في عالم اليوم يبدو مستهجنًا الحديث عن الجرأة في مكان العمل؛ فالناس يخشون البطالة، والإقالة من العمل بشكل أو بآخر، لكن الحقيقة أن مسألة الجرأة (التي نقصدها هنا على الأقل) ليست تهورًا ولا نوعًا من الاندفاع، وإنما هي مهارة على المرء أن يتقنها، ليجني آثارها.
بهذا المعنى يتتعامل كاثلين ك. ريردون؛ أستاذة الإدارة والتنظيم في كلية مارشال للأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا، مع الجرأة في مكان العمل على أنها معطيات وأسباب ونتائج، وبالتالي فالأمر يجب أن يكون محسوبًا ومدروسًا بدقة.
وعلى ذلك قد يكون من الجرأة في مكان العمل أن تحجم عن إبداء رأيك أو التصريح به إن أنت ألفيت أنك لن تظفر بما تريد؛ فالأصل أنك لا تقدم على فعل إلا وأنت واثق من حصولك على ما تريد من خلاله، وإلا فما جدوى الإتيان به؟!
اقرأ أيضًا: استراتيجية إدارة الموارد البشرية.. هل تعرف أسرار موظفيك؟
انتحار وظيفي
ليس من الممكن الجزم بأن الجرأة في مكان العمل هي نوع من الانتحار الوظيفي المغلف بغلاف الشجاعة وقول الحق، والتجرؤ على التصريح بما تريد أو ما يعتمل بداخلك تجاه المؤسسة أو أحد أفرادها.
فالمسألة متوقفة على سلوك الشخص الذي ينحو نحو الجرأة في العمل، فأحيانًا يكون الأمر انتحارًا حقيقيًا ما لم يكن التصرف مدروسًا بدقة، ومعلومة توابعه ونتائجه، وأحيانًا أخرى يكون الأمر عكس ذلك.
إن الجرأة في العمل محكومة؛ من حيث نتائجها، بما قبلها من نتائج وإعدادات؛ فإذا أعددت للموقف جيدًا وهيأت له الظروف المناسبة فمن المحتمل أن تحصل على ما تريد، وإلا فالعواقب ستكون وخيمة.
اقرأ أيضًا: تخطيط الموارد البشرية.. توقع المتطلبات المستقبلية
مستويات الجرأة في العمل
لكننا قصرنا حديثنا عن الجرأة في العمل _إلى الآن_ على أحد مستوياتها فقط، وهو المستوى الفردي، لكن هناك مستوى آخر وهو المستوى المؤسسي؛ فلئن كان صحيحًا أنه من الواجب عليك أن تحتاط لنفسك وتدرس موقفك جيدًا، وأن تتجنب التهور؛ حتى لا تُمنى بعواقب وخيمة، فمن الواجب على المؤسسة أن تصنع بيئة العمل التي تساعد في حرية تبادل وتداول الآراء.
والحق أن هذا ليس ترفًا ولا نوعًا من تفضل المؤسسة على موظفيها، وإنما هو فرض عليها؛ فمن خلال الجرأة في العمل يمكن للمؤسسة أن تكون أكثر قدرة على مواجهة اللايقين.
فهي ستتمكن؛ عبر فتح المجال الحر لتداول كل الآراء والنظريات بما في ذلك أكثرها شططًا وأغلظها قولًا، من الوقوف على الواقع كما هو، فضلًا عن معرفة كل السيناريوهات المحتمل وقوعها في المستقبل، وبالتالي ستكون قد استعدت للحسن والسيئ قبل وقوعه، وتلك ميزة كبرى قد لا يمكن تحصيلها من دون الجرأة في مكان العمل.
وعلى هذا الأساس يمكن القول، من دون كبير مجازفة، إن الجرأة في مكان العمل إحدى أهم استراتيجيات مواجهة المخاطر المحتمل وقوعها في المستقبل والتغلب عليها، فكل شيء؛ من خلال الجرأة، مبسوط على طاولة النقاش، ويتم وضع الخطط للتعامل معه، ومن ثم لا شيء لا يمكن التعامل معه.
اقرأ أيضًا: ما هي التحديات أمام الموظفين الأوائل في الشركات الناشئة؟
الجرأة والتغيير
وعلاوة على كل ما فات فإن من أبرز إيجابيات الجرأة في مكان العمل أنها تحض، بشكل مباشر، على التغيير، فالجرئ يرفض وضعًا قائمًا ويقرر بمحض إرادته أن يكون شجاعًا ويعلن عن رفضه.
ليس متوقعًا أن يُسمع صوت هؤلاء الشجعان من أول مرة، فبيئات العمل أو حتى أغلب المجتمعات تجنح في العادة إلى تفضيل الوضع الراهن؛ لأسباب جمة؛ منها، على سبيل المثال، الخوف من التغيير وخشية مواجهة المجهول، وهذا أفضل الأحوال.
ولكن هناك، على الجهة الأخرى، قوم آخرون يبغون تأبيد الوضع الراهن ومد أمده؛ لأنهم بكل بساطة مستفيدون منه.
أمام كل هذا الواقع لا يقف سوى الطموحين والشجعان، الراغبين حقًا في تحويل المسار وتغيير الوضع القائم، ولأمثال هؤلاء تبدو الشركات _والمجتمعات البشرية على نحو أوسع_ مدينة بكل ما وصلت إليه وحققته من إنجازات.
عندها لن يكون في صالح الشركة _بعد كل ما بسطناه عن الجرأة في مكان العمل_ أن تصنع كتيبة من البلهاء، الذين يوافقون على كل شيء حتى وإن رأوه خطئًا محضًا، وتلك خيانة للمؤسسة في حد ذاتها. إن الشركة الواعية بواقعها وتحديات مستقبلها هي التي تحفز موظفيها على الكلام لا أن تلقمهم أحجارًا.
اقرأ أيضًا:
أهمية تدريب الموظفين أثناء العمل
تعامل المدير بذكاء.. كيفية الخروج من المواقف الصعبة
استخدام التحليل النفسي في إدارة الموارد البشرية