يبرز دانيال نادلر نموذجًا فريدًا في عالم المال والأعمال، فهو لم يكتفِ بكونه رائد أعمال وملياردير، بل مزج بين عبقرية الأرقام وعمق الكلمات، ليكون شاعرًا ومبتكرًا في آن واحد.
من موطنه في كندا انطلق نادلر في رحلة أكاديمية ومهنية استثنائية، ليؤسس شركات غيرت قواعد اللعبة في قطاعي المال والصحة، وهو ما يبرهن على نظرته الثاقبة.
علاوة على ذلك تعدّ قصته مثالًا على كيفية تحويل الشغف إلى إنجاز ملموس. فبعد مساهمته في تأسيس شركة “كينشو تكنولوجيز” التي استحوذت عليها “ستاندرد آند بورز جلوبال” بمئات الملايين من الدولارات، لم يتردد في تأسيس شركة جديدة تعني بالصحة، وهي OpenEvidence.
وفي عام 2025 قدرت قيمة هذه الشركة بـ 3.5 مليار دولار؛ ما جعل نادلر مليارديرًا بثروة تقدّر بـ 2.3 مليار دولار.
الحياة المبكرة والتعليم
ولد دانيال نادلر يوم الخامس عشر من أغسطس عام 1983، في تورنتو، أونتاريو، لأبوين مهاجرين من بولندا ورومانيا. كان والده مهندسًا متخصصًا في استخدام الصوت للكشف عن الشقوق المجهرية في الهياكل، مثل: الجسور والغواصات. وهو ما منحه خلفية علمية وتقنية مبكرة.
كذلك، وفي إطار تعليمه، التحق نادلر بجامعة هارفارد؛ حيث درس الرياضيات والأدب الكلاسيكي والشعر تحت إشراف الحائزة على جائزة بوليتسر جوري غراهام. وهو ما يبرز شغفه المبكر بالجمع بين العلوم والآداب.
كما كان باحثًا زائرًا في بنك الاحتياطي الفيدرالي أثناء دراساته للدكتوراه. وفي عام 2016 حصل على درجة الدكتوراه بأطروحة حول آليات تسعير مشتقات الائتمان، وذلك أظهر عمق معرفته في عالم المال.
المسيرة المهنية
أعاد نادلر صياغة مشهد التكنولوجيا المالية؛ ففي عام 2013، وأثناء تحضيره لدرجة الدكتوراه، شارك في تأسيس شركة “كينشو تكنولوجيز” للذكاء الاصطناعي مع بيتر كروسكال.
في حين طور الثنائي نظامًا للتعلم الآلي يتيح للمستخدمين إجراء تحليلات مالية بأسلوب شبيه بمحرك بحث جوجل. واستأجر نادلر برنامجه لمديري الأصول في وول ستريت؛ ما أحدث ثورة حقيقية في القطاع المالي.
كما لم يقتصر نجاحه على الجانب التقني فحسب؛ إذ استحوذت شركة “ستاندرد آند بورز جلوبال” على “كينشو” مقابل 550 مليون دولار عام 2018. ما مثّل إنجازًا ماليًا لافتًا، وهذا النجاح الباهر لم يمنعه من استكشاف شغفه الأدبي والفني.
موهبته الأدبية
من ناحية أخرى تبرز موهبته الأدبية من خلال مجموعته الشعرية الأولى “Lacunae: 100 Imagined Ancient Love Poems”، التي نشرتها دار “Farrar, Straus and Giroux” الأمريكية عام 2016.
علاوة على ذلك اتجه نادلر نحو صناعة الأفلام؛ حيث شارك عام 2019 في تمويل وإنتاج دراما “Palmer” بطولة جاستن تيمبرليك. والتي صدرت عام 2021.
وواصل توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية؛ ففي عام 2021 أسس شركة OpenEvidence. تستخدم هذه الشركة محرك بحث طبي متخصص لمساعدة الأطباء على اتخاذ القرارات السريرية. ما يوضح رغبته المستمرة في استخدام التكنولوجيا لتحقيق تأثير إيجابي في المجتمع.
إنجازات مُثيرة
نجاح نادلر لم يقتصر على الأطباء، بل جذب المستثمرين أيضًا؛ حيث جمعت الشركة 210 ملايين دولار مؤخرًا بقيمة سوقية بلغت 3.5 مليار دولار. وهذا جعل نادلر مليارديرًا بثروة تقدَّر بـ 2.3 مليار دولار.
ويعدّ برنامج OpenEvidence أداة ذكاء اصطناعي تساعد الأطباء على فرز ملايين الدراسات الطبية في ثوانٍ معدودة. وهو متاح مجانًا للأطباء الموثقين.
بينما يستخدمه بالفعل نحو 430 ألف طبيب في أميركا؛ إذ يعالج أكثر من 8 ملايين استشارة شهريًا؛ ما يوضح حجم تأثيره الإيجابي.
شهادة على موثوقية المشروع
وفي هذا السياق يؤكد الأطباء أن الأداة توفّر الوقت وتساعد على تجنّب الأخطاء. بل أثبتت جدواها في حالات طارئة، مثل: معالجة راكب مريض أثناء رحلة جوية. وهو ما يبرهن على أهميتها الحيوية.
ومن ناحيته يقول نادلر إنه يسعى من خلال الجمع بين الأبحاث الطبية الموثوقة والبحث السريع بالذكاء الاصطناعي إلى معالجة مشكلة «فرط المعلومات» التي ترهق الأطباء وتتسبب في إنهاكهم. وذلك يكشف عن رؤيته في حل المشكلات الكبرى بالمجتمع.
في النهاية تتجسد قصة دانيال نادلر في كونها أكثر من مجرد مسيرة نجاح مالي. بل هي شهادة حية على قدرة العقل المبدع على المزج بين عوالم تبدو متباينة.
ومن معادلات الرياضيات المعقدة إلى بلاغة الشعر. ومن خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى شغف مساعدة الأطباء، يثبت نادلر أن الإبداع الحقيقي لا يحده مجال واحد. وهكذا يظل هذا الملياردير الشاعر مثالًا ملهمًا لكيفية تسخير المعرفة والشغف لتحقيق تأثير إيجابي ودائم في عالمنا.