تقودنا أزمة كورونا الحالية، كما غيرها من الأزمات الأخرى، إلى إعادة التفكير في ريادة الأعمال، وإلى دور العمل الحر في مواجهة المخاطر الاقتصادية؛ إذ إن الأنساق الاقتصادية المعتادة تبدو بالية، أو من قبيل الترسانة القديمة التي لا تغني ولا تنفع.
وليس بمستغرب، من جهة أخرى، أن نستقصي أهمية العمل الحر في مواجهة المخاطر الاقتصادية؛ ذلك لأن ريادة الأعمال _التي هي المظلة الكبرى للعمل الحر_ في الأصل مخاطرة ومغامرة.
ومن ثم فليس مستبعدًا أن تكون هذه الأزمات وتلك المخاطر هي البيئة الخصبة التي تنمو فيها المشاريع الريادية والعمل الحر بشكل عام، فريادة الأعمال، بمعنى ما، هي سعي وراء الفرص بغض النظر عن السياق.
اقرأ أيضًا: نصائح أوناسيس لرواد الأعمال.. استراتيجية مثالية لتحقيق النجاح
العمل الحر في مواجهة المخاطر
لكن لكي نفهم الدور الحاسم الذي يلعبه العمل الحر في مواجهة المخاطر علينا أن نفهم، أولًا، ماهية ريادة الأعمال وعلاقتها بالأزمات.
في البدء يجب القول إن ريادة الأعمال هي فن استثمار الأزمات، بهذا المعنى ليس ممكنًا الحديث عن ريادة الأعمال من دون الحديث عن مشكلة/ أزمة، وتمسي الأزمة هي الشرط المسبق لكل فعل ريادي، طالما فهمنا أن ريادة الأعمال هي محاولة جادة للإتيان بحل مبتكر لأزمة راهنة.
أضف إلى ذلك أن ريادة الأعمال _طالما أننا نتحدث عن دور العمل الحر في مواجهة المخاطر الاقتصادية_ ليست مجرد بحث عشوائي عن الأزمات، وإنما هي استثمار في تلك الأزمات؛ عبر الإتيان بحل لها.
وبهذا المعنى نفهم أن ريادة الأعمال هي موقف/ رد فعل إيجابي على الأزمات؛ ففي الوقت الذي يجلس فيه الجميع يندبون حظهم أو يضربون أخماسًا في أسداس ولا يدرون ما يفعلون حيال هذه الأزمة أو تلك، يبدو رواد الأعمال هي الشريحة الأقدر على التعامل المنهجي والإيجابي مع مثل هذه الأزمات.
إنهم لا يعملون على مجرد حل المشكلة، ولا تخطي تبعات الأزمة فحسب، وإنما يحاولون أن يحققوا مكاسب من خلال هذه الحلول ذاتها، وبالتالي فإن المنافع المتحصل عليها من خلال المشاريع الريادية هي مكاسب متعدية؛ إذ ليست مقتصرة على أصحاب هذه المشاريع فحسب، وإنما هي تطال المجتمع ككل.
اقرأ أيضًا: خمسة تحديات أمام رائد الأعمال.. كيف تضع خطة عمل ذكية؟
ريادة الأعمال والاقتصادات الوطنية
تأسيسًا على الطرح الفائت يمكن القول، من دون كبير مجازفة، إن ريادة الأعمال هي صمام الأمان للاقتصادات الوطنية؛ فمن خلال ما تمتلكه المشاريع الريادية من مفاعيل وآليات وأدوات عمل تبدو هي الأقدر على حماية الاقتصاد من الوقوع في وهدة الخسائر المعممة.
وربما لا تكون المشاريع الريادية _وتلك نقطة أحرى بنا أن نشدد عليها في معرض الحديث عن دور العمل الحر في مواجهة المخاطر الاقتصادية_ قادرة على إلغاء مفعول الأزمة وإبطاله كليًا، خاصة إذا كانت هذه الأزمة متفشية وذات آثار متعدية، مثل أزمة فيروس كورونا الحالية، وإنما هي، في أقل الأحوال، قادرة على الحد من غلواء الأزمات والعبور بالاقتصادات الوطنية إلى شاطئ الأمان.
اقرأ أيضًا: هل يمكن لرائد الأعمال العمل بدون موظفين؟.. خطوات فعالة
نظرية التدمير الإبداعي
كان جوزيف شومبيتر؛ عالم الاجتماع والاقتصاد الراحل، قد لاحظ أن كل أزمة تحمل أيضًا بذور التجديد، وقد بسط الفكرة في غير ما موضع من مؤلفاته، حتى أمسى المُنظّر الأول لنظرية التدمير الإبداعي.
لكن ما يعنينا عند الحديث عن دور العمل في مواجهة المخاطر الاقتصادية أن الأزمة أيًا كانت حدتها وماهيتها لا تترك بنيات العمل على حالها، وإنما هي _جريًا على رأي شومبيتر_ تغيرها تغييرًا جذريًا.
ليس هذا فقط، وإنما يمكننا القول _مسترشدين بتبعات أزمة كورونا_ بأنها تدفع في مسار اختراع أنماط وبيئات عمل جديدة: العمل عن بُعد، تعزيز وتسريع مسارات التجارة الإلكترونية.. إلخ.
وعلى ذلك تمسي الأزمة _إن نحن فكرنا فيها بنفس الطريقة التي يفكر بها رواد الأعمال_ فرصة جديدة، وتحدٍ جديد، يمكن من خلاله لا أن نخرج من المشكلة الحالية فقط بل نجترح أفقًا جديدًا لمستقبل أفضل.
لكن هذا غير ممكن من دون تفكير ريادي يتخطى الأزمة إلى التفكير في حلول لها تقضي بمنع تكرار حدوثها أو _وهذا أضعف الإيمان_ الاستفادة منها الاستفادة الكبرى.
ناهيك عن أن الوعي بأهمية العمل الحر في مواجهة المخاطر الاقتصادية، والدور المحوري الذي يمكن أن ينهض به، يحتم على الدول مد يد العون والدعم لرواد ورائدات الأعمال، وتذليل كل الصعاب التي تعترض طريقهم.
اقرأ أيضًا:
أهم 8 نصائح لتقديم العرض التقديمي الخاص بشركتك الناشئة
هل التعليم الأكاديمي أساس إعداد رائد أعمال ناجح؟
أصول الشراكة في المشاريع التجارية