في اليوم العالمي للغة العربية _الذي يحتفل به العالم في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام؛ حيث يوافق اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190 (د-28) عام 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، لا يسعنا إلا تذكر قول أحمد شوقي: «إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضاد».
تلك اللغة التي مع كثرة متحدثيها في العالم يومًا تلو الآخر، تزداد في الوقت ذاته التحديات التي تواجهها؛ فاللغة _أي لغة_ والدهر خصمان عنيدان، يمحو الدهر آثارها لكنه يصقلها، يضيف إليها ويحذف منها، أما هي، اللغة، فقادرة على التكيف مع المستجدات، واستيعاب كل المتغيرات.
اقرأ أيضًا: مجموعة العشرين ودعم المنشآت متناهية الصغر
الوعي بتاريخ اللغة وأهميتها
ويهدف الاحتفال بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية إلى إذكاء الوعي بتاريخ اللغة، وثقافتها وتطورها؛ من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة، وكذلك تأكيد أن اعتزاز كل فرد بلغته الأم هو مصدر فخر وعزة، والمساهمة في بث روح الاهتمام بهذه اللغة وفهم مدى أهميتها وعراقتها في جميع أبناء الشعوب العربية والعالمية، خاصة الأطفال والمراهقين والشباب.
وتُعد اللغة العربية ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، كما أنها إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم؛ إذ يتكلمها يوميًا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.
ويتوزع متحدثو العربية بين المنطقة العربية والعديد من المناطق الأخرى المجاورة؛ حيث إن للعربية أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.
والعربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية؛حيث كُتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم _على سبيل المثال لا الحصر_ الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.
وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى بالعالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى، مثل الهاوسا والسواحلية، وبعض اللغات الأوروبية، خاصةً المتوسطية منها، كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وفضلًا عن ذلك، مثلت حافزًا لإنتاج المعارف ونشرها، وساعدت في نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي.
وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي _عُرفت سابقًا باسم إدارة شؤون الإعلام _ قرارًا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وبناءً عليه، تقرر الاحتفال بـ اليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190(د-28) المؤرخ 18 ديسمبر 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
اقرأ أيضًا: خادم الحرمين الشريفين.. رائد النهضة لوطن طموح
اليوم العالمي للغة العربية لمحة تاريخية
أسفرت جهود بُذلت منذ خمسينيات القرن الماضي عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، بشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية.
وفي عام 1960 اتخذت اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية. واعتُمد في عام 1966 قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، ومن العربية إلى لغات أخرى في إطار الجلسات العامة.
وفي عام 1968 تم اعتماد العربية تدريجيًا لغة عمل في المنظمة مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر الحرفية وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى العربية.
واستمر الضغط الدبلوماسي العربي، والذي برز فيه دور المغرب والسعودية، إلى أن تم جعل العربية تُستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في سبتمبر 1973، وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارًا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة وباقي هيئاتها، صدر قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة 28 في ديسمبر 1973 يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها.
أما مسألة استخدام اللغة العربية كلغة عمل في دورات المجلس التنفيذي فأُدرجت في جدول الأعمال في عام 1974 بناءً على طلب من حكومات الجزائر، والعراق ، والجماهيرية العربية الليبية، والكويت، والمملكة العربية السعودية، واليمن، وتونس، وجمهورية مصر العربية، ولبنان.
وفي أكتوبر 2012 م، عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو، تقرر تكريس يوم 18 ديسمبر يومًا عالميًا للغة العربية، واحتفلت اليونسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.
وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.
يُشار إلى أن اللغة العربية كانت تُكتب في البداية من دون تنقيط أو حركات، وتم تطوير الحركات في القرن السابع الميلادي، واعتماد نظام التنقيط آنذاك، وتمتلك الأبجدية العربية 28 حرفًا أساسيًا.
ووصل عدد مفردات اللغة العربية دون تكرار إلى ما يزيد على 12 مليون كلمة، ويزيد عمر هذه اللغة على 1700 عام، كما اُشتقت من العربية اللغة المالطية في مالطا.
اقرأ أيضًا:
قمة العشرين.. التطور التقني وتمكين المرأة والشباب
إنجازات المملكة في 2020.. نجاحات لا تعرف حدودًا
توطين الوظائف في السعودية.. إنجازات وتحديات