الطفولة لم تكن سهلة على تشانغبينغ تشاو، فقد تزامنت سنواته الأولى بالصين مع اتهام والده بـ”التحيز البرجوازي”. هذا الأمر دفع بعائلته إلى خيار الهجرة القسرية صوب كندا، وكان عمره آنذاك اثنتا عشرة سنة، سعيًا وراء انطلاقة جديدة ضمن بيئة أقل اضطهادًا. وخلال سنوات المراهقة بكندا، اضطر تشاو للمساهمة في إعالة أسرته النازحة. ولذا عمل بوظائف خدمية شاقة ومنخفضة الأجر، منها عامل بمطعم ماكدونالدز وموظف بمحطة وقود.
لكن هذه البدايات القاسية لم تُعِقْه عن شق طريقه الأكاديمي الطموح؛ إذ اختار التخصص بعلوم الحاسب الآلي بجامعة مكغيل المرموقة بمونتريال، كيبيك. وبات تشانغبينغ تشاو اليوم رجل أعمال صيني المولد يحمل الجنسية الكندية، ويعرف بكونه المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة بينانس (Binance). والتي تعدّ أضخم منصة عالمية لتداول العملات المشفرة.
النشأة في الصين والتحيز السياسي
وُلِد تشانغبينغ تشاو يوم العاشر من سبتمبر عام 1977 بمدينة ليانيونغانغ ضمن مقاطعة جيانغسو الصينية. وقد عمل والداه معلمين؛ حيث كان والده محاضرًا جامعيًا قبل أن تلصق به تهمة “التحيز البرجوازي”. الأمر الذي أدى إلى نفيه إلى المناطق الريفية عقب ولادة تشاو. وهذه الخلفية الصعبة أثرت بعمق شديد مسار حياته اللاحق.
وخلال أواخر الثمانينات، عندما بلغ الثانية عشرة من عمره، هاجر مع عائلته إلى كندا واستقروا بمدينة فانكوفر بمقاطعة كولومبيا البريطانية. شكلت تلك الهجرة نقطة تحول كبرى؛ إذ اضطر تشاو لتعلم الاعتماد على الذات في بيئة جديدة تمامًا، وهو ما عزز لديه روح المبادرة والجدية.
التخصص الأكاديمي
بعد تخرجه من جامعة مكغيل بتخصص علوم الحاسب الآلي، بدأ تشانغبينغ تشاو مسيرته المهنية بخطوات واثقة ومدروسة. فأولًا، التحق ببرنامج تدريب بطوكيو لصالح شركة متعاقدة مع بورصة طوكيو للأوراق المالية، وهناك عمل على تطوير برمجيات مطابقة أوامر التداول المعقدة.
ولاحقًا، أمضى تشاو أربع سنوات يعمل بدوام كامل بـ بلومبرغ تريدبوك مطورًا لبرمجيات تداول العقود الآجلة. هذه الفترة منحته خبرة عميقة بآليات عمل الأسواق المالية التقليدية وعالم التداول فائق السرعة.
البداية الريادية والتعرف على البيتكوين
في عام 2005، انتقل تشاو إلى مدينة شنغهاي ليبدأ مسيرته الريادية الخاصة. وهناكَ أسس أولى شركاته التكنولوجية، والتي حملت اسم Fusion Systems، وعرفت بتطوير أنظمة التداول الآلي فائق السرعة للوسطاء الماليين. وهو ما رسخ اسمه بمجال التقنية المالية.
وبحلول عام 2013، كانت نقطة التحول الكبرى؛ إذ تعرف تشاو على عملة البيتكوين أثناء لعبه البوكر مع بوبي لي. وكان لي قد نصحه باستثمار 10% من أمواله بالبيتكوين، لكن تشاو قرر المضي أبعد من ذلك بكثير، فقد باع شقته بشنغهاي واستثمر كل ثروته بالبيتكوين. وهو قرار جريء أثار استياء أسرته آنذاك.
تأسيس بينانس والقفزة العالمية
وفي العام ذاته، انضم تشاو إلى فريق تطوير Blockchain.info، وكذلك شغل منصب المدير التقني بـ OKCoin. وهو ما أتاح له في نهاية المطاف اكتساب خبرة مباشرة بالبنية التحتية للعملات المشفرة. شكلت هذه الخبرات المتراكمة الأرضية الصلبة التي انطلق منها لاحقًا.
تلا ذلك إطلاق منصة بينانس (Binance) بـ يوليو 2017؛ حيث نجحت بجمع 15 مليون دولار خلال الطرح الأولي للعملة (ICO). وبدأ التداول عليها بعد أحد عشر يومًا فقط. وبفعل هذا التطور، تمكن تشاو في أقل من ثمانية أشهر، وتحديدًا بحلول أبريل 2018، من جعل بينانس أكبر منصة لتداول العملات المشفرة عالميًا من حيث حجم التداول. محققًا بذلك نموًا غير مسبوق.
العملات الخاصة وتوسيع المنظومة التقنية
وفي العام نفسه الذي حققت فيه بينانس الصدارة العالمية، أطلق تشاو عملة بينانس (Binance Coin – BNB). وهي عملة رقمية توفر لحامليها مزايا متعددة مثل تخفيض رسوم التداول داخل المنصة. وهذا الابتكار أضاف قيمة هائلة للنظام البيئي للشركة.
وفي أبريل 2019، عززت الشركة تفوقها بإطلاق سلسلة بينانس الذكية، والتي نُظر إليها كمنافس مباشر لشبكة إيثريوم بفضل دعمها القوي للعقود الذكية وتطبيقات التمويل اللامركزي. كما أسس تشاو الفرع الأمريكي للمنصة في عام 2019.
قفزة في الثروة والمركز ضمن الأثرياء
شهدت ثروة تشانغبينغ تشاو؛ مؤسس بورصة العملات المشفرة Binance، قفزات قياسية خلال السنوات الأخيرة. وهو ما جعله يحتل مكانة بارزة ضمن نخبة الأثرياء العالميين. كانت مجلة فوربس قد أدرجته في فبراير 2018 بالمركز الثالث ضمن قائمة أغنى الشخصيات بعالم العملات المشفرة؛ حيث قدرت ثروته ما بين 1.1 و2 مليار دولار.
لكن ثروة تشاو ارتفعت بشكل هائل، في 6 أكتوبر 2025، لتصل إلى نحو 87 مليار دولار. وبذلك احتل المركز 21 بقائمة أثرياء العالم، وفقًا لتقديرات مجلة فوربس. ويعزى هذا الارتفاع الصاروخي بشكلٍ كبيرٍ لنجاح منصته وعملتها الخاصة.
الدعم القياسي لعملة BNB
جاء هذا الارتفاع الكبير في ثروة تشاو مدفوعًا بالقفزات القياسية التي حققتها عملة BNB التابعة لمنصته. والتي شهدت ازدهارًا لافتًا خلال عام 2025 بشكلٍ خاص. محققةً مستويات غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة.
وخلال الساعات الماضية التي سبقت التقديرات، بلغت BNB ذروتها التاريخية عند 1220 دولارًا، بعد ارتفاعها بنسبة 3% خلال 24 ساعة فقط. وهذا النمو انعكس مباشرة على القيمة الإجمالية لثروة مؤسس المنصة الأشهر في عالم الكريبتو.
الأصول المتنوعة والهيمنة المالية
ويمتلك تشاو حصة مسيطرة في شركة Binance العملاقة، إلى جانب كميات ضخمة ومؤثرة من عملة BNB. وتضاف إلى هذه الأصول استثمارات متنوعة في البيتكوين وعدد من الأصول المشفرة الأخرى.
أسهم هذا الارتفاع الجماعي في سوق العملات المشفرة في تعزيز مكانته ضمن نخبة الأثرياء العالميين. مؤكدًا نظرته الثاقبة للاستثمار في هذا القطاع. وقد صرّح في 6 أبريل 2021 لمجلة بلومبرج ماركتس أن ما يقرب من 100% من صافي ثروته السائلة موجود في شكل عملات رقمية.
العودة كمستشار دولي
لم يبتعد تشاو طويلًا عن المشهد العالمي لتطوير الأصول الرقمية. ففي 7 أبريل 2025، عيّنته وزارة المالية الباكستانية مستشارًا إستراتيجيًا لمجلس العملات المشفرة الباكستاني
وكانت مهمته الموكلة إليه هي الإشراف على تطوير وتعزيز تقنيات البلوكشين والعملات الرقمية في البلاد. وهو ما يؤكد الاعتراف بخبرته التقنية على المستوى الحكومي.
دوره في قيرجيزستان والاستشارات الرئاسية
وبعد أسابيع قليلة من تعيينه في باكستان، وتحديدًا في 3 مايو 2025، تمّ تعيينه مستشارًا لرئيس قيرجيزستان، صادير جاباروف، لتطوير قطاع الأصول الرقمية في الدولة. هذه التعيينات الإستراتيجية تبرز القيمة التي يمثلها تشاو كخبير في تطوير البنية التحتية للعملات المشفرة.
وهذا الدور الاستشاري الجديد يفتح فصلًا جديدًا في مسيرة تشاو، يركز على المساهمة في بناء الأطر التنظيمية والتقنية لقطاع الأصول الرقمية في الدول النامية.