يُعد سايمون سينك واحدًا من أبرز المفكرين والمؤثرين بعالم الأعمال والقيادة في العصر الحديث؛ حيث تمكن بفضل رؤيته الفريدة وأفكاره المبتكرة من ترك بصمة واضحة في عالم الأعمال والأفكار.
وفي عام 2009م أصدر “سينك” كتابه الأكثر مبيعًا عالميًا “ابدأ بلماذا”، والذي أحدث ثورة في طريقة تفكيرنا حول القيادة والتسويق.
سايمون سينك
ولم يقتصر تأثير سينك على كتابه فقط، بل امتد إلى منصة تيد العالمية. فمحاضرته التي حملت عنوان “ابدأ بلماذا” أصبحت من أكثر مقاطع الفيديو مشاهدةً على الإطلاق؛ حيث استطاع من خلالها أن يشرح أفكاره ببساطة ووضوح. ما جعلها في متناول الجميع.
ولاقت هذه المحاضرة إقبالًا واسعًا من قبل رواد الأعمال والقادة في مختلف المجالات؛ إذ قدمت لهم رؤى جديدة حول كيفية بناء مؤسسات قوية ومستدامة.
ومنذ ذلك الحين استمر “سينك” في تقديم الإلهام والتوجيه للكثيرين من خلال كتبه ومحاضراته وورش العمل التي يقدمها حول العالم. وأصبح نموذجًا يحتذى به للكثيرين من رواد الأعمال والمبدعين؛ حيث أثبت أن الأفكار القوية والرؤية الواضحة يمكن أن تغير العالم.
بداية رحلة رائد الأعمال والفكر
وُلد سايمون سينك يوم 9 أكتوبر 1973م، في ويمبلدون، وهي منطقة في لندن تشتهر ببطولاتها الشهيرة للتنس. ومع ذلك فحياته لم تسِر على نفس النمط الرياضي الذي قد يتوقعه البعض. فبسبب طبيعة عمل والده انتقلت عائلته بين عدة دول، ما أثر بشكلٍ كبير في شخصيته وتفكيره. فقد عاش في جوهانسبرج ولندن وهونج كونج، قبل أن تستقر العائلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه التجربة الحياتية المتنوعة زودته بمنظور عالمي واسع، ومكنته من فهم الاختلافات الثقافية بين الشعوب. وكانت تلك الخلفية الثقافية المتنوعة بمثابة حجر الأساس لبناء أفكاره حول القيادة والإلهام في عالم الأعمال. والتي ستصبح فيما بعد محور اهتمامه وعمله.
من الأنثروبولوجيا إلى الإعلان
بعد تخرجه في مدرسة نورثرن فالي الإقليمية الثانوية في ديماست عام 1991م التحق “سينك” بجامعة برانديس لدراسة الأنثروبولوجيا الثقافية. وكان اختياره لهذا التخصص يعكس اهتمامه بفهم سلوكيات الإنسان وأنظمة التفكير المختلفة.
من ناحية أخرى قرر بعد ذلك دراسة القانون بجامعة سيتي في لندن، ربما بحثًا عن مسار مهني أكثر تقليدية. إلا أنه سرعان ما اكتشف أن شغفه الحقيقي يكمن في مجال الإعلان والتسويق. فترك كلية الحقوق لينضم إلى عالم الإعلانات؛ حيث عمل في وكالات مرموقة مثل: “أوجيلفي آند ماذر” و”هافاس كرييتيف”.
تأسيس “سينك بارتنرز”
بعد اكتسابه خبرة واسعة في مجال الإعلان قرر “سينك” أن الوقت حان للانطلاق في رحلة جديدة. فأسس شركته الخاصة “سينك بارتنرز”، والتي من خلالها بدأ رحلته كمتحدث تحفيزي ومدرب قيادي.
ولاقت أفكاره حول القيادة والإلهام اهتمامًا واسعًا؛ حيث تمكن من إيصال رسالته إلى جمهور واسع من خلال محاضراته وكتبه.
أضف إلى ذلك فإن كتاب “سينك” الأكثر مبيعًا عالميًا “ابدأ بلماذا” (Start with Why)، الذي نشر عام 2009م، حقق نجاحًا باهرًا. وقدم في هذا الكتاب إطارًا جديدًا لفهم دوافع الأفراد والشركات. مؤكدًا أهمية البدء من “لماذا” وليس من “ماذا” أو “كيف”. وأصبحت فكرة “البدء بلماذا” من أكثر الأفكار تأثيرًا في عالم الأعمال والقيادة.
تأسيس “أوبتيميزم برس”
في حين كان سايمون سينك ينجح في مسيرته ككاتب ومتحدث تحفيزي إلا أنه أراد أن يفعل أكثر من ذلك. لذا أسس دار النشر “أوبتيميزم برس” بالشراكة مع “بينجوين راندوم هاوس”. هدفت هذه الدار إلى نشر الكتب التي تعزز الإيجابية والتغيير، وتقدم أفكارًا جديدة وملهمة.
ومن بين الكتب التي نشرتها الدار “قوة التخلي عن السلطة” لـماثيو بارزون، و”الثقة أولًا” لبروس ديل. وسلطا الضوء على قضايا مهمة مثل: القيادة، والثقة، والعلاقات الإنسانية.
صوت ملهم يعبر القارات
اكتسبت آراء سايمون سينك ورؤيته وأعماله اهتمامًا دوليًا واسعًا. ما جعله وجهًا مألوفًا في العديد من المحافل الدولية. إذ تلقى دعوات للتحدث أمام قادة بعض أكبر الشركات والمؤسسات في العالم، مثل: مايكروسوفت، وجنرال إلكتريك سيليكونز، وAOL، وحتى نيويورك سيتي باليه.
كما حظي بتقدير كبير من صناع القرار في الولايات المتحدة؛ حيث تلقى دعوات للتحدث أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي.
ولم يقتصر تأثير “سينك” على الكلمة المكتوبة فحسب، بل امتد إلى عالم البودكاست. ففي سعي منه لتوسيع نطاق تأثيره أطلق سايمون بودكاست يحمل اسم “A Bit of Optimism”. من خلاله يستضيف “سينك” مجموعة من الشخصيات المؤثرة والناجحة من مختلف المجالات؛ حيث يجري معهم حوارات شيقة حول خبراتهم ومسيرتهم المهنية.
وبالفعل حقق بودكاست “A Bit of Optimism” نجاحًا باهرًا؛ حيث تجاوز عدد مرات تنزيله حاجز الـ 3 ملايين مرة. من ناحية أخرى فإن هذا الرقم الضخم يعكس مدى الشعبية التي يحظى بها سايمون سينك وأفكاره. كما يؤكد الرغبة المتزايدة لدى الناس في الاستماع إلى قصص النجاح والإلهام.
إلهام ملايين الأشخاص
في نهاية المطاف يمكن القول إن سايمون سينك ترك بصمة لا تمحى في عالم الفكر والأعمال. فمن خلال أفكاره المبتكرة وقدرته على تحويل الأفكار المعقدة إلى مفاهيم سهلة الفهم تمكن من إلهام ملايين الأشخاص حول العالم. وأثبت أن القيادة الحقيقية لا تتعلق فقط بتحقيق الأهداف، بل أيضًا بإلهام الآخرين والسعي لتحقيق هدف أكبر من الذات.
ولا شك أن قصة حياة سايمون سينك هي قصة إلهام للجميع، فهي تُظهر لنا أن بالإمكان تحقيق الأحلام والتغيير الإيجابي في العالم، مهما كانت الظروف. فمن خلال شغفه بالتعلم واكتشاف الذات، ورؤيته الواسعة، وإصراره على تحقيق أهدافه، تمكن من أن يكون مصدر إلهام للكثيرين.