في ضوء التحولات الأخيرة التي يمر بها المشهد الاقتصادي العالمي تطور قطاع الاستثمار الجريء خلال شهر أكتوبر 2024. إذ سجل رقمًا قياسيًا جديدًا في حجم التمويل؛ فبلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الجريئة عالميًا 32 مليار دولار.
وذالك وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن منصة Crunchbase المتخصصة في مجال الاستثمار.
الاستثمار الجريء
أضف إلى ذلك يمثل هذا الرقم الضخم زيادة ملحوظة مقارنة بالشهور السابقة من العام ذاته؛ حيث سجل نموًا بنسبة 54% على أساس شهري، و11% على أساس سنوي.
في حين يعكس هذا الارتفاع الكبير في حجم التمويل مدى الثقة المتزايدة التي يتمتع بها المستثمرون في الشركات الناشئة الواعدة. لا سيما تلك التي تعمل في القطاعات التكنولوجية المتقدمة.
من ناحية أخرى فإن تحليل البيانات يكشف عن أن صفقات التمويل الكبيرة. والتي تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار، لعبت دورًا حاسمًا في دفع عجلة نمو هذا القطاع.
فيما ركزت هذه الصفقات بشكلٍ خاص على قطاعات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والطاقة المتجددة. ما يعكس اهتمام المستثمرين المتزايد بتمويل المشاريع التي تساهم في حل التحديات العالمية الملحة.
الذكاء الاصطناعي يستحوذ على الحصة الأكبر
كذلك أظهرت البيانات أن قطاع الذكاء الاصطناعي استحوذ على الحصة الأكبر من إجمالي التمويل؛ حيث جمعت الشركات الناشئة العاملة في هذا القطاع مبلغًا قدره 12.2 مليار دولار. ما يمثل حوالي 38% من إجمالي التمويل لشهر أكتوبر الماضي.
ويعود هذا الاهتمام الكبير بالذكاء الاصطناعي إلى التطبيقات الواسعة لتلك التكنولوجيا في مختلف المجالات. بدءًا من الصناعة والخدمات ووصولًا إلى الرعاية الصحية.
بينما حل قطاع الرعاية الصحية والتقنية الحيوية في المرتبة الثانية من حيث حجم التمويل؛ إذ جمعت الشركات الناشئة العاملة في هذا القطاع مبلغًا قدره 5.6 مليار دولار.
كما يؤكد هذا الاستثمار المتزايد في قطاع الرعاية الصحية السعي الدائم لتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الصحية العالمية. مثل: الأمراض المزمنة والأوبئة.
ولا يقتصر هذا الزخم على قطاع الذكاء الاصطناعي الصحة فحسب، بل يشمل أيضًا قطاعات حيوية أخرى. فشهدت قطاعات الخدمات المالية والأجهزة والطاقة نموًا ملحوظًا في حجم الاستثمار الجريء خلال الشهر ذاته؛ حيث جمعت الشركات الناشئة العاملة في كل من هذه القطاعات تمويلًا تجاوز 4 مليارات دولار.
يثبت هذا التوزيع الواسع للاستثمار الجريء الثقة المتزايدة التي يتمتع بها المستثمرون في قدرة هذه القطاعات على تحقيق عوائد مجزية في المستقبل القريب. بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة والفرص الواعدة التي تتيحها تلك القطاعات.
توزيع الاستثمارات الجريئة في أكتوبر 2024
توزعت الاستثمارات الجريئة خلال شهر أكتوبر 2024 على ثلاث مراحل تمويل رئيسية؛ حيث شهدت مرحلة التمويل المتقدمة نموًا ملحوظًا مقارنة بالشهور السابقة. بينما حافظت المرحلتان التأسيسية والمبكرة على استقرار نسبي.
أولًا: مرحلة التمويل التأسيسية
لم تشهد مرحلة التمويل التأسيسية، التي تشمل المراحل المبكرة جدًا مثل: مرحلة البذرة وما قبل البذرة والاستثمار الملائكي. تغييرات جوهرية مقارنة بالشهور السابقة. وبلغ إجمالي قيمة الاستثمار فيها نحو 2.8 مليار دولار. موزعة على أكثر من 1000 صفقة تمويل.
ويشير هذا الاستقرار النسبي إلى أن المستثمرين ما زالوا يركزون على دعم الشركات الناشئة في مراحلها الأولى. مع توفير التمويل اللازم لتطوير منتجاتها وخدماتها.
ثانيًا: المرحلة المبكرة
أما بالنسبة للمرحلة المبكرة، والتي تشمل جولتي التمويل “أ” و”ب”. فسجلت نموًا طفيفًا مقارنة بالشهور السابقة؛ حيث بلغ إجمالي قيمة التمويل نحو 10.9 مليار دولار أمريكي. موزعة على أكثر من 500 جولة تمويل.
ويعكس هذا النمو المتواضع استمرار الثقة في الشركات الناشئة التي أثبتت جدواها وقدرتها على النمو. والتي تحتاج إلى المزيد من التمويل لتوسيع نطاق أعمالها.
ثالثًا: مرحلة التمويل المتقدمة
شهدت مرحلة التمويل المتقدمة، والتي تشمل جولات التمويل “ج” وما بعدها، تطورًا لافتًا خلال شهر أكتوبر 2024. إذ ارتفع إجمالي قيمة الاستثمار في هذه المرحلة بأكثر من 100% مقارنة بالشهر السابق، ليصل إلى حوالي 18 مليار دولار. موزعة على أكثر من 180 صفقة تمويل.
ويشير ذلك الارتفاع الحاد إلى تحول في توجهات المستثمرين؛ حيث أصبحوا أكثر ميلًا إلى ضخ استثمارات كبيرة في الشركات الناشئة التي أظهرت نموًا واعدًا وقربها من تحقيق أهدافها.
من ناحية أخرى فإن ثبات حجم الاستثمار في هذه المرحلة على أساس سنوي قد يعكس حذر المستثمرين في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
في النهاية يمكن القول إن مشهد الاستثمار الجريء يشهد تحولات مثيرة للاهتمام. إذ تتركز الاستثمارات الكبيرة بشكلٍ متزايد في المراحل المتقدمة من دورة حياة الشركات الناشئة.
هذا التحول يعكس زيادة ثقة المستثمرين في قدرة هذه الشركات على تحقيق عوائد مجزية. ولكنه أيضًا يسلط الضوء على الحاجة إلى دعم الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة لضمان استدامة هذا النمو.
كما تؤكد هذه البيانات أن قطاع الاستثمار الجريء يظل محركًا رئيسيًا للاقتصاد العالمي. ويوفر فرص عمل جديدة ويدفع عجلة الابتكار.