ما نعرفه على وجه اليقين أن المسؤولية البيئية للشركات هي بمثابة رد فعل من جهة، وفعل استباقي من جهة أخرى؛ إذ إنها رد فعل على الممارسات التجارية والصناعية التي تلحق أضرارًا بالغة بالبيئة، كما تحاول، من جهة ثانية، استباق الأمر في المناطق التي لم تحدث بها أضرار من جراء تلك الممارسات الصناعية.
وعلى صعيد تأريخي أكثر يمكن القول إن المسؤولية البيئية للشركات ظهرت، كمفهوم ثم كممارسة، في أعقاب الحركة البيئية القوية في الستينيات؛ إذ أدى التقدم في السيرورات التحديثية على صعيد العمليات الصناعية إلى المزيد من المخاطر البيئية، خاصة في ظل تطور الطاقة الذرية، وازدهار الثورة الكيميائية، وتزايد انتشار المواد الاصطناعية مع هيمنة الشركات متعددة الجنسيات وإسرافها في استهلاك الموارد الطبيعية.
وقد أدى ذلك خلال حقبة الستينيات إلى موجة غضب عارمة نتج عنها هذا المفهوم الذي نحن بصدده ألا وهو المسؤولية البيئية للشركات.
ودفع الغضب العام من هذه الكوارث البيئية وغيرها صانعي السياسات إلى صياغة تشريعات مثل قانون حماية البيئة في عام 1969 م، وقانون السلامة والصحة المهنية في الولايات المتحدة لعام 1970 والذي أجبر الشركات على أخذ القضايا البيئية وسلامة العمال على محمل الجد؛ أي أن المسألة انتقلت من الصعيد الاجتماعي إلى الصعيد القانوني، فلم تعد حماية البيئة -وبشكل أكثر تحديدًا المسؤولية البيئية للشركات-مطلبًا اجتماعيًا فحسب وإنما قانونيًا كذلك.
اقرأ أيضًا: برامج المسؤولية الاجتماعية في المملكة.. مجتمع أكثر إنسانية
المسؤولية البيئية للمشاريع الصغيرة
المسؤولية البيئية للشركات هي فرع من فروع المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ حيث يقال إن العمل التجاري عليه واجب تحسين المنطقة التي يمارس فيها الأعمال. إنها إذًا واجب الشركة للامتناع عن إتلاف البيئات الطبيعية.
علاوة على ذلك يمكن تعريف المسؤولية البيئية للشركة بأنها واجب الشركة للتخفيف من الأضرار البيئية التي تأتي من العمليات التجارية، أو إيجاد طرق مبتكرة لدفع التغيير البيئي الإيجابي المستمد من عملياتها التجارية.
والمسؤولية البيئية للشركات، مثلها مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، هي أنشطة طوعية ذاتية التنظيم من العمليات التي تقوم بها الشركة.
وتختار العديد من الشركات أن تكون لها مبادرات بيئية من منظور استراتيجي؛ حيث يميل الجمهور إلى النظر إلى الأعمال “الخضراء” بشكل أكثر إيجابية.
وثمة جانب استراتيجي آخر للمسؤولية البيئية للشركات هو أنها يمكن أن تساعد في تقليل العقوبات المالية، أو على الجانب الآخر قد تتلقى الشركة مِنحًا أو تمويلًا لتنفيذ المبادرات البيئية، وتنفذ الشركات أيضًا مبادرات بيئية لأسباب خيرية واجتماعية؛ حيث يؤمن أصحاب المصلحة في الأعمال التجارية بمساعدة البيئة.
وقد يجادل الكثيرون بأن كل شركة لديها مستوى من المسؤولية البيئية للشركات؛ حيث يجب أن تبذل الشركة قصارى جهدها لعدم الإضرار بالبيئة وزيادة جهود حمايتها.
وكلما كبرت الشركة زادت احتمالية تسببها في الإضرار بالبيئة، وهذا يعني أن الشركات الأكبر يمكن أن تستفيد من إنشاء مبادرات المسؤولية البيئية للشركات.
اقرأ أيضًا: شركة أرامكو والحياد الصفري.. التأهب للاستدامة
الأهمية والمكاسب
المسؤولية البيئية للشركات مهمة لأسباب عديدة، ولكن الجانب الأكثر أهمية هو أنها تعمل على تحسين البيئة الطبيعية، وتقلل من تأثير العمليات التجارية في البيئة.
وتعتبر المسؤولية البيئية للشركات مهمة أيضًا لأنها تساعد في تحسين المظهر الخارجي للأعمال، وتزيد من ثقة المساهمين والعملاء. ويمكن أن يؤدي تقديم المبادرات البيئية كذلك إلى فتح الوصول للتمويل والتمويل الخارجي، كما يمكن أن يؤدي الامتثال البيئي إلى تحقيق فوائد تجارية؛ إذ أدرك العديد من الشركات أن التصرف بطريقة مسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا هو أكثر من مجرد واجب قانوني، إنه يؤثر في الأرباح النهائية ونجاح المشروع على المدى الطويل.
والمسؤولية الاقتصادية هي ممارسة الشركة التي تدعم جميع قراراتها المالية في التزامها بفعل الخير في المجالات المذكورة أعلاه. ولكن الهدف النهائي ليس مجرد تعظيم الأرباح ولكن التأثير الإيجابي في البيئة والأشخاص والمجتمع.
من ناحية أخرى تعني السياسة البيئية أيضًا فرصًا تجارية جذابة للشركات الصغيرة والمتوسطة. وتمثل زيادة كفاءة الموارد وحلول الاقتصاد الدائري والمشاركة في الأسواق الخضراء فرصًا مهمة للشركات الناشئة لتحسين إنتاجيتها وتعزيز قدرتها التنافسية وتسجيل النمو وتوفير فرص العمل.
اقرأ أيضًا:
تبني المسؤولية الاجتماعية.. ضرورة ملحة
مفاهيم المسؤولية الاجتماعية.. 4 مرتكزات أساسية
المسؤولية البيئية لرواد الأعمال.. تعزيزها ومجالاتها
اعتماد المسؤولية الاجتماعية ونجاح الشركات
مبادرات المملكة لدعم الشباب.. الاستعداد لتحديات المستقبل