراض قانون الجامعة على منح اللقب لمن هو أدنى من الثلاثين.
اعتمد الدكتور “علي” عميدا للكلية في عام 1936م وانتخب للعمادة أربع مرات متتاليات.
أبحاثه:
بدأت أبحاثه تأخذ مكانها في الدوريات العلمية وعمره لم يتجاوز خمسة عشر عامًا، ففي الجامعة الملكية في لندن، نشر له أول خمسة أبحاث حول النظرية الكمية التي نال من أجلها درجتي “دكتوراه الفلسفة”، و”دكتوراه العلوم، و كان أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ؛ ولقد أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس؛ عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته.
كان الدكتور “علي” أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب، وتقدر أبحاثه في نظريات الذرة والإشعاع، الميكانيكا والديناميكا بنحو خمسة عشر بحثًا، وقد بلغت مسودات أبحاثه العلمية قبل وفاته إلى نحو مائتي بحث.
“مشرفة” على المستوى الجامعي
تمتعت كلية العلوم في عصره بشهرة عالمية واسعة، حيث اهتم بالبحث العلمي فوفر كل الفرص الممكنة للباحثين، كما سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية، وبحقِّ المرأة في التعيين فكانت “سميرة موسى” أول معيدة امرأة في كلية العلوم، كما حول الدراسة في الرياضة البحتة لتدرس باللغة العربية، أنشأ قسمًا للترجمة في الكلية، شجع على تأسيس الجمعيات العلمية، وقام بتأسيس الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية والمجمع المصري للثقافة العلمية.
“مشرفة” على المستوى الأدبي والفني
كان مشرفة حافظًا للشعر، ملمًّا بقواعد اللغة العربية، عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية، وكان يحرص على حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله مناظرة شهيرة مع الدكتور طه حسين حول “أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم؟”.
وكون الجمعية المصرية لهواة الموسيقى في سنة 1945م، وكان من أغراضها العمل على تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات العربية في التأليف الحديث.
كوّن لجنة لترجمة “الأوبرتات الأجنبية” إلى اللغة العربية، وكتب كتابًا في الموسيقى المصرية توصل فيه إلى أن جميع النغمات الأخرى في السلم الموسيقى غير السيكا والعراق يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها.
مؤلفاته:
الميكانيكا العلمية والنظرية 1937م، الهندسة الوصفية 1937م مطالعات عامية 1943م، الهندسة المستوية والفراغية 1944م، حساب المثلثات المستوية 1944م، الذرة والقنابل الذرية 1945م، العلم والحياة 1946م، الهندسة وحساب المثلثات 1947م، نحن والعلم 1945م، النظرية النسبية الخاصة 1943م.
وفاته:
وافته المنية في 15 يناير 1950م، إثر أزمة قلبية عن عمر يناهز 52 عاما.