يجب علينا أن نتساءل بين الحين والآخر عما إذا كانت المهام الموكلة إلينا ضرورية، تلك هي استراتيجية نجاح يمكن النظر إليها، فالكثير منها في الحقيقة ليس كذلك، والرفض بمجرد كلمة “لا” سيكون أكثر إنتاجية من أي عمل يمكن أن تؤديه حتى لو كنت شخصًا ذا كفاءة عالية.
فكم مرة شعرت بالذهول والإحباط بسبب حجم المهام المتراكمة في القائمة التي يجب تنفيذها، وذلك بسبب تجنبك كلمة “لا” عندما يطلب منك الآخرون أن تفعل شيئًا ما، بل بدلًا من ذلك تسارع في قول “نعم.. بالتأكيد”، وبعد مرور ثلاثة أيام تشعر بالإحباط بسبب هذه الالتزامات على الرغم من أنك السبب بقولك “نعم” منذ البداية.
ولكن هذا لا يعني ألا تنفذ المهام الموكلة إليك، ولكن الحقيقة هي أننا نقول نعم للعديد من الأشياء التي لا نريد فعلها بالفعل، فهناك اجتماعات كثيرة لا داعي لعقدها، وهناك مهامًا عديدة يمكن عدم أدائها.
لماذا نقول “نعم”؟
في معظم الأوقات نحن نوافق على فعل العديد من الأمور ليس لأننا بالفعل نرغب في تنفيذها، ولكن لأننا لا نريد أن ينظر إلينا الآخرون على أننا غير لبقين أو متعجرفين أو غير مفيدين.
وفي كثير من الأحيان عليك أن تفكر قبل رفض طلب لشخص سوف تتفاعل معه في المستقبل، سواءً كان زميلك في العمل، أو زوجتك/ زوجك، أو أحد أفراد عائلتك وأصدقائك.
يكون قول “لا” لهؤلاء الأشخاص أصعب من غيرهم؛ وذلك لأننا نحبهم ونريد دعمهم، بالإضافة إلى أننا غالبًا ما نحتاج إلى مساعدتهم أيضًا، ويعد التعاون مع الآخرين عنصرًا مهمًا في الحياة؛ لأن فكرة توتر العلاقات أمر يفوق التزامنا بوقتنا وطاقتنا.
ورغم تأكدنا من أخذ كل هذه الاعتبارات الاجتماعية في الاعتبار فإنه -على ما يبدو- لا يزال الكثير منا ملتزم بشكل مفرط بأداء المهام التي لا تفيد أو تدعم من حولنا أو تفيدنا نحن.
افعل ما تستطيع فعله، ولكن عندما يجب عليك أن تقول “لا” كن لطيفًا ومباشرًا.
ربما تكون القضية هي طريقة تفكيرنا في معنى نعم ولا.
الفرق بين نعم ولا
نستخدم دائمًا كلمتي “نعم” و”لا” على أنهما متضادتين مع بعضهما، وفي الواقع هما ليستا فقط متضادتين في المعنى، بل في الالتزام أيضًا.
فعندما تقول “لا” يكون لأمر واحد فقط، لكن عندما تقول “نعم” فأنت في هذه الحالة تقول “لا” لجميع الخيارات الأخرى.
جميلة هي العبارة التي قالها الخبير الاقتصادي تيم هارفورد: “في كل مرة نقول “نعم” لطلب ما فإننا نقول أيضًا “لا” لأي شيء آخر قد ننجزه بمرور الوقت”؛ أي بمجرد أنك التزمت بعمل شيء ما خلال وقت معين تكون قررت بالفعل كيف سيتم قضاء هذا الوقت مستقبلًا.
بمعنى آخر: ستوفر عليك كلمة “لا” الكثير من الوقت في المستقبل، بينما سوف تكلفك كلمة “نعم” الوقت في المستقبل، كلمة لا قرار، أما نعم فهي مسؤولية.
دور كلمة “لا”
في كثير من الأحيان ننظر إلى كلمة “لا” على أنها رفاهية لا يستطيع تحملها إلا من هم في مواقع السلطة، في الواقع هذا صحيح؛ حيث يكون رفض الفرص أسهل عندما تكون لديك القدرة على الرجوع إلى الأمان الذي توفره لك القوة والمال والسلطة، ولكن أيضًا كلمة “لا” ليست امتيازًا مخصصًا للناجحين فقط، بل أيضًا استراتيجية يمكن أن تساعدك في تحقيق النجاح.
يعد قول “لا” مهارة مهمة يجب عليك تطويرها في أي مرحلة من حياتك المهنية؛ لأنها تحافظ على وقتك الذي هو أهم الأصول في الحياة، وكما قال المستثمر بيدرو سورينتينو: “إذا لم تحرس وقتك فسوف يسرقه الناس منك”.
يجب أن تقول “لا” لكل ما لا يوصلك نحو هدفك، عليك أن تقول “لا” لكل ما يشتتك. وكما قال لي أحد القراء ذات مرة “إذا أردنا أن نتوسع بتعريف يشمل كيفية تطبيق “لا”، فهي في الواقع الاختراق الوحيد للإنتاجية؛ حيث إنك في النهاية تقول “لا” لكل ما يلهيك عن أن تكون منتجًا”.
في الواقع إن ستيف جوبز هو أفضل من جسد هذه الفكرة حين قال: “يعتقد الناس أن التركيز يعني قول “نعم” للشيء الذي يجب التركيز عليه، ولكن هذا ليس ما يعنيه على الإطلاق. إنه يعني قول “لا” للمئات من الأفكار الجيدة الأخرى الموجودة لديك لتختار منها بعناية”.
ولكن هنا يوجد توازن مهم لا بد من تحقيقه وهو أن كلمة “لا” لا تعني أنك لن تفعل أبدًا أي شيء مثير للاهتمام أو مبتكر أو عفوي، ولكن فقط يجب أن تقول “نعم” بتركيز؛ أي: بمجرد تخلصك من عوامل التشتيت سيكون من المنطقي أن تقول “نعم” لأي فرصة تحركك في الاتجاه الصحيح.
ترقية طريقتك في قول “لا”
مع التحسن والنجاح بشكل مستمر ستصبح استراتيجيتك بحاجة إلى التغيير.
كلما أصبحتَ أكثر نجاحًا تزداد تكلفة إضاعة وقتك، في البداية كل ما عليك فعله هو التخلص من العوامل الواضحة التي تشتتك ثم سيكون عليك استكشاف الباقي، وعندما تتحسن مهاراتك وتتعلم كيف تفصل ما ينجح عما لا ينجح تستطيع أن تزيد من إمكانية قول “نعم”.
ترقية “لا” بمرور الوقت
إنّ ترقية كلمة “لا” الخاصة بك لا تعني أنك لن تقول “نعم” أبدًا، بل هذا يعني فقط أنك ستقول “لا” بشكل افتراضي، وتتعلم أن تقول “نعم” عندما يكون الأمر منطقيًا.
وكما قال المستثمر برنت بيشور “إن قول “لا” أمر قوي للغاية لأنه يحافظ على فرصة قول نعم”.
كيف تقول “لا”؟
في الغالب معظمنا يكون سريعًا جدًا عندما تكون الإجابة “نعم” وبطيئًا جدًا عند قول “لا”؛ فإذا كنت ممن يواجهون صعوبة في كلمة لا فالاستراتيجية التي اقترحها تيم هارفورد، الخبير الاقتصادي البريطاني الذي ذكرته سابقًا، مفيدة لك؛ حيث قال: “الحيلة هي أن تسأل نفسك: هل سأوافق على هذا إذا كان عليّ أن أفعله اليوم؟” في الحقيقة هذه القاعدة ليست سيئة؛ لأن أي التزام مستقبلي، بغض النظر عن مدى بعده، في النهاية سيصبح مشكلة وشيكة.
يمكن أن تقول “نعم” إذا كانت هناك فرصة مثيرة بما يكفي للتخلي عن كل ما تفعله حاليًا، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فسيتعين عليك أن تفكر أكثر من مرة.
وهذا شبيه بطريقة “Hell Yes or No”، المعروفة من الكاتب Derek Sivers، التي تقضي بأنه إذا طلب منك شخص ما أن تفعل شيئًا وكان رد فعلك الأول هو “نعم” فافعله، أما إذا لم يكن ذلك الأمر مثيرًا لاهتمامك فقل “لا”.
قد يكون قول كلمة “لا” أمرًا صعبًا لكنه غالبًا ما يكون أسهل من الخيار البديل، وكما أشار الكاتب مايك داريانو “إن تجنب الالتزامات أسهل من الخروج منها”.
بقلم: جيمس كلير
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال
إدارة الوقت.. مفتاح الإنتاجية والنجاح دون توتر
تعدد المهام.. أسطورة تحطم أفكارك وتُهدر وقتك
تفويض المهام.. سبيل نجاة المدراء
المقال الأصلي: هنا