في تطور لافت يبشر بانفراجة محتملة في العلاقات التجارية المتوترة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الخميس عن توصل بلاده إلى اتفاق مبدئي مع الصين. ووفقًا لـ”رويترز”، ينص هذا الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية التي تفرضها واشنطن على الواردات الصينية، مقابل التزام بكين باستئناف فوري لعمليات شراء فول الصويا من الولايات المتحدة.
وجاء هذا الإعلان عقب لقاء مباشر ورفيع المستوى جمع ترامب بالرئيس الصيني شي جين بينج في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية. ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه الذي يجمع الزعيمين منذ عام 2019. وقد أشار ترامب إلى أن الاتفاق يشمل أيضًا ضمان استمرار صادرات المعادن النادرة وفرض قيود صارمة على التجارة غير المشروعة في مادة الفنتانيل. ما يؤكد أن خفض الرسوم الجمركية كان ثمنًا لصفقة شاملة.
إشادة ترامب وتخفيض ملموس
كان اللقاء مع الرئيس الصيني المحطة الأخيرة في جولة ترامب الآسيوية السريعة. والتي أشاد خلالها بما وصفه بالتقدم التجاري الملموس الذي تم إحرازه مع شركاء استراتيجيين مثل: كوريا الجنوبية واليابان ودول جنوب شرق آسيا.
وفي تصريح للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأمريكية بعد مغادرته بوسان، قال ترامب: “أعتقد أنه كان اجتماعًا رائعًا”. مضيفًا أن الاتفاق يشمل خفض الرسوم الجمركية المفروضة حاليًا على الواردات الصينية، بحيث تنخفض من نسبة 57% إلى 47%. وهو تخفيض ملموس يهدف إلى تخفيف حدة الاحتكاك التجاري بين البلدين.
تقلبات الأسواق العالمية وتأثير الإعلان
ولم يمر إعلان ترامب دون أن يترك أثره المباشر على أسواق المال العالمية. فقد شهدت أسواق الأسهم حالة من التقلب الملحوظ مع كشف ترامب عن تفاصيل الاتفاق؛ حيث تباين أداء مؤشرات الأسهم الآسيوية الرئيسية والعقود الآجلة الأوروبية بين المكاسب والخسائر بشكلٍ حاد.
وعلى الرغم من الارتياح المبدئي، انخفض المؤشر شنغهاي المجمع الصيني من أعلى مستوى له في عشر سنوات. بينما تراجعت العقود الآجلة الأمريكية لفول الصويا. وهو ما يعكس حذر المستثمرين وتفاعلًا فوريًا مع تفاصيل الصفقة المعلنة.
لقاء القمة ومراسم الوداع الرسمية
استمر الاجتماع الثنائي بين الزعيمين، الذي عُقد على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (أبيك)، لنحو ساعتين من المحادثات المغلقة. وتشير هذه المدة إلى أن المفاوضات تطرقت إلى تفاصيل معقدة تتجاوز القضايا التجارية التقليدية.
وبعد انتهاء المحادثات، صافح ترامب نظيره الصيني بحرارة ورافقه إلى سيارته الخاصة، قبل أن يغادر ترامب لاحقًا وسط استقبال رسمي في المطار. ويعكس هذا التبادل للود والمجاملات الرسمية الرغبة المتبادلة في تلطيف الأجواء بين الدولتين.
التفاؤل المتكرر وإطار الاتفاق الأخير
وأكد ترامب مرارًا تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق شامل مع شي جين بينج. لا سيما بعد إعلان المفاوضين الأمريكيين يوم الأحد عن اتفاق إطاري مع الصين يهدف إلى تجنيب فرض رسوم أمريكية قاسية بنسبة 100% على الواردات الصينية.
وفي المقابل، يؤجل هذا الاتفاق الأخير القيود الصينية على تصدير المعادن النادرة، وهو قطاع حيوي تهيمن عليه بكين عالميًا. ويوضح هذا التبادل في التنازلات أن كل طرف يسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية في مناطق نفوذه.
الضوابط الصارمة على الفنتانيل والمعادن
وتضمنت الصفقة، وفقًا لترامب، التزام الصين بفرض قيود صارمة على التجارة غير المشروعة في مادة الفنتانيل. وهي قضية ذات أولوية صحية وأمنية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة. وإدراج هذه المسألة غير التجارية في الاتفاق يؤكد على طبيعة العلاقة المعقدة والشاملة بين البلدين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ضمان استمرار صادرات المعادن النادرة من الصين يمثل أمرًا حيويًا للصناعات الأمريكية المتقدمة. إذ تعتمد عليها بشكلٍ كبيرٍ في تصنيع المنتجات عالية التقنية. وهو ما يمنح الاتفاق بُعدًا اقتصاديًا استراتيجيًا.
الرغبة المتبادلة والمخاوف الجيوسياسية
تنمو الرغبة لدى كلا البلدين في تحقيق أهداف لدى كل منهما بأي ثمن. لا سيما في مجالات المنافسة الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة. فبكين تسعى لتأمين استقرارها التجاري. وواشنطن تهدف إلى تعديل الميزان التجاري والحصول على تنازلات تقنية.
لكن على الرغم من هذه الانفراجة المعلنة، لا تزال الأسئلة مطروحة بقوة بشأن مدى صمود هذا الاتفاق الجديد. فالتوترات الأساسية المتعلقة بالهيمنة التقنية والمنافسة العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادي لا تزال قائمة. ما يهدد استمرارية التهدئة التجارية.



