الجنادرية.. رسالة حضارية إنسانية
يعبر المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني في كل عام عن اهتمام المملكة العربية السعودية بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية الأصيلة، واهتمام القيادة الرشيدة بأن تكون انطلاقة البلاد نحو التقدم والتنمية على أساس متين، يقيناً بأن من لا ماضٍ له يعتز به، ويستمد منه عناصر هويته لا يمكن أن يكون له حاضر زاهٍ ولا مستقبل واعد.
وقد رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حفظه الله هذا العرس الوطني المفعم بروح الانتماء والاعتزاز بالتراث الحضاري منذ أن كان فكرة، إلى أن تجسدت واقعاً في2 رجب 1405هـ (23 مارس 1985م)، وظل يرعاه إلى اليوم، حتى بلغ دورته التاسعة والعشرين، وهو لا يزال يحتفظ بعنفوانه وحيويته، وقدرته على الإبهار والإضافة، لما تميز به من تجديد، وتنويع في الفعاليات، ليصبح محفلاً ثقافياً، ومنبراً فكرياً، ومهرجاناً فنياً يلفت الأنظار، ويستقطب المتابعين من ذوي الاهتمامات المختلفة.
وتعدّ قرية الجنادرية للتراث مجمعاً متكاملاً لتراث كل مناطق المملكة، ومن أراد أن يعرف ملامح الحياة في تلك المناطق في الماضي تكفيه زيارة هذه القرية ليعرف الحرف والمهن التي كانت تمارس، وأساليب كسب العيش، والطرائق المبدعة في التكيف مع البيئة المحيطة، وتوظيفها في توفير سبل الراحة، وابتكار ما يجعل الحياة أكثر يسراً.
وقد كان هذا المهرجان سبباً في إحياء الاهتمام بالتراث، الذي نرى ملامحه في العمارة الحديثة في مناطق المملكة التي تستلهم القيم التراثية في البناء، وفي ظهور مهرجانات تهتم بالتراث في فيها، حتى أصبحت الحرف التقليدية مصدراً لدخل كثير من المواطنين.
ويعرّف المهرجان المواطنين والمقيمين في أرض المملكة من مختلف الجنسيات بل العالم أجمع -عبر التغطية الواسعة لفعالياته بمختلف وسائل الإعلام- بالفلكلور الثر للمملكة، إذ تقدم الفرق الشعبية عروضها الفنية، التي تتسم بالتنوع، لكون المملكة تمثل في حقيقتها قارة شاسعة غنية، كما يقدم الأدباء من كل المناطق ألواناً من الشعر الذي يتسم بالأصالة والتعبير الصادق عن البيئة.
ويضم المهرجان معرضاً للكتاب تشارك فيه كبريات دور النشر، وهي تعرض كل عام مئات العناوين الجديدة في كل ميادين الحياة، كما تقدم المؤسسات الحكومية أحدث جهودها وإسهاماتها في مجالاتها، مما يمثل تعريفاً بمواكبة المملكة لإيقاع الحياة المعاصرة.
وفي إطار سياسة الانفتاح التي تنتهجها المملكة، أتاح المهرجان مشاركة دول الخليج العربي، لتقدم عروضها الشعبية، وحرفها التقليدية، بل يستضيف المهرجان في كل عام دولة من دول العالم لتكون ضيف الشرف، ومن ثم، لتقدم ما يعبر عن تراثها الحضاري، وواقع الحياة بها، وما لديها من رموز في مختلف المجالات تسهم في خدمة الحضارة الإنسانية.
ولا يهتم المهرجان بالتراث والثقافة فحسب، وإنما يولي اهتماماً كبيراً لقضايا العالم المعاصرة، فيضعها على بساط النقاش والتداول، بمشاركة صناع القرار والمفكرين والسياسيين وغيرهم، من أجل فتح سبل الحوار البناء، والعمل معاً على إيجاد الحلول، وتوضح الأرقام أن هناك أكثر من 5 آلاف و300 من مفكري العالم شاركوا في هذا المهرجان منذ انطلاقته.
إن مهرجان الجنادرية رسالة حضارية من المملكة إلى العالم لإبراز أصالة قيمها الحضارية، التي تستمدها من الإسلام ديناً ومنهج حياة، مما يحتم عليها تغليب الروح الإنسانية وهي تتفاعل مع قضايا العصر، حرصاً على رخاء البشرية وتقدمها ليحل السلام والعدل محل الدمار والجور، وليصبح العالم فضاءً أرحب يسع الجميع على اختلاف الأجناس والثقافات والأديان.
الجوهرة بنت تركي العطيشان