الغضب في الحقيقة هو عاطفة ثانوية؛ طبقة خارجية من الحماية يستخدمها الناس غالبًا كحاجز ليحصنوا أنفسهم ضد مشاعر سلبية أولية. مثل: الشعور بعدم الاحترام أو الغيرة أو الخيانة أو الاستياء (على سبيل المثال لا الحصر).
لماذا نفعل ذلك؟ لأن الغضب سهل التحكم؛ إذ يمكن لأي شخص عديم الحس أن يجلس ويجعل نفسه غاضبًا. بمجرد التفكير في عناوين الأخبار، أو في ذلك الشخص الذي أساء إليه قبل أيام، أو ربما في مديره أو زميله في العمل. بل إن من السهل أيضًا أن نستحضر الغضب تجاه أنفسنا بسبب فعل نعتبره غبيًا أو سخيفًا.
لكن الغضب مجرد قناع؛ علامة «ممنوع الدخول» نضعها بيننا وبين الآخرين (أو حتى بيننا وبين أنفسنا). لنُخفي وراءها انعدام الأمان أو الاستياء.
كما أن وصف الشخص بأنه «غاضب» هو ترياق الضعيف للتعامل مع الألم الداخلي. لأنه لولا ذلك لكان عليه مواجهة المشكلة الحقيقية الكامنة في الأعماق (انظر العواطف الأولية أعلاه) والتعامل معها فعلًا.
7 خرافات عن الغضب
فيما يلي بعض الخرافات التي اكتشفتها عن الغضب:
1. التنفيس عن غضبي هو الطريقة للتخلص منه
لا ليست كذلك، وهذه قصة زائفة يرويها الناس لأنفسهم. أراهنك أن قضاء الوقت مع من تحب، أو تخصيص وقت لنفسك. أو ممارسة الرياضة، أو النوم الجيد، كلها طرق تخلصك من الغضب ولكن بطريقة أكثر إنتاجية.
كما الغضب يولّد غضبًا أكبر؛ فلا أستطيع أن أتذكر جدالًا واحدًا قلت فيه لنفسي بعد انتهائه: «يا له من شعور رائع بعد أن سمعتك تصرخ بأعلى صوتك. يجب أن نفعل ذلك أكثر».
وعلى العكس الغضب يضخّم نفسه. فكلما عبّرت عن غضبك أصبحت أكثر غضبًا؛ وكلما صنعت غضبًا أصبحت أكثر مهارة في إنتاجه وتجاهل الجوانب الأعمق في نفسك (أي العواطف الأولية). بعبارة أخرى: كلما عززت العزلة بينك وبين ذاتك الحقيقية.
2. الغضب = القوة
ربما هذه أعظم خرافة تجعل الكثير من الرجال يدّعون الغضب. لأنهم في العمق غير واثقين من أنفسهم ويستخدمون الغضب لتغطية ذلك، كما يظنون أن الغضب يجعلهم يبدون أقوياء أو ذوي سلطة.
ولو كانوا واثقين من أنفسهم بحق لكانوا أكثر استماعًا وأقل دفاعًا، ولما كانوا يبالغون في تصرفات الآخرين أو يقللون من شأنهم أو يحطّون منهم. لأنهم كانوا سيتصرفون من منطلق القوة لا الضعف.
3. إذا لم أعبّر عن غضبي فسوف يدهسني الآخرون
كذلك من السهل الوقوع في هذا الفخ بسبب الميل إلى الكارثية (أي افتراض الأسوأ دائمًا). لكن ليس عليك أن تكون ممسحة للآخرين كي تدافع عن نفسك.
يمكنك أن تخبرهم بما تشعر به من دون أن تهاجمهم. بالطبع توبيخ الآخرين يمنح شعورًا مؤقتًا بالرضا؛ لكنه زائل، ثم يعود نفس النمط من جديد.
4. ما تراه هو ما تحصل عليه
نعم من السهل جدًا أن تُغلق الباب وتضع الآخرين خارجًا. شخصيًا يمكنني فعل ذلك في لحظة، لكن هذه ليست «قدرة خارقة» أريد أن أنقلها إلى أطفالي.
الحقيقة أن المظاهر قد تكون مضللة. فمع «الأشخاص الغاضبين» هناك ما يبدو على السطح، وهناك الواقع الحقيقي الكامن تحت ذلك.
5. غضبي يدفعني إلى الأداء الأفضل
هل يعتمد الأداء العالي على مدى غضبك؟ هيا الآن. لو كان ذلك صحيحًا لما كانت التأملات تشكل مكونًا أساسيًا في الصلابة الذهنية. ولما وُجدت برامج لإدارة الغضب من أجل التنظيم الذاتي، ولما وُجد العنف الأسري لأن العلاقات كانت ستزدهر.
الواقع أن الرحمة، لا الغضب، هي التي تدفع إلى الأداء الأفضل. فعندما تسامح نفسك على الأخطاء تصبح أكثر انفتاحًا على التعلم من الفشل واحتضانه (والفشل لا وجود له في الحقيقة، لكنه موضوع لمقال آخر).
كما أن الرحمة تتيح لك التعلم من أخطائك بدلًا من أن تجعل نفسك رهينة لمعايير عبثية تبقيك في سعي دائم دون وصول. ما يؤدي في النهاية إلى خيبة أمل مستمرة.
6. الغضب عاطفة إنسانية والانفجار مبرر لأنني إنسان
نعم ولكن هناك ميل لدى من يعتنقون هذا المبدأ إلى «الانفجار» كلما ضايقهم شيء. المشكلة أن التعبير عن الغضب يجعل الآخرين يسمعون دراماتك العاطفية لكنهم لا يسمعون رسالتك.
وهنا تبرز نقطة دقيقة ومهمة جدًا: هناك فرق بين الشعور بالغضب والتعبير عنه. الاثنان ليسا شيئًا واحدًا.ولا يرتبطان ارتباطًا لا ينفصم. والشعور بالغضب استجابة إنسانية طبيعية للتجارب ويجب أن يحدث؛ أما التعبير عن الغضب فهو أسلوب تواصل تحركه الأنا والاحتياجات الظاهرية المذكورة أعلاه.
7. إذا أظهرت لشريكي مدى غضبي نصبح أقرب
الواقع عكس ذلك تمامًا. راجع الخرافة الأولى إن لم يكن الأمر واضحًا.
والحقيقة أن الغضب يقطع الصلة بينك وبين الآخرين. فالاستسلام للغضب يعني الاستسلام للأنا، والأنا لا تريد سوى التفرد وبناء حواجز منيعة لحماية نفسها. والغضب إحدى أدواتها المفضلة لذلك.