من بداياتٍ هادئة اتسمت بالشغف والانضباط، شقَّ جون تيرنوس طريقه بصمتٍ وثبات نحو قمة الهرم التنفيذي لشركة “آبل”، مُزيّنًا مسيرته المهنية ببصماتٍ هندسية لا تمحى على تفاصيل أجهزتها المتقنة.
جون تيرنوس
تدرّج “تيرنوس” بخطواتٍ موزونة ومدروسة داخل أروقة الشركة، مجسّدًا نموذجًا للقائد الذي يجمع بين الدقة الهندسية والرؤية الإستراتيجية الثاقبة. واليوم، يقف هذا الرجل كأحد الأعمدة الرئيسة التي ترتكز عليها «آبل» في مجال هندسة الأجهزة، مشرفًا على فرق العمل التي تحوّل الأفكار الطموحة إلى واقع ملموس، وتصنع الفارق بين المنتجات المألوفة والابتكار العبقري.
وأسفرت سنوات العمل الدؤوب والمركّز، التي تجاوزت العقدين، عن جعل اسم “تيرنوس” مرادفًا للجودة غير القابلة للتفاوض والرؤية التكنولوجية بعيدة المدى.
كما استطاع هذا القائد أن يمزج بتناغم فريد بين عقل المهندس التحليلي وفكر القيادي المستقبلي؛ لينتج منتجاتٍ تجمع ببراعة بين الجماليات الأخاذة والتكنولوجيا الأكثر تقدمًا وتعقيدًا.
ولهذا، فمع كل ظهور له في مؤتمرات «آبل» العالمية، تتأكد القناعة السائدة بأنه ليس مجرد مهندس بارع يتقن فن التصميم؛ بل هو قائد بصير يعرف كيف يرسم خطوط المستقبل التقني للشركة.

الحياة المبكرة والتعليم
ولد جون تيرنوس في التاسع عشر من نوفمبر عام 1975. كما بنى أساسه الأكاديمي والفكري على منهجية صارمة قوّضت مفهومه للهندسة. هذا الالتزام المبكر بالدقة شكّل حجر الزاوية في شخصيته القيادية لاحقًا.
كما تلقى “تيرنوس” تعليمه الجامعي في مؤسسة عريقة. فحصل على درجة بكالوريوس العلوم في الهندسة من جامعة بنسلفانيا في عام 1997. لم يكن تخصصه الهندسة الميكانيكية خيارًا عابرًا؛ بل كان انعكاسًا لشغف عميق بفهم آليات الحركة والتصميم والبناء التي تحكم العالم المادي.
وخلال سنوات دراسته الجامعية، أظهر “تيرنوس” جانبًا آخر من شخصيته القيادية. فكان عضوًا فاعلًا في فريق السباحة للرجال بالجامعة. هذه التجربة الرياضية غرست فيه روح العمل الجماعي، والانضباط، والمثابرة على تحقيق الأهداف الصعبة. وهي صفات ظهرت بوضوح في مسيرته المهنية لاحقًا.
المسيرة المهنية
كما انطلق “تيرنوس” في رحلته المهنية مع شركة “آبل” في عام 2001، أي في فترة حرجة كانت الشركة تستعد فيها لإطلاق تحولاتها الكبرى.
في البداية، بدأ عمله كعضو في فريق تصميم المنتجات؛ حيث اكتسب خبرة مباشرة ومعمّقة في العملية الإبداعية والهندسية التي تميز منتجات “آبل” عن منافسيها. هذا المنصب الميداني المبكر منحه فهمًا لا يقدّر بثمن لجودة المنتج.
وبتطوّر خبراته وكفاءته، اعتلى “تيرنوس” مناصب قيادية متزايدة الأهمية؛ ليصبح في عام 2013 نائب رئيس هندسة الأجهزة تحت الإشراف المباشر للقيادي المخضرم دان ريتشيو. هذه الترقية وضعت على عاتقه مسؤولية الإشراف على تطوير عدد من الأجهزة الأكثر مبيعًا وحيوية للشركة. وتحديدًا أجهزة (AirPods) و(Mac) و(iPad). ما عزز مكانته كمهندس موثوق.
هندسة أجهزة “آيفون”
كما توسّعت دائرة إشرافه بشكلٍ ملحوظ في عام 2020. إذ أسندت إليه مسؤولية الإشراف على هندسة أجهزة (iPhone) الرئيسية. هذه الخطوة كانت ذات دلالة عميقة؛ فقد كان الإشراف على (iPhone) سابقًا تحت الإدارة المباشرة لـ “ريتشيو” نفسه. ما أكد الثقة المتزايدة في قدرات “تيرنوس” على إدارة المشاريع العملاقة.
بلغ “تيرنوس” ذروة صعوده المهني في الخامس والعشرين من يناير 2021؛ حيث صدر قرار بترقيته إلى منصب نائب الرئيس الأول لهندسة الأجهزة. ليخلف بذلك دان ريتشيو الذي انتقل إلى دور استشاري. هذا المنصب الرفيع جعله يرفع تقاريره مباشرة إلى تيم كوك؛ الرئيس التنفيذي. ما رسّخ مكانته كقائد تنفيذي من الطراز الأول.
كما واصلت مهام “تيرنوس” بالتوسع في أواخر عام 2022، عندما أضيفت إلى مسؤولياته الإشراف على هندسة أجهزة (Apple Watch). هذا التوسع في المهام يؤكد على دوره المركزي في قيادة الابتكار التقني الشامل لأكبر خطوط إنتاج “آبل” وأكثرها حساسية للسوق.

ترشيحه لخلافة تيم كوك
في ظل مسيرته الملهمة وتدرجه السريع، تتجه الأنظار إليه اليوم باعتباره أحد أبرز المرشحين المحتملين لخلافة تيم كوك في منصب الرئيس التنفيذي لشركة آبل. هذا الاهتمام ليس عابرًا؛ بل يستند إلى سجل حافل من الإنجازات والصفات القيادية الفريدة.
علاوة على ذلك، يشير تقرير لوكالة “بلومبيرج” إلى أن “تيرنوس” يتميز بكونه “أصغر أعضاء فريق القيادة التنفيذية في “آبل””. وهي ميزة تعزز من إمكانية استمراره طويل الأمد.
كما وصفه هذا التقرير بأنه “شخص كاريزمي ومحبوب على نطاق واسع”. وهي صفات ضرورية للقائد الذي يتولى قيادة شركة بحجم “آبل” وتأثيرها العالمي.


