تبدو العلاقة بين البيئة النظيفة والمسؤولية الاجتماعية للشركات جد متشابكة؛ فنحن هنا لن نعدم رابطًا بينهما، وإنما تأتي الصعوبة من جهة أخرى وهي محاولة استقصاء العلاقة بين طرفي المعادلة هاتين.
وأول ما يتوجب علينا بيانه هنا: ما هو الأثر الذي يتركه أحدهما على الآخر؟ بقول آخر: ما هو أثر البيئة النظيفة في المسؤولية الاجتماعية للشركات والعكس؟
ومن المعروف بداهة أن البيئة النظيفة هي أحد تجليات المسؤولية الاجتماعية؛ فالشركة الملتزمة لا تتورط في الإساءة إلى البيئة أو الإضرار بها. بهذا يمكن القول إن البيئة النظيفة هي نتيجة ممارسة اجتماعية وبيئية مسؤولة.
لكن الأمر لا يقتصر على هذا فحسب بل إن الحفاظ على البيئة سيؤدي إلى تعزيز الممارسات المسؤولة التي تقوم بها الشركات؛ بمعنى أن محاولة التوجه صوب البيئة النظيفة سيؤدي إلى المزيد من تعزيز الممارسات المسؤولة اجتماعيًا وبيئيًا.
اقرأ أيضًا: المأمول من المسؤولية الاجتماعية.. رد على كوارث عولمية
حدود البيئة النظيفة
يعتبر أمرًا بديهيًا التأكيد على أن المسؤولية الاجتماعية للشركات هدفها النهائي هدف عام؛ أي أنها لا تسعى لإصلاح بقعة جغرافية على حساب أخرى؛ إذ لو فعلت ذلك فهذا معناه أنها تمحو بنفسها نتاج عملها.
وذلك لأن العولمة قد جعلت كل شيء معولمًا حتى الكوارث؛ فالعالم قرية صغيرة، حدوده متداخلة وبنياته متشابكة، ومن ثم فلا أحد من سكان أقصى شمال الأرض بمعزل عما يجري لسكان أقصى جنوب الكرة الأرضية.
وتأسيسًا على هذا فإن البيئة النظيفة هي الأخرى لا تعني، من حيث النظرية على الأقل، سوى كل كوكب الأرض، فالتأثيرات البيئية أظهر وأشهر من أن تذكر؛ فمثلًا ظاهرة مثل الاحتباس الحراري، أو ثقب الأوزون، لا تؤثر في منطقة دون أخرى، وإنما تطال الكوكب برمته، والاشتغال عليها ومحاولة حلها يجب أن ينطلق من هذه النقطة بالأساس، كما يجب إدراك أن الوصول إلى البيئة النظيفة مسؤولية فردية وجماعية على حد سواء؛ فكل واحد منا مسؤول على الصعيد الفردي عن حماية البيئة، لكن يجب أن يكون هناك سعي مؤسسي من أجل الوصول إلى الغاية ذاتها.
فكل إنسان معنٍ بالعمل على تنظيف البيئة وحماية الكوكب من المزيد من التدهور البيئي، علاوة على أنه من المحتم انتهاج ممارسات مستدامة للنفايات، مثل إعادة التدوير، وإعادة الاستخدام، وتقليل النفايات حيثما أمكن ذلك.
هذا المنحى التنظيمي هو الذي يجعل من العلاقة بين البيئة النظيفة والمسؤولية الاجتماعية جد وطيدة، كما أن المنحي الفردي يؤكد فكرة المسؤولية الاجتماعية الفردية.
اقرأ أيضًا: استدامة المسؤولية الاجتماعية.. الفكر المركب وفهم الغايات
الابتكار الذكي
من المعلوم أن التطور الصناعي وما نجم عنه من تبعات مختلفة أحد الأسباب الكبرى التي أدت إلى تعاظم تلوث البيئة، وإلحاق الضرر بها، لكننا، وعلى الرغم من ذلك، لا نبغي الاستمرار في كيل الاتهامات إلى التقدم والتقنية والحداثة، رغم إيماننا الجازم بانحراف الحداثة عن مسارها الأصلي، لكن هذه مسألة لا يتسع المقام هنا لبسطها.
ما نتوخاه هنا هو محاولة استخدام التقنية ذاتها من أجل الوصول إلى البيئة النظيفة، بقول آخر: إننا نحاول الإشارة إلى الإمكانية التي تتوفر عليها التكنولوجيا والتي يمكن تساعدنا في الوصول إلى إنتاج نظيف غير مضر بالبيئة.
وهناك بالفعل بعض الأدبيات النظرية التي تماهي بين البيئة النظيفة والابتكار الذكي، وترى أن الاثنين وجهان لعملة واحدة.
والحق أن كثيرًا من الخبراء والمتحمسين لفكرة التحول الرقمي وتجنيد التكنولوجيا لصالح الأعمال التجارية يرون أن هذا التحول لن يعود بالنفع على البيئة فحسب، وإنما سيجني الإنسان ثمار ذلك أيضًا. وقد بسطنا هذه الآراء في غير ما موضع من قبل.
اقرأ أيضًا: الفوائد الخفية لتطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات
الاستثمار والخير
ومما تجدر الإشارة إليه أن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي محاولة المزاوجة بين الاستثمار والخير، فهذين الطرفين ليسا بعيدين عن بعضهما، وإنما تحاول المسؤولية الاجتماعية تقديم حلول وسط تضمن حصول الجميع على مكاسب ومنافع.
لكن المهم هنا أن التوجه إلى نظرية البيئة النظيفة يؤكد أن المسؤولية الاجتماعية يمكن أن تؤدي ممارسات خيرية.
اقرأ أيضًا:
أهداف ريادة الأعمال الاجتماعية.. إصلاح أخطاء عولمية
الأنشطة البيئية في الشركات والوعي الإداري
الأنظمة البيئية في الشركات.. التكامل والمنافسة