يبدو مُهمًا، بل ضروريًا، إدراك أن صياغة الإستراتيجية ليست مجرد عملية تخطيطية روتينية، بل هي فن وعلم يتطلبان رؤية ثاقبة وتحليلًا دقيقًا. ففي عالم الأعمال المتسارع؛ حيث تتغير الظروف باستمرار، يصبح وضع إستراتيجية فاعلة أمرًا حاسمًا لتحقيق النجاح والاستدامة. ومع ذلك يقع العديد من القادة والمنظمات في أخطاء شائعة أثناء هذه العملية الحيوية. ما يؤدي إلى نتائج عكسية وتضييع للفرص.
علاوة على ذلك يغفل البعض أهمية المرونة في صياغة الإستراتيجية؛ إذ يجب أن تكون قابلة للتعديل والتغيير وفقًا للمتغيرات البيئية والتحديات الجديدة. من ناحية أخرى يميل البعض إلى التركيز على الأهداف قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى؛ ما يؤدي إلى عدم استدامة النجاح. في حين أن البعض الآخر يبالغ في التفاؤل والتقديرات غير الواقعية. وهو ما يسبب وضع خطط طموحة غير قابلة للتنفيذ.
صياغة الإستراتيجية
كذلك من الأخطاء الشائعة عدم إشراك جميع الأطراف المعنية في صياغة الإستراتيجية؛ إذ من الضروري أن تشمل عملية الصياغة جميع المستويات الإدارية والموظفين، بالإضافة إلى العملاء والموردين والشركاء. بينما يكتفي البعض الآخر بالاستعانة بمستشارين خارجيين دون الاعتماد على الخبرات الداخلية للمؤسسة. كما أن هناك من يتجاهل أهمية التواصل الفاعل في عملية التنفيذ. ما يؤدي إلى عدم فهم الموظفين للإستراتيجية وأهدافها.
ومن الضروري أن تتسم الإستراتيجية المؤسسية بالدقة والواقعية؛ حيث من الضروري الاعتماد على بيانات ومعلومات موثوقة ومحدثة، وتجنب الانسياق وراء المعلومات المغلوطة أو القديمة التي قد تقود إلى قرارات خاطئة. كما يتعين على المؤسسات أن تمتلك رؤية إستراتيجية فريدة، تتجاوز مجرد تقليد المنافسين، وتستند إلى ظروفها وإمكانياتها الخاصة.
ولا يقل أهمية عن ذلك ضرورة تبسيط الإستراتيجية وتوضيحها؛ لتكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وتجنب التعقيد الذي قد يعوق تحقيق الأهداف المنشودة.
أخطاء شائعة يجب تجنّبها عند صياغة الإستراتيجية
ثمة مجموعة من الأخطاء الشائعة التي تعترض طريق المنظمات عند صياغة الإستراتيجية؛ ما يؤدي إلى نتائج غير مرضية، بل قد يعرض مستقبلها للخطر.
1. الرؤية الغائبة:
يعدّ غياب الرؤية الواضحة طويلة المدى من أكثر الأخطاء شيوعًا؛ حيث تفشل منظمات عديدة في تحديد هدفها الأساسي والقيمة التي تقدمها لعملائها. ودون رؤية واضحة تصبح المنظمة كالسفينة التي تبحر في بحر متلاطم الأمواج دون وجهة محددة. ما يعرضها لخطر الضياع والتخبط.
ومن الضروري أن تمتلك كل منظمة بيانًا واضحًا للهدف، يحدد القيمة المضافة التي تقدمها منتجاتها أو خدماتها للعملاء، ورؤيتها للمستقبل خلال الخمس إلى السبع سنوات القادمة.
2. أهداف ضبابية:
تقع شركات كثيرة في فخ وضع أهداف وإستراتيجيات غير قابلة للقياس. ما يجعل من الصعب تقييم التقدم المحرز وتحديد مدى تحقيق الأهداف. فالقياس هو الرصد المستمر والدائم للعملية بمرور الوقت، وإظهار مستوى التقدم ودرجة التباين.
وتضمن الأهداف القابلة للقياس أن المراقب يمكنه تحديد ما إذا كان هناك تحسن تم إحرازه، وكيف يتوافق مع التغييرات في العملية. على سبيل المثال: بدلًا من وضع هدف عام مثل: “تحسين رضا العملاء” يمكن وضع هدف محدد وقابل للقياس مثل: “زيادة نسبة رضا العملاء بنسبة 15% خلال الربع القادم”.
3. شلل التحليل:
تميل بعض المنظمات إلى الإفراط في تحليل الوضع والتخطيط، وهذا يسبب ما يعرف بـ “شلل التحليل”. فبدلًا من اتخاذ قرارات سريعة ومدروسة تقضي هذه المنظمات وقتًا طويلًا في محاولة التوصل إلى الإستراتيجية المثالية، متجاهلة حقيقة أن الظروف تتغير باستمرار، وأن أفضل نهج هو التخطيط حتى الحصول على ثقة معقولة، ثم بدء التنفيذ مع إجراء التعديلات اللازمة أثناء العملية.
وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من منهجية “هوشين”، التي تعتمد على عملية المراجعة لضبط الخطة أثناء التنفيذ.
4. مقاييس الأداء:
تعتمد بعض المنظمات على مقاييس أداء ضعيفة، مثل: بيانات قصصية يصعب تتبعها. وهو ما يجعل من الصعب تقييم الأداء بشكلٍ دقيق. ولتجنب هذا الخطأ ينبغي التركيز على إنشاء بيانات قابلة للقياس وجعلها إلزامية.
على سبيل المثال: بدلًا من الاعتماد على تقييمات العملاء اللفظية يتم استخدام استبيانات رقمية تتضمن مقاييس محددة لرضا العملاء.
5. تعدد المسؤولين:
يؤدي تعيين عدة ملاك لمهمة واحدة إلى تشتيت المسؤولية والمساءلة، ما يعوق عملية التنفيذ ويؤدي إلى نتائج غير مرضية؛ إذ تتداخل الصلاحيات وتتضارب التوجيهات، وبطبيعة الحال، ما يولّد بيئة من الارتباك وعدم اليقين.
بدلًا من ذلك يجب تحديد مسؤول واحد لكل مهمة، والتأكد من وضوح الأدوار والمسؤوليات، وتحديد خطوط السلطة بشكلٍ قاطع. ما يضمن سير العمل بسلاسة وفعالية، ويحقق النتائج المرجوة.
6. صمت القاعدة:
غالبًا ما تغفل الإدارة العليا عن حقيقة أن المعرفة الحقيقية بإمكانات التحسين تكمن في صفوف الموظفين العاملين في المستويات الأدنى. فهؤلاء هم الذين يدفعون عجلة التغيير بجهودهم اليومية، والأقدر على تقديم رؤى واقعية حول إمكانات التحسين والتأثيرات المحتملة في الأهداف والإستراتيجيات العليا.
وإغفال آراء هؤلاء الموظفين يؤدي إلى فقدان التركيز على الأهداف الحقيقية، وتكاثر فرق تحسين العمليات بشكلٍ غير ضروري؛ وتكرار الجهود دون جدوى.
7. الهدف المشتت:
يحدث هذا الخلل الوظيفي عندما ينخرط الموظفون في تنفيذ خططهم الفردية، متجاهلين تأثيرها في الأهداف الوظيفية المشتركة أو الأهداف العليا والدنيا للمؤسسة أو الشركة.
وبالطبع يؤدي هذا التضارب في الأهداف إلى تشتت الجهود وتبديد الموارد. وهو ما يعوق تحقيق النتائج المرجوة.
8. تعديل بلا طائل:
في عالم الأعمال المتقلب قد تطرأ تغيرات مفاجئة خلال العام؛ وذلك يدفع البعض إلى إعادة صياغة الخطة بشكلٍ متكرر.
ولكن في منهجية هوشين تعالج عملية المراجعة الدورية معظم هذه التغيرات، ولا يستدعي الأمر إعادة كتابة الخطة إلا في حالات استثنائية نادرة، مثل: عمليات الاندماج أو التقسيم.
9. خطة بلا بوصلة:
لا شك أن وضع خطة هوشين دون تحديد جداول زمنية للتنفيذ، ودون إجراء مراجعات دورية، هو مضيعة للوقت والجهد؛ إذ إن جداول التنفيذ هي التي تحدد المسار الزمني لتحقيق الأهداف.
والمراجعات الدورية تضمن تتبع التقدم وتصحيح المسار عند الحاجة. فدون هذه العناصر الأساسية تصبح الخطة مجرد وثيقة نظرية لا قيمة لها على أرض الواقع.
10. طموح مفرط:
يقع العديد من المبتدئين باستخدام منهجية هوشين في خطأ تحديد عدد كبير جدًا من الأهداف. فمن الطبيعي أن تسعى المنظمة إلى تحقيق جميع أهدافها في وقت واحد.
ولكن الواقع يشير إلى أن معظم المشاريع يتأخر عن المواعيد المحددة. ما يؤدي إلى ظهور مشكلات متراكمة. والأفضل هو التركيز على إنجاز عدد قليل من المشاريع بشكلٍ كامل. بدلًا من البدء في عدد كبير من المشاريع دون القدرة على إنجازها.
في نهاية المطاف يتضح جليًا أن صياغة الإستراتيجية ليست مجرد إجراء شكلي. بل هي عملية حيوية تتطلب في الأساس وعيًا عميقًا بجميع التحديات والفرص. وقدرة على التكيف مع المتغيرات، والتزامًا بتحقيق الأهداف المنشودة.
وعن طريق تجنب كل هذه الأخطاء الشائعة التي تم التطرق إليها. يمكن للمنظمات أن تضع إستراتيجيات فاعلة ومستدامة، تضمن لها التفوق في عالم الأعمال المتنافس، وتحقق لها النجاح والازدهار.